الجمعة 2021/04/23

تجريد النظام من حقوقه في “حظر الأسلحة الكيماوية”: عقاب رمزي؟

جرّدت الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أول من أمس الأربعاء، النظام من حقه في التصويت داخل المنظمة، في إجراء وُصف بأنه "غير مسبوق"، بينما رآه بعض المعارضين السوريين "خطوة رمزية" ما لم يقترن بخطوات إضافية متاحة لمعاقبة النظام على جرائمه بحق المدنيين.

 

وجاء القرار غداة صدور تقرير عن المنظمة ذاتها قبل أيام يتهم النظام صراحة باستخدام غازات سامة في عام 2018 في الشمال الشرقي من سوريا. وصوتت الدول الأعضاء في المنظمة بغالبية الثلثين المطلوبة لصالح مذكرة دعمتها دول عدة، منها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وتنصّ على تعليق "حقوق وامتيازات" نظام الأسد داخل المنظمة، ومن ضمنها حقه في التصويت. وأيّدت المذكرة 87 دولة وعارضتها 15 دولة في طليعتها نظام الأسد وروسيا والصين وإيران، ومندوبة السلطة الفلسطينية روان سليمان، وامتنعت 34 دولة عن التصويت. وشاركت 136 دولة في التصويت من أصل الدول الأعضاء الـ 193.

 

ووجد القرار ترحيباً عريضاً؛ كونه "بمثابة رسالة قوية ضد الإفلات من العقاب"، وفق بيان صدر عن الاتحاد الأوروبي. ورحب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، بالقرار، مشيراً إلى أنّ نظام بشار الأسد "استخدم السلاح الكيميائي 50 مرة". في المقابل، ندد النظام على لسان مندوبته إلى المنظمة، رانيا الرفاعي "بقرار سيكون له وقع كارثي على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وسيسيّس نشاطها أكثر". وحذرت الرفاعي من أن هذا القرار "سيكون له عواقب خطرة على تعاوننا" مع المنظمة، متهمة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بـ"خدمة المنظمات الإرهابية".

 

من جانبه، أوضح مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، نضال شيخاني، في حديث مع موقع "العربي الجديد"، أنّ "التصويت أتى بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، وذلك لبعث رسالة واضحة مفادها عدم التهاون مع الدولة العضو التي خرقت اتفاقية المنظمة". واعتبر أنّ "تجميد عضوية سورية، قرار رمزي، ولكنه في الوقت نفسه بمثابة خطوة أولى نحو العدالة التي تبدأ بإزاحة نظام بشار الأسد من الأروقة الدولية، وعدم الترويج له سياسياً لولاية دمار جديدة"، في إشارة إلى ترشحه لولاية رئاسية جديدة.

وتابع شيخاني أنّ "هذه الإجراءات تعطي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الصلاحيات للتوجه بشكوى إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة ضدّ الدولة العضو التي خرقت اتفاقية المنظمة، ولا سيما أن المدير العام للأخيرة فرناندو آرياس، ذكر في تصريح له من بروكسل أخيراً، أنّ المنظمة أثبتت تورط النظام في 18 هجوما بالأسلحة الكيميائية". ورأى شيخاني في القرار "تأكيد على أنه لم يعد هناك مجال للدبلوماسية أو طرح الحلول، وإنما زادت القناعات لدى الدول الأطراف بأن بشار الأسد مجرم حرب ولا يمكنه استرجاع مقعده في المنظمة مرة أخرى".

 

وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية اتهمت النظام قبل أيام بقصف مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي بغاز سام في فبراير/شباط عام 2018، إذ اعتبر فريق المحققين المكلف تحديد هوية الطرف المسؤول عن هجمات كيميائية أن "ثمة دوافع معقولة" للاعتقاد بإلقاء مروحية عسكرية تابعة للنظام السوري "برميلاً واحداً على الأقل" على المنطقة المستهدفة. وأوضح التقرير أنّ "البرميل انفجر، ناشراً غاز الكلور على مسافة واسعة، مصيباً 12 شخصاً".

 

وكانت المنظمة نفسها اتهمت النظام في إبريل/نيسان من العام الماضي، باستخدام الأسلحة الكيميائية في ريف حماة عام 2017. وذكر منسق فريق التحقيق التابع للمنظمة، سانتياغو أوناتي لابوردي، في بيان حينها، أنّ فريقه "خلص إلى وجود أسس معقولة للاعتقاد بأن مستخدمي السارين كسلاح كيميائي في اللطامنة (محافظة حماة) في 24 و30 مارس/آذار 2017 والكلور في 25 مارس 2017 هم أشخاص ينتمون إلى القوات الجوية السورية".

 

في السياق، رأى الباحث السياسي رضوان زيادة، في قرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، تجريد النظام من حقوقه وامتيازاته في المنظمة، "خطوة رمزية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يعقل أن يقتصر الإجراء على الخطوة المتخذة، في حق دولة عضو في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تستخدم الأسلحة ضد شعبها، كما ثبت في تقرير للمنظمة". وتابع "كان على المنظمة أن تأخذ مواقف أشد من قبيل تحويل الملف إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات". وقال زيادة: "الضعف الأميركي أذهلني"، مضيفاً "اختفى خلف موقف الأوروبيين بدل أن يكون رائداً في ضرورة فرض عقوبات أممية، بعدما ثبت استخدام النظام للسلاح الكيميائي". 

وعن أسباب ضعف الموقف الدولي تجاه النظام في ملف حساس كهذا، أعرب زيادة عن اعتقاده بأنه "ليست هناك رغبة لدى الأميركيين في فتح جبهة، ليس هناك احتمال لاتخاذ قرارات مختلفة بشأنها، فلذلك يسكتون".

 

وكان النظام انضم إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية أواخر عام 2013، بعد أن استخدم غازات سامة على نطاق واسع في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، ما دفع الإدارة الأميركية حينها إلى التلويح بمعاقبة النظام الذي سارع إلى الموافقة على تسليم ترسانته من الأسلحة المحرمة دولياً لتفادي ضربة عسكرية أميركية كان يمكن أن تقوّضه.

 

وأعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مطلع عام 2016، أنه تم تدمير مخزون السلاح الكيميائي في سوريا، ولكن المنظمة ذاتها عادت واتهمت النظام باستخدام غازات سامة بعد ذاك التاريخ، ما يعني أنّ النظام لا يزال يحتفظ بجانب كبير من ترسانته.

 

وكان النظام ضرب مدينة خان شيخون بغازات سامة في إبريل 2017، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين. وعقب ذلك استهدفت الولايات المتحدة مطار الشعيرات في ريف حمص. وفي خضم محاولات قوات النظام والمليشيات الإيرانية إخضاع الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق، في الربع الأول من عام 2018، قصفت طائرة تابعة للنظام مدينة دوما بغازات سامة، ما أودى بحياة ما لا يقل عن 70 شخصاً، بينهم أطفال ونساء.