السبت 2022/02/19

بيدرسن يروّج لمقاربة “خطوة بخطوة”: مزيد من تمييع العملية السياسية السورية

بات المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن في مرمى الاتهام، لسلوكه طريقاً يؤدي إلى مزيد من المماطلة في عمل اللجنة الدستورية، التي لم تفرز الجولات الست الماضية منها عن أي مخرجات حقيقية تفضي إلى صياغة دستور جديد للبلاد، ولو بمادة أو بند واحد.

 

وأصبحت المخرجات الحقيقية أكثر بعداً، لا سيما بعدما بات النظام وعبر إعلامه الرسمي، يستخدم مصطلح "لجنة مناقشة تعديل الدستور"، بما يعني تمسكه بدستور البلاد الذي أقر في العام 2012.

 

بيدرسن يروج مقاربته في دمشق

ووضع بيدرسن نفسه في مرمى الشبهات بعد طرحه مقاربة "خطوة بخطوة" (تبادل خطوات الثقة بين النظام والمجتمع الدولي) وتمسكه بتنفيذها. وفصّل المبعوث الأممي مقاربته في زيارته إلى دمشق، التي انتهت أول أمس الخميس، وذلك أمام وزير خارجية النظام فيصل المقداد، على الرغم من رفض المعارضة لها.

 

وكذلك، فإن بيدرسن بات يتمسك بـ"كليشه" إبداء التفاؤل قبل انعقاد كل جولة من جولات "الدستورية"، وفي طريق استجداء النظام وحلفائه التوصل إلى موعد لها، كما حصل خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق وجولته الإقليمية في سبيل التوصل إلى انعقاد الجولة السابعة.

 

وأنهى بيدرسن، مساء الخميس، زيارته إلى دمشق بعد لقاءات أجراها مع وزير خارجية النظام، بالإضافة للقائه الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد النظام أحمد الكزبري، وأعضاء من قائمة المجتمع المدني (الثلث الثالث) من المقيمين في دمشق، ليخرج بموعد أولي لعقد الجولة السابعة بداية الثلث الأخير من شهر مارس/آذار المقبل.

 

وهذا الأمر ناقشه بيدرسن تحديداً مع الكزبري وأعضاء وفد المجتمع المدني. أما لقاؤه مع المقداد، فقد خصّصه بيدرسن لشرح مقاربة "خطوة بخطوة" في محاولة إقناع النظام بها. وألمح المبعوث الأممي أمام المقداد إلى مباركة الروس والأوروبيين والأميركيين هذا الطرح. وأعطى انطباعاً، خلال تصريحاته بعد لقاء المقداد، بأنه تمكن من سحب اقتناع النظام بالمقاربة، بقوله: "اتفقنا على مواصلة هذا النقاش".

 

المعارضة السورية ترفض المبادرة

وكانت المعارضة السورية قد أعلنت مراراً رفضها هذه المقاربة. وجاء ذلك أخيراً على لسان رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة، الذي قال في 9 فبراير/شباط الحالي إن موقف الهيئة "جرى توضيحه بشكل منهجي وموضوعي وشفاف لشعبنا".

 

وأوضح أن رفض المبادرة جرى إبلاغه لبيدرسن، مشدداً على أن "موافقتنا على الانخراط في العملية السياسية لا تعني الموافقة على كل ما يتم طرحه علينا". ولفت إلى أن "الذي نسعى إليه هو حل سياسي عادل يُنهي معاناة شعبنا، والتنفيذ الكامل للقرار الدولي 2254، وتحقيق الانتقال السياسي الذي هو الهدف الأساسي للعملية السياسية". وخلصت هيئة التفاوض إلى أن مقاربة بيدرسن تقدم حوافز للنظام السوري.

 

بيدرسن إلى موسكو

وستحتاج مقاربة بيدرسن للبدء بها إلى إقناع أطراف إقليمية عدة. والحديث هنا عن الروس لجهة النظام، والأتراك لجهة المعارضة. وكان بيدرسن قد زار، في فبراير الحالي ويناير/كانون الثاني الماضي، كلاً من الرياض وعمّان والدوحة وأنقرة وطهران، لكسب التأييد للبدء بتنفيذ هذه المقاربة وممارسة الضغوط لعقد جولة جديدة من المسار الدستوري.

 

وستكون المحطة المقبلة له في موسكو في 23 فبراير (الأربعاء المقبل)، حيث سيلتقي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لبحث مواضيع عدة في إطار التسوية السورية، وفي مقدمتها المقاربة واللجنة الدستورية. وهذا اللقاء سيكون عقب يوم واحد من لقاء لافروف بالمقداد الذي سيصل إلى موسكو الاثنين المقبل.

 

على أرض الواقع، لا تبدو الأمور مُبشّرة لجهة إحداث خرق حقيقي للتقدم في عمل اللجنة الدستورية أو تنفيذ أي مقاربة للتسوية والحل في سورية. وقالت مصادر في دمشق، لـ"العربي الجديد"، إن النظام يحاول كسب الوقت والمماطلة من خلال إعطاء وعود بالانخراط جدياً في مباحثات اللجنة الدستورية للخروج بنتائج، أو حتى التجاوب مع المقترحات والمبادرات على جانبها، ومنها مقاربة "خطوة بخطوة".

 

ولفتت المصادر، التي هي على تواصل مع خارجية النظام، إلى أن بيدرسن سمع كلاماً من المقداد والكزبري بات يعرف بـ"الكليشه"، وأن إبداء التفاؤل من قبل بيدرسن بعد زيارته دمشق جاء بناء على هذه الوعود التي تملص منها النظام سابقاً، ومن المؤكد أنه سيفعل الشيء نفسه هذه المرة.

 

فرصة جديدة للمماطلة

وستكون أمام النظام فرصة جديدة للمماطلة بعد تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بضرورة مشاركة الأكراد في عملية الإصلاح الدستوري السورية.

 

وفي مقابلة مع قناة "روسيا اليوم"، قال بوغدانوف، أول من أمس الخميس: "إذا كنا نتحدث عن الإصلاح الدستوري، فنحن ندعم مشاركة ممثلي السكان الأكراد أيضاً في العملية، وذلك سيحول دون أي اتهامات بالانفصال". وأضاف: "لذا ندعم أن يجد السوريون، بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو العرقية، حلولاً وسطاً في علاقاتهم، استناداً إلى مبادئ الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية".

 

ومن شأن هذا الطرح، إذا ما أصّر الروس عليه، أن يعيد عدّادات المسار الدستوري إلى الصفر، وحتى العملية السياسية برمتها، إذ يصّر النظام على عدم الاعتراف بأي جسم كردي، عسكري أو سياسي، وبالتالي، موضوع قبول المشاركة الكردية في أي مسار من خلال الأجسام أو المنصات.

 

كذلك، فإن المعارضة تعتقد بمشاركة الأكراد من خلال أشخاص داخل الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض، وبالتالي، وفد اللجنة الدستورية، من دون الاعتراف بالتشكيلات الكردية السياسية والعسكرية المعادية لها أساساً.

 

وتعليقاً على طرح بوغدانوف مسألة مشاركة الأكراد في المسار الدستوري، رأى عضو اللجنة الدستورية عن قائمة المعارضة عبد المجيد بركات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن النظام سعى ويسعى دائماً للمماطلة، وسيجد في تصريحات بوغدانوف باباً لكسب مزيد من الوقت وتعطيل العملية السياسية، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن عندما تكون هناك رغبة من قبل النظام والروس بالخروج عن السياق الأممي.

 

وأعاد بركات التذكير بموقف المعارضة من مبادرة المبعوث الأممي، مؤكداً أنها "رفضت ولا تزال مبدأ خطوة بخطوة"، وأن ذلك تمّ "بعد مشاورات داخل أجسام المعارضة والمكونات وحلفاء المعارضة".

 

وأوضح بركات أن "أسباب الرفض لم يكن لها جانب انفعالي، لكن غموض المبدأ وخروجه عن السياق الدولي للحل، وكذلك خروج بيدرسن به عن مهامه كمبعوث أممي، جعلنا نرفض". وأكد بركات أن المعارضة "ملتزمة بالحل وفق القرار 2254 والمرجعيات الدولية ولا شيء غير ذلك، ونحن منفتحون على أي خطوة أو مبادرة، لكن ضمن الإطار الأممي للحل".