الثلاثاء 2022/01/18

بعد “أرسلان”.. انطلاق محاكمة “طبيب التعذيب” غداً في فرانكفورت

 

لم يمضِ أسبوع على طي محكمة ألمانية في مدينة كوبلنز غربي البلاد، محاكمة أول مسؤول سوري رفيع بتهم جرائم ضد الإنسانية، حتى بدأت الاستعدادات في محكمة أخرى بمدينة فرانكفورت التي تبعد قرابة الساعة ونصف الساعة عن كوبلنز، لمحاكمة متهم ثانٍ بارتكاب جرائم حرب بعد الثورة السورية.

 

وتبدأ يوم غد، محاكمة الطبيب السوري علاء موسى، البالغ من العمر 36 عاماً، والمتهم بتعذيب وقتل سجناء في سوريا بين عامي 2011 و2012. ويواجه الطبيب السوري تهماً بقتل سجين، وتعذيب 18 شخصاً آخرين، بحسب المدعي العام، في محاكمة حددت أول 14 جلسة منها. وسيشهد في القضية 9 شهود ممن تعرضوا للتعذيب على أيدي الطبيب الذي كان يعمل في مستشفيات عسكرية في حمص ودمشق.

 

وتحرك الادعاء العام الألماني في العام الماضي، وطلب إصدار مذكرة توقيف بحق موسى، بعد أن حصل على أدلة جمعها «المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية»، تثبت تعرض سجناء للتعذيب على يد موسى. ويجمع «المركز السوري» الذي يرأسه المحامي والناشط السوري أنور البني، أدلة ضد مجرمين سوريين منذ سنوات، وساعد كذلك في بناء الملف الذي أدى إلى إدانة الضابط السوري أنور رسلان، والحكم عليه بالسجن المؤبد يوم الخميس الماضي.

 

وأصدر «المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية»، بياناً رحب فيه بالاستعداد لانطلاق محاكمة موسى، وأكد على «استمرار مسيرة ملاحقة المجرمين ضد الإنسانية ومجرمي الحرب في سوريا، في محاكم ألمانيا والدول الأوروبية». وأشار إلى أن موسى كان يلقَّب بـ«طبيب التعذيب» من قبل بعض الضحايا. وروى عن أحد الشهود قوله إنه شاهد موسى يأمر بإخراج معتقل من الزنزانة إلى الممر وإلقائه أرضاً، ثم داس على جراحه المتقيحة بحذائه المتسخ، وقال له: «هذه هي الطريقة التي تعالج بها مثل هذه الجروح».

 

وأكمل البيان الرواية، نقلاً عن أحد الشهود، قائلاً إن موسى «صب بعد ذلك المطهر على الساعد المتقيح وأشعل فيه النار، ثم قام بركل الضحية متهماً إياه بأنه أعظم خائن في البلاد، وبقي يركله حتى فقد الوعي».

 

وأشار بيان المركز إلى ملاحظة من مكتب المدعي العام، تقول بأن «الأطباء في عيادة عسكرية أخرى، كانوا دائماً يحملون طلقات البوتاسيون المميتة معهم لإبادة منتقدي النظام».

 

وصل موسى إلى ألمانيا عام 2015؛ حيث تعلم اللغة الألمانية، وعدَّل شهادته ليبدأ العمل بعد ذلك في مستشفيات ألمانية في ولاية هسن وعاصمتها فرانكفورت. وعند اعتقاله في 19 يونيو (حزيران) من عام 2020، كان ما زال يعمل في أحد مستشفيات المدينة، وأودع منذ ذلك الحين السجن الاحتياطي، في انتظار بدء محاكمته.

 

وتمكن المدعي العام من جمع شهود إضافيين خلال فترة اعتقال موسى، ليصل عدد الشهود الذين ستستمع إليهم المحكمة إلى 9. وقد تعتمد المحكمة كذلك على «صور قيصر» لإثبات التعذيب الممنهج الذي تشهده السجون السورية. واعتمد الادعاء في محكمة كوبلنز على هذه الصور في محاكمة الضابط رسلان، لترسم صورة عن التعذيب الممنهج الذي كان يحصل داخل السجون السورية بحق المعارضين. وقبلت المحكمة بالصور، وقالت بأن خبيراً ألمانياً أكد صحتها، وأنها تثبت فعلاً التعذيب الذي كان يتعرض له السجناء. ورغم أن عدد الشهود في محاكمة الطبيب موسى، أقل من الذين شهدوا في قضية رسلان التي شارف عدد الشهود فيها على الخمسين، فإن التهم الموجهة إليه، لو ثبتت، ستُلحق به حكماً بالسجن مدى الحياة.

 

وأشار المركز الذي يرأسه المحامي أنور البني، إلى أن موسى تواصل مع السفارة السورية في برلين، لمحاولة الحصول على مساعدة في محاكمته وتزويده بوثائق تثبت براءته، كما ناقش مع موظف في السفارة مساعدته للخروج من ألمانيا.

 

ومن التهم الموجهة إلى الطبيب علاء، تعذيب 9 سجناء، على الأقل، بضربهم وركلهم على رؤوسهم وأجسادهم، وإحراق أعضائهم التناسلية عبر سكب مواد حارقة عليها ثم إشعالها. كذلك، يوجه الادعاء تهمة قتل أحد السجناء الذي كان مصاباً بداء الصرع، عبر منع الدواء عنه وضربه ضرباً مبرحاً، في البداية بأنبوب بلاستيكي، ثم إعطائه حبة دواء تسببت في وفاته.

 

ويُتهم موسى كذلك بقتل سجين آخر عبر حقنه بمادة غير معروفة، عقاباً له لدفاعه عن نفسه أمام الضرب إلى كان يتعرض له. كما يُتهم موسى بالدوس على جرح ينزف لأحد السجناء قبل أن يصب عليه مادة تعقيم تحوي كحولاً، ويشعل النار فيه، ما تسبب في حرقه بدرجات مختلفة. ونفذ موسى هذه الجرائم في مستشفى حمص العسكري، ومستشفى المزة العسكري، في دمشق.

 

ويعتبر الناشطون السوريون المحاكمات الحاصلة في ألمانيا لمجرمين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية في سوريا، باب أمل بأن تحقيق العدالة ممكن حتى من دون وجود دعم سياسي دولي لمحاكمات دولية.

 

ووصفت منظمة العفو الدولية، المحاكمة القادمة في فرانكفورت، بأنها «خطوة مهمة نحو التعامل مع الجرائم الجماعية في سوريا، وتحقيق العدالة للشعب السوري». وجاء في بيان للمنظمة، إن «المحاكمة تلقي نظرة تفصيلية لأول مرة، على وظيفة المستشفيات العسكرية في جهاز النظام السوري، وترسل بوجه عام إشارة واضحة ضد الإفلات من العقاب في سوريا، وتوضح أنه يمكن إخضاع؛ ليس فقط جنود وموظفي الاستخبارات؛ بل أي شخص، للمساءلة، وفقاً لمبدأ القانون العالمي».

ويعتمد الناشطون السوريون على مبدأ «الولاية القضائية العالمية»، لملاحقة المسؤولين عن الجرائم في سوريا في دول أوروبية مختلفة. ويسمح هذا المبدأ الذي تعتمده معظم الدول الأوروبية -ولكن بمفهوم يختلف بين كل دولة وأخرى- بمحاكمة مجرمين لا ينتمون للبلد عن جرائم ارتكبوها في مكان آخر. وقال المحامي البني بعد صدور قرار الحكم المؤبد على أنور رسلان، إن «هذه المحاكمات تفتح باباً أمام السوريين كانوا يعتقدون بأنه مغلق»، بسبب عدم قدرة مجلس الأمن على التحرك لمعارضة روسيا والصين في إحالة النظام إلى المحكمة الجنائية الدولية. 

وتنظر دول أوروبية أخرى، مثل النمسا وإسبانيا وفرنسا والسويد، في قضايا مشابهة، ولكن لم تصل أي منها بعد إلى المحاكمة.

 

تجدر الإشارة إلى أن المدعين في المحكمة، سيمثلهم «المركز الأوروبي لحقوق الإنسان الدستورية» الذي يضم محامين ألماناً مثلوا المدعين في محاكمة أنور رسلان.