الجمعة 2021/07/16

بريطانيا تقلص موازنة المساعدات الإنسانية.. فكيف سينعكس القرار على سوريا وبقية الدول المستفيدة؟

نجح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في تمرير قانون مثير للجدل، بشأن تقليص حجم المساعدات الإنسانية الدولية، من 0.7% إلى 0.4% ما يعادل تراجعا قيمته 4 مليارات جنيه إسترليني، بداية من السنة المالية القادمة، وأثار القانون معارضة شديدة حتى داخل حزب المحافظين الحاكم.

 

وقادت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي تمردا على جونسون لإسقاط هذا القانون الذي ترى فيه إضرارا بصورة ومكانة بلادها دوليا، إلا أن جونسون نجح في تمرير القانون مستندا إلى أغلبيته المريحة وقدرته على حشد الدعم في صفوف حزبه.

 

ونزل القرار كالصاعقة على العشرات من مؤسسات العمل الخيري عبر العالم، خاصة أن بريطانيا تعتبر من أكبر الدول المانحة في مجال المساعدات الإنسانية، وسيدفع اللاجئون في الدول العربية والإسلامية الثمن الأكبر من هذا القرار الذي سيزيد من تعقيد وضعهم.

 

آثار كورونا

تبرر الحكومة البريطانية قرار تقليص نسبة مساعداتها بنحو 4 مليارات جنيه إسترليني بداية من السنة المالية المقبلة، بتضرر ميزانية الدولة من جائحة كورونا، مؤكدة أنه بمجرد أن تعلن وزارة الخزانة تحسن الوضع المالي للبلاد سيعود الرقم للارتفاع، وهو ما يعتبره كثيرون مراوغة من حكومة جونسون لأن التعافي من آثار الجائحة قد يتطلب سنوات عديدة.

 

ويستمد الاهتمام بتراجع المساعدات الإنسانية البريطانية قوّته من كون لندن تعتبر ثاني أكبر مساهم في المساعدات الدولية، من حيث ناتجها الإجمالي، بعد ألمانيا (التي تخصص 0.72% من الناتج الإجمالي)، مما يعني أن كل تقليص سيؤدي إلى تراجع كبير في الميزانية العالمية المخصصة للعمل الإنساني، وخلال العام الحالي خصصت بريطانيا 14.5 مليار جنيه إسترليني لهذه المساعدات.

 

وبجرد لقائمة الدول الأكثر استفادة من المساعدات الإنسانية البريطانية، يظهر أن جميعها دول إسلامية وعربية، وفي المقدمة منها تأتي باكستان (305 مليون جنيه إسترليني)، وفي القائمة أيضا اليمن (260 مليون جنيه إسترليني) وسوريا (233 مليون جنيه إسترليني).

 

وبعد تمرير هذا القانون، دقّ كثير من المؤسسات الإنسانية الدولية ناقوس الخطر بشأن تضرر مشاريعها في أكثر من منطقة في العالم؛ إذ أعلنت لجنة الإنقاذ الدولية في بيان لها أن تمويل مشاريعها في سوريا سوف يتقلص بنسبة 75% بعد هذا القرار.

 

وفي اليمن حيث الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، فإن التزامات بريطانيا للمساعدة في تخفيف معاناة اليمنيين تراجعت خلال العام الحالي إلى 87 مليون جنيه إسترليني من 139 مليون جنيه في العام الماضي، والوضع نفسه ينطبق على اللاجئين الروهينغيا الذين تراجعت المخصصات الموجهة إليهم (321 مليون جنيه إسترليني) بنسبة 42%.

 

أما على صعيد المؤسسات الدولية، فقد أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" أن تمويلها سوف يتراجع بنسبة 60%، وانتقدت منظمة أطباء بلا حدود في بيان لها هذا القرار الذي تم اتخاذه بين عشية وضحاها "من دون أي مرحلة انتقالية، وهو ما من شأنه أن يؤثر على الكثير من المشاريع المهمة بالنسبة لعملنا".

 

آثار مدمرة

بإحباط شديد، يتحدث تشارلز لولي -أحد المشرفين على الأعمال الإنسانية في الشمال السوري- عن هذا القرار واصفا إياه "بالمدمر"، وبرر الناشط الإنساني البريطاني -في تصريحه للجزيرة نت- هذا القرار بكون بريطانيا من أكبر المانحين في العالم.

 

وأكد تشارلز أن هذا القرار سوف يؤثر على حياة عشرات الآلاف من السوريين، والآلاف من الأطفال الذين يعتمدون في مأكلهم ومشربهم وتعلمهم على هذه المساعدات الإنسانية "وحاليا سيتم وقف 3 مشاريع تعليمية أو تقليص قدرتها الاستيعابية بحوالي الثلثين".

 

وأكد تشارلز أن الوقت "الحالي هو وقت رفع المساعدات مع تبعات الجائحة على سكان المخيمات وليس تقليصها، خصوصا وأن الحاجة جد ماسة في مجال توفير المياه والتعليم والأكل".

 

ولا تتوقف الجهود من أجل التواصل مع الحكومة لتخفيف أضرار هذا القرار، حيث كشف تشارلز أنهم يشتغلون رفقة عدد من المؤسسات الخيرية على التواصل مع البرلمانيين والوزراء "لتوضيح خطورة هذا القرار وبأنه لا يتماشى مع شعار ’بريطانيا العالمية‘ الذي ترفعه حكومة بوريس جونسون".

 

ورفض مدير عدد من المشاريع الخيرية في الشمال السوري تبرير الحكومة البريطانية بأن القرار بسبب تضرر الميزانية لأنه "في حال تقلص مداخيل الدولة، فبشكل آلي سوف تتراجع المساهمات من دون الحاجة لتحديد نسبة معينة".

 

بدوره، اعتبر المدير التنفيذي لمؤسسة "سوريا ريليف" عثمان مقبل -في حديث مع الجزيرة نت- أن هذا القرار سوف يلحق ضررا بالمشاريع الإنسانية "التي نشتغل عليها والتي كانت مدعومة من الحكومة البريطانية".

 

وتحدث مقبل عن بعض المشاريع التي يشرف عليها، والتي يتوقع أن تتضرر جراء هذا القانون، بقوله "لدينا حاليا برنامج تعليمي، يقدم التعليم لآلاف الأطفال، ولا نعرف حتى الآن كيف سنتعامل معه خلال العام المقبل، ولم يخبرنا أحد بشأن ما إذا كان سيحصل على تمويل أم لا".

 

وكشف مقبل عن أن هذا القرار يأتي بعد تخفيضات متتالية في المساهمات البريطانية في الأعمال الإنسانية، مشيرا إلى أنه "في المؤتمر الأخير -مثلا- بشأن مساعدة سوريا، تعهدت ألمانيا بتقديم 1.3 مليار دولار، وفرنسا بـ600 مليون دولار، أما بريطانيا فتعهدت بـ200 مليون دولار فقط".