الخميس 2021/11/11

انعدام الأمن الغذائي.. موجة غلاء متسارعة تهدد ملايين السوريين في مناطق النظام

تشهد أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة في الأسواق السورية ضمن مناطق سيطرة النظام منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ارتفاعا قياسيا بوتيرة متسارعة تصل إلى 1.5% يوميا و10.5% أسبوعيا لأكثر السلع، في حين تتفاوت هذه النسب صعودا وهبوطا باختلاف المواد ومستوى العرض والطلب عليها.

 

بينما تتعاظم مأساة الأُسر السورية في مناطق سيطرة النظام، لا سيما الأسر النازحة نتيجة لهذا الغلاء المتسارع؛ فقبل هذه الموجة من الغلاء كان عدد الأفراد الذين هم تحت خط الفقر 90% -بحسب منظمة الأمم المتحدة- وهو ما يهدد الآن الآلاف من العائلات بالجوع أو سوء التغذية وما ينضوي عليه من مخاطر صحية.

 

في حين لا يبدو أن ثمة حلولا تلوح في الأفق لهذا الخطر الداهم الذي يواجه ملايين السوريين في مناطق سيطرة النظام، في ظل تعثر الحل السياسي وانهيار معظم القطاعات الحيوية في البلاد.

 

أسعار فلكية

وقد أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي نشرتها لأسعار المواد الأساسية التي شهدت معظمها ارتفاعا ملحوظا بنسب تتراوح بين 3% و20%، بحسب المواد المتعددة.

 

ولو أراد المواطن السوري شراء كيلوغرام واحد من كل سلعة من هذه المواد لكانت التكلفة 84 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل نحو متوسط الراتب الشهري للموظف الحكومي الذي يبلغ 90 ألف ليرة (25 دولارا)، وأقل من أدنى مستوى للأجور في القطاع الخاص والمحدّد بـ74 ألف ليرة سورية في الشهر.

 

أما في الأسواق، فتبين أن الأسعار الفعلية للمواد في محال بيع المفرق (التجزئة) تفوق النشرة الحكومية بنسبة ارتفاع من 5 إلى 25%، في حين تختلف هذه الأسعار من منطقة إلى أخرى، بل من محل إلى آخر.

 

ففي حين كان سعر كيلو السكر في النشرة 2500 ليرة سورية، فإنه في السوق بلغ 3 آلاف ليرة، وبينما كان سعر لتر زيت دوار الشمس في النشرة 8500 ليرة، فإنه وصل في السوق إلى 11 ألفا؛ وعلى هذا المنوال يمكن قياس الارتفاع في مختلف المواد المذكورة في النشرة الخاصة بوزارة التجارة الداخلية.

 

أما عن مصادر البروتين المختلفة من لحوم حمراء وبيضاء وبيض، فيمكن القول إن مجرد التفكير في شرائها يعني للمواطن السوري ضربا من المزاح الثقيل، حيث بلغ سعر كيلو لحم العجل 24 ألف ليرة (7 دولارات)، أما سعر كيلو لحم الغنم فوصل إلى 30 ألف ليرة (8.5 دولارات)، في حين وصل سعر صحن البيض (20 بيضة) إلى 13 ألف ليرة (3.7 دولارات)، أما أسعار لحوم الدجاج المختلفة فتراوحت ما بين 5700 و13700 ليرة (1.6 و3.8 دولارات) وهي -بالنسبة للموظفين في القطاعين العام والخاص- أسعار فلكية لا تتناسب مع قيمة رواتبهم.

 

والجدير بالذكر أن أسعار السلع ارتفعت بنسبة 107% في مناطق سيطرة النظام منتصف عام 2020 وتضاعفت هذه النسبة مع اقترابنا من نهاية العام الجاري.

 

شبح انعدام الأمن الغذائي

بعيدا عن لغة الأرقام وقريبا من السوريين، يمكن للمرء الذي يسير في شوارع دمشق وريفها وسائر مناطق سيطرة النظام أن يكتشف حجم الكارثة التي تعكسها موجات الغلاء المتعاقبة على العائلات التي بات أفرادها يعملون ليلا ونهارا من أجل تأمين قوت يومهم ومحاولة النجاة في هذه الظروف الكربة.

 

عائلة هاجر (33 عاما) -موظفة تعمل بائعة في محل بقالة في ريف دمشق- واحدة من تلك العائلات التي اضطرها الفقر والغلاء إلى اتخاذ قرارات مجحفة بحقها كونها عائلة تريد العيش بكرامة واستقلال، فتقول هاجر -للجزيرة نت- "اضطررت أنا وزوجي لاتخاذ قرار بالانفصال سكنيا عن بعضنا بعضا لنوفّر 150 ألف ليرة (24.5 دولارا) كنا ندفعها مقابل إيجار لشقتنا القديمة، وبهذا عدت أنا إلى بيت أهلي واستأجر هو برفقة أصدقائه شقة يتقاسمون إيجارها".

 

أما سامية (46 عاما) -متطوعة في منظمة الهلال الأحمر في دمشق- فتحكي عن واقع الفقر وسوء التغذية الذي تعتبره مهمشا إعلاميا وحكوميا بالقول: "نجوب مئات المنازل شهريا، ونشاهد مئات العائلات التي تعتمد في قوتها اليومي على الخبز وما تيسر من نشويات وسوائل ساخنة تمكنت من الحصول عليها إما شراء أو عبر السلال الغذائية. أما الأطفال فترين وجوههم مصفرة وشاحبة على الدوام، وغالبا ما يكونون بحاجة لفيتامينات لا تتمكن المنظمة من توفيرها بصورة مستمرة".

 

وعن واقع معيشة تلك الأُسر النازحة إجمالا، تروي سامية: "إن أي محاولة لاختزال المأساة التي تعيشها تلك العائلات ستكون مجرد كلام لا قيمة له، فمعظم تلك الأسر تنقص بيوتها أبسط الاحتياجات الإنسانية من طعام وبراد ومدفأة ومنظفات وغيرها، وما نقدمه نحن لهم لا يغطي إلا الجوانب الغذائية وبعض الجوانب الصحية، ومن المؤكد أن تلك الأسر لن تتمكن من شراء مدفأة بسعر مليون ونصف ليرة (425 دولارا) أو براد بضعفي ذلك السعر".

 

وتبقى المأساة الكبرى -بحسب سامية- هي غلاء المواد الاستهلاكية والغذائية الرئيسية التي تصبح يوما بعد آخر حلما بعيد المنال بالنسبة إلى تلك العائلات، وهو ما ينعكس على أطفالهم الذين تظهر على معظمهم عوارض سوء التغذية.

 

في حين يشير تقرير لبرنامج الأغذية العالمي إلى أن 12.4 مليونا من السوريين يعانون انعدام الأمن الغذائي بزيادة قدرها 4.5 ملايين عن العام الماضي، وأن أسعار المواد الغذائية الأساسية في سوريا أعلى بمعدل 29 مرة من متوسطات ما قبل الأزمة.

 

وكشف تقرير للأمم المتحدة -مطلع العام- عن أن العائلة السورية بحاجة إلى مبلغ 234 دولارا لشراء المواد الأساسية من خبز وسكر وأرز وعدس وزيت، وهو ما يعادل 824 ألف ليرة سورية أي 10 أضعاف متوسط الرواتب في البلاد.

 

أسباب الغلاء

لا شك في أن الحرب الطاحنة التي لا تزال تدور رحاها منذ أكثر من عقد من الزمن بين أطراف النزاع السوري هي العامل الرئيسي في هذا الانهيار الاقتصادي المتسارع، وبالتالي في تلك الموجات المتعاقبة من غلاء الأسعار.

 

محمود خوجة -خبير اقتصادي من ريف حلب- يشير إلى أن الارتفاع الذي شهدته الأسعار خلال الأسابيع القليلة الماضية لا يعدو كونه نتيجة طبيعية لسوء إدارة النظام إذ "أدخلت حكومة النظام ميزانيتها والمواطن في معادلة صفرية أو قل معادلة يخسر فيها الطرفان؛ ففي هذه المعادلة يضطر النظام إلى الإبقاء على الدعم الحكومي لمعظم المواد الاستهلاكية من محروقات ومواد غذائية من أجل الإبقاء على فعالية القوة الشرائية (الهزيلة أساسا) للرواتب، وهو ما يشكل ضغطا هائلا على الخزينة، في حين يبقى السوري في الطرف الآخر من المعادلة يجاهد طوال الشهر للتقتير والتوفير عبثاً؛ فالراتب لا يمكن أن يصمد في يد أيّ سوري في مناطق النظام لأكثر من 4 أيام".

 

ويضيف محمود -في حديثه للجزيرة نت- "وهكذا ومع كل عجز في الموازنة وعدم القدرة على ضبط الأسعار في السوق، يضطر النظام إلى رفع أسعار مواده المدعومة التي تؤدي بالتالي إلى ارتفاع الأسعار في السوق".

 

ويتابع: "والدليل على ذلك أن النظام أخذ بالتحايل على هذا الدعم رويدا رويدا؛ فمرة يتحايل من خلال رفع أسعار المواد الغذائية والتذرع بالارتفاع العالمي، كما ورد على لسان مدير الأسعار محمود إبراهيم عن رفع سعر الزيت والبن، ومرة يتحايل من خلال إتاحة شراء أسطوانات الغاز بأسعار مضاعفة من مؤسساته تصل إلى 10 دولارات للأسطوانة، في حين أنّ دور الغاز في البطاقة الذكية يستغرق 3 و4 شهور وبالطبع سيضطر المواطن لشراء أسطوانة بـ10 دولارات عندئذ، ومرة أخرى من خلال رفع سعر لتر المازوت الصناعي إلى 1700 ليرة، وغيرها من الأساليب".

 

ويتابع: "وبهذا يمكن القول إن النظام بدأ برفع الدعم شيئا فشيئا عن السلع، بينما لا يمكنه أن يؤمِن لموظفيه رواتبا تغطي كل تلك الاحتياجات وبالأسعار الجديدة المضاعفة التي تحددها مؤسساته".

 

أما عن سبب الانهيار الاقتصادي، فيكتفي محمود بالقول: "إن تعنت النظام سياسيا واتكاله المستمر على حلفائه المفلسين وأحلامه الوردية حيال مسار التطبيع الذي بادرت إليه بعض الدول العربية هو سبب كل مآسي السوريين وليس الانهيار الاقتصادي فحسب".