الجمعة 2021/04/30

انتخابات النظام: الكثير من الكومبارس الموالين للأسد

أكثر من 50 مرشحاً، جُلهم غير معروفين، تقدّموا بطلباتهم لخوض الانتخابات الرئاسية المحسومة النتائج التي يتجهز النظام لإجرائها أواخر مايو/ أيار المقبل، وفق دستور وضعه في العام 2012، فُصّل على مقاس رئيس هذا النظام، بشار الأسد.

واستبقت الولايات المتحدة هذه الانتخابات بالتأكيد على لسان مندوبتها لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، أن "ما تُسمى الانتخابات الرئاسية، التي يخطط نظام الأسد لإجرائها في 26 مايو/ أيار المقبل، لن تكون حرة ولا نزيهة، بل مزيفة ولا تمثل الشعب السوري".

 

وأُغلق الأربعاء الماضي باب قبول طلبات الترشح لهذه الانتخابات. وبلغ عدد المتقدمين 51 مرشحاً، بينهم 7 نساء، في مشهد أثار سخرية السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن كل المرشحين يعلنون ولاءهم المطلق لبشار الأسد، ما يؤكد أن هذه الانتخابات فصل جديد من مسرحية سياسية عبثية بدأت في 1970 مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة. وفي العام 2000 كان الفصل الثاني حين عُدّل الدستور خلال دقائق لتمرير استلام الأسد الابن السلطة، إذ لم يكن في حينه قد وصل للسن القانوني الذي نص عليه هذا الدستور الذي كان والده قد وضعه في 1973. ويتعيّن على كل مرشح للانتخابات أن ينال تأييد 35 عضواً على الأقل من أعضاء "مجلس الشعب" (البرلمان) البالغ عددهم 250، والذي يهيمن عليه حزب "البعث" الحاكم للبلاد منذ 1963. وأعلن وزير إعلام النظام عماد سارة، أمس الخميس، أن المحكمة الدستورية العليا، التي يُعيّن أعضاءها الأسد، ستبت خلال 12 يوماً بأسماء المرشحين النهائيين الذين نالوا تأييد "مجلس الشعب"، الذي يضم أعضاء، جلّهم يتبعون للنظام بشكل أو بآخر، ويزخر بـ"أمراء الحرب"، ومتزعمي المليشيات.

 

ورجحت مصادر مطلعة في دمشق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تكون الأجهزة الأمنية التابعة للنظام "قد وجّهت أعضاء مجلس الشعب لمنح تأييدهم إلى جانب بشار الأسد للمرشح عبد الله سلوم عبد الله لخوض الانتخابات"، مشيرة إلى أنه "لم يتم بعد حسم اسمي المرشحين الثالث والرابع"، موضحة أن عبد الله كان عضواً في "مجلس الشعب" في الدورة الماضية، وهو قيادي في حزب "الوحدويين الاشتراكيين" الذي يدور في فلك "البعث". وتعد نتائج هذه الانتخابات، التي لا تعترف بها المعارضة السورية، محسومة لصالح بشار الأسد الذي يفقد السيطرة على نحو نصف مساحة البلاد، و"تحوّل إلى مجرد واجهة سياسية جوفاء للجانبين الروسي والإيراني"، وفق مصادر في المعارضة.

 

ورأى المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أياً من المرشحين، باستثناء بشار الأسد، "لن يستطيع الحصول على توقيع 35 عضواً في مجلس الشعب". وأضاف "برأيي ستطلب الأجهزة الأمنية من مرشح واحد أو اثنين البقاء، والحصول على دعم 35 عضواً، للإيحاء بأن هناك منافسة في الانتخابات، وإخراج المسرحية كما حدث في انتخابات عام 2014، حين نال بشار الأسد نسبة 88 في المائة في انتخابات شكلية". وأشار إلى أن النظام يدرك أن السوريين يعرفون جيداً أبعاد هذه المسرحية "لكنه لا يكترث لأحد"، مضيفاً أن "ترداد الكذب ليس هدفه إقناع الخصم أحياناً، وإنما فقط التشويش على رواية الطرف الآخر. لكن كل هذا لن يغير أي شيء من انعدام مصداقية أو شرعية الانتخابات بشكل كامل".

 

من جهته، توقع الصحافي أيمن عبد النور "ألا يحصل أي مرشح، باستثناء بشار الأسد، على النسبة المطلوبة من تأييد أعضاء مجلس الشعب"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد": "ربما تمدد المحكمة الدستورية مدة تلقي طلبات ترشح جديدة". وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية في النظام "دفعت بمرشحين من كل المكونات القومية والمذهبية باستثناء المسيحيين"، مضيفاً: يحاول النظام الإيحاء بأنه يمارس الديمقراطية.

 

ونظرة على أسماء المرشحين تظهر أن جلهم مغمور أو مجهول لدى غالبية السوريين، باستثناء البعض، ومنهم محمود مرعي، المعروف جيداً لدى الشارع السوري المعارض، إذ كان قد انضم إلى صفوف المعارضين للنظام، ثم خرج إلى العاصمة المصرية القاهرة في العام 2012، قبل أن يعود إلى سورية في 2014 ليؤسس مع آخرين ما سمّي بـ"هيئة العمل الوطني الديمقراطي"، التي انضمت إلى سلسلة من الأحزاب والهيئات التي شُكّلت من قبل أجهزة النظام الأمنية.

 

وتُقابل انتخابات النظام الرئاسية بسيل من التعليقات الساخرة على مواقع التواصل، وباتت مجال تندر على المرشحين الذين يعلنون الولاء لبشار الأسد، المنافس المفترض لهم في الانتخابات، في مشهد كاريكاتوري غير مألوف في العالم أجمع. وذكر أحد الكتّاب المقيمين في دمشق، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "جل السوريين في مناطق النظام غير مكترثين بالانتخابات"، مضيفاً: "هي آخر همهم، فالهم الأكبر هو الحصول على مستلزمات الحياة الضرورية. أي انتخابات في بلد ينهار فيه كل شيء؟".

 

وحتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، سجّلت "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" التابعة للأمم المتحدة 5.570.382 لاجئاً سورياً، 3.626.734 منهم في تركيا، و879.529 في لبنان، و659.673 في الأردن، و242.704 في العراق، و130.085 في مصر، و31.657 في دول شمال أفريقيا (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، السودان)، وذلك استناداً إلى الإحصائيات الرسمية والأعداد المسجلة لدى المفوضية فقط. ولا تشمل هذه الإحصائية اللاجئين في أوروبا، الذين يفوق عددهم المليون، إذ تستضيف ألمانيا بمفردها 600 ألف لاجئ سوري. ووفق إحصائيات غير رسمية، فإن نحو نصف السوريين مهاجرون في دول الجوار وفي بلدان عربية وأوروبية، بل هناك سوريون في أغلب دول العالم تقريباً، تركوا بلادهم نتيجة القمع والخوف والحرب التي بدأها النظام ضد السوريين في العام 2011 حتى أوصلت البلاد في عام 2021 إلى حواف التشظي. وفي داخل البلاد هناك ملايين النازحين من مدنهم وبلداتهم وقراهم، الواقعين تحت وطأة أزمات معيشية خانقة، إذ لا يكاد يعادل راتب الموظف في الدولة الـ15 دولاراً أميركياً، في ظل ارتفاع غير مسبوق بأسعار المواد الضرورية للحياة.

 

وباتت الجغرافيا السورية اليوم مقسمة إلى عدة مناطق، إذ يسيطر النظام نظرياً على نصف مساحة البلاد، ولكنه عملياً لا يملك سيطرة كاملة عليها. وتعد محافظة دير الزور، شرقي البلاد، منطقة نفوذ شبه مطلق للجانب الإيراني، بينما البادية السورية تعد منطقة نفوذ لتنظيم "داعش". وتقع مدن كبرى تحت سيطرة النظام، منها العاصمة دمشق في الجنوب، وحلب كبرى مدن الشمال، وحمص وحماة في الوسط، واللاذقية وطرطوس على الساحل السوري، غربي البلاد. وهو له سلطة غير كاملة على مدينتي السويداء ودرعا، في جنوب البلاد، حيث يعم الاستياء والتذمر من الحالة الاقتصادية المزرية، لذا من المتوقع أن يتجنّب كثيرون صناديق الانتخاب التي ستوضع ضمن المربعات الأمنية.

 

في المقابل، تسيطر ما تسمى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، على جل منطقة شرقي نهر الفرات التي تعادل نحو ثلث مساحة البلاد. ومن المتوقع ألا تسمح "الإدارة الذاتية"، ذات الطابع الكردي التي تدير هذه المنطقة، بإجراء انتخابات في المنطقة، إلا إذا توصلت لتفاهمات مع النظام تتضمن تنازلات من الأخير تتعلق ببعض الملفات السياسية والخدمية. وتسيطر فصائل معارضة مع "هيئة تحرير الشام" على مساحة كبيرة من الشمال السوري، ما يعني أن الأسد يجري انتخاباته في بلاد مجزأة، يعاني من بقي فيها من القهر والفقر والخوف، في ظل مؤشرات على أن هذه الانتخابات ستعمّق الشرخ بين السوريين، وربما تدفعهم إلى الخيارات المؤلمة.