الأربعاء 2022/04/20

النظام يشدد عقوبات الجرائم الإلكترونية: القمع بقوة القانون

أصدر رئيس النظام بشار الأسد، أخيراً، القانون الجديد الخاص بـ"الجرائم المعلوماتية" في البلاد، بعد أشهر من التسريبات لمواد النص الذي "يعيد تنظيم القواعد القانونية" المنصوص عليها في المرسوم التشريع رقم 17 للعام 2012، وهو القانون الذي كان النظام يستخدمه خلال السنوات الماضية كطريقة "قانونية" لتكميم الأفواه في مناطق سيطرته.

 

وتقضي التعديلات كما كان متوقعاً بتشديد العقوبات المتعلقة بالنشر عبر الوسائل الإلكترونية، كما يجرّم بالحبس والتغريم المالي، كل من ينشر محتوى رقمياً على الشبكة بقصد قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة، أو النيل من هيبة الدولة والمساس بالوحدة الوطنية.

 

ونصت المادة (27) من القانون الجديد تحديداً على العقاب بـ"الاعتقال المؤقت من 7 إلى 15 سنة وغرامة من 10 إلى 15 مليون ليرة، بحق كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو صفحة إلكترونية أو نشر محتوى رقمياً على الشبكة بقصد إثارة أفعال تهدف أو تدعو إلى تغيير الدستور بطرق غير مشروعة، أو سلخ جزء من الأرض السورية عن سيادة الدولة، أو إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور أو منعها من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور، أو قلب أو تغيير نظام الحكم في الدولة".

 

وتضمّنت المادة (28) من القانون ذاته أنه "يعاقب بالسجن المؤقت من 3 إلى 5 سنوات وغرامة من 5 إلى 10 ملايين ليرة، كل من قام بإحدى وسائل تقانة المعلومات بنشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية". وبحسب المادة (29)، فإنه "يعاقب بالسجن المؤقت من 4 إلى 15 سنة وغرامة من 5 إلى 10 ملايين ليرة، كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو صفحة إلكترونية أو نشر محتوى رقمياً على الشبكة بقصد إحداث التدني أو عدم الاستقرار أو زعزعة الثقة في أوراق النقد الوطنية أو أسعار صرفها المحددة في النشرات الرسمية".

 

وضمت مواد القانون الجديد الذي نشرته وكالة أنباء النظام "سانا" نصوصاً حول مقدمي خدمة الانترنت وإلزامهم بتقديم معلومات للسلطات في حال طلب ذلك، مع تشديد العقوبات على جرائم القدح والذم خصوصاً إن تعلقت بموظف عام يمارس عمله مع مواد حول المساس بالحياء والأخلاق العامة.

 

ومن المثير للسخرية أن وسائل الإعلام الموالية حاولت تقديم القانون على أنه نص عصري يواكب الحياة السريعة في العالم، مع القول أن القانون محاولة لحماية الأفراد من التنمر والابتزاز والمضايقات الإلكترونية والاحتيال، وغير ذلك مع حديث مواز عن أن الدستور السوري يكفل حرية التعبير والانتقاد وأن القانون الجديد لا يمس بتلك الحريات المزعومة. مع العلم أن البلاد محكومة بقبضة حديدية منذ سبعينيات القرن الماضي، ويزج في المعتقلات كل من يرفع صوته ضد السلطة، ووثقت المنظمات الحقوقية آلاف الانتهاكات عبر السنين في تلك المعتقلات سيئة السمعة التي تصفها منظمة العفو الدولية "أمنستي" بـ"المسلخ البشري".

 

ولم يحدد القانون الجديد إن كانت للنائب العام سلطة تحريك دعوى عامة في جرائم النيل من هيبة الدول والموظف العام في حال لم يقدم المتضرر شكوى شخصية، حيث كان النظام شديد الحساسية في موضوع الانتقادات الموجهة له في مواقع التواصل مع حرصه على القول أن الحياة عادت إلى طبيعتها مع "انتصاره" في الحرب. وكان الموظفون والوزراء يقدمون شكاوى لدى فرع الجريمة المعلوماتية بتهم القدح والذم كمفتاح لاعتقال ناشطين موالين تجرؤوا على انتقاد الأوضاع الاقتصادي أو حتى موظفين في الإعلام الرسمي تجاوزوا الخطوط الحمراء المرسومة لهم.

 

وتلقى الجرائم المعلوماتية اهتماماً من جانب حكومة النظام بعد الثورة في البلاد، بوصفها المدخل "القانوني" لقمع الناشطين، المعارضين والموالين على حد سواء، وأصدرت قراراً بإحداث محاكم مختصة بهذا النوع بجميع درجات التقاضي بدءاً من مرحلة الصلح والبداية إلى النقض بما فيها محكمة جنايات المعلوماتية.

 

والمشكلة الرئيسية في القانون، قبل وبعد تعديله، تتمثل بتُهم العمالة الجاهزة التي تأخذ شكل عبارات فضاضة ضمن النصوص القانونية والدستورية التي يفترض أن تكون شديدة الوضوح والدقة. وهي بالتالي ليست سوى طريقة تقمع بها الدول الدكتاتورية مواطنيها بـ"قوة القانون"، حيث يسمح حيز الميوعة الموجود في تلك التركيبات اللغوية كـ"وهن نفسية الأمة" أو "إضعاف الشعور القومي" و"النيل من هيبة الوطن"، للسلطة الحاكمة بتوجيه اتهامات غامضة لكل من يخالفها، لأغراض سياسية أو انتقامية أو شخصية.

 

ففي بلد تختنق فيه الحريات أكثر من أي وقت مضى، باتت الانتقادات والشكوى في مواقع التواصل من الحياة السيئة نفسها، وليس من النظام المتسبب بها، جريمة أيضاً، حيث اعتقل العشرات في الأعوام الأخيرة لمجرد كتابات منشورات يشتكون فيها من طوابير الخبز أو غلاء الأسعار. ويعزو النظام تلك الاعتقالات في تصريحات نادرة بشأنها إلى كونها تشهيراً بمسؤولين رسميين بشكل يتخطى النقد الإيجابي.

 

يذكر أنه قبل العام 2018 لم تكن في البلاد محاكم متخصصة في الجرائم الإلكترونية، بل كان يتم تحويل المتهمين بمس هيبة الدولة مثلاً، إلى محكمة قضايا الإرهاب غالباً، لكن وزير العدل السوري السابق نجم الأحمد، كشف حينها أن الوزارة بصدد إحداث محاكم متخصصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية لأنها "كانت جزءاً من الحرب المعلنة على سوريا واستخدمت بغية التحريض على الأعمال الإرهابية" حسب توصيفه الذي يظهر تعريف النظام الواضح لماهية الجريمة المعلوماتية/الإلكترونية.