الأربعاء 2022/07/06

المنطقة العازلة على الحدود الأردنية السورية.. أحاديث تنفيها عمّان

في خضمّ التطورات الميدانية المتلاحقة في الشمال السوري والتهديد التركي بشن عملية عسكرية جديدة، تبرز أحاديث غير رسمية تشير إلى أن الأردن بصدد وضع ترتيبات أمنية على الحدود الشمالية للبلاد، لصدّ عمليات تهريب المخدرات واسعة النطاق من جنوب سوريا إلى الداخل الأردني، التي يُعتقد أن الجانب الإيراني طرف رئيسي في هذه العمليات التي تتصاعد.

لكن مصدراً أردنياً مسؤولاً نفى لـ"العربي الجديد" أمس صحة ما يتداول عن توجه لإنشاء منطقة آمنة على امتداد الحدود الأردنية – السورية، وبعمق يصل إلى أكثر من 35 كيلومتراً.

وأكد المصدر أنه لم يطرح أي شيء من هذا القبيل بتاتاً، ولا يوجد أي حديث حوله أو التفكير به. كذلك لم تبد أوساط أردنية أخرى تواصلت معها "العربي الجديد" حماسة للخوض في تفاصيل هذا الموضوع باعتباره مجرد كلام متداول إعلامياً.

اجتماع في الإمارات من أجل "المنطقة الآمنة"

وكان "تجمع أحرار حوران"، وهو "مؤسسة إعلامية مستقلة تنقل أحداث الجنوب السوري"، نقل عن نقيب المحامين الأحرار في محافظة درعا سليمان قرفان، تأكيده أن "إنشاء منطقة عازلة على امتداد الحدود السورية - الأردنية وبعمق يصل إلى أكثر من 35 كيلومتراً قد بات وشيكاً أكثر من أي وقت مضى".

وقال قرفان في حديث مع "العربي الجديد" إن اجتماعاً عُقد أخيراً في دولة الإمارات العربية المتحدة ضم عدداً من القادة السابقين لفصائل المعارضة التي كانت تسيطر على مجمل الجنوب السوري قبل عام 2018. ولفت إلى أن "بعض من حضر الاجتماع أكد أنه تقرر إنشاء منطقة آمنة في الجنوب السوري بعمق 35 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، للحد من خطورة الوجود الإيراني في الجنوب".

وبيّن قرفان أن هناك موافقة عربية و"مباركة" من جانب واشنطن لهذا المشروع "الذي لن يتأخر كثيراً كما يبدو"، مشيراً إلى أن قاعدة التحالف الدولي في منطقة التنف السورية، الواقعة في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، سيكون لها دور في تنفيذ المشروع.

كما لفت إلى أن المشروع "يشمل محافظة السويداء"، ذات الغالبية الدرزية من السكان، مرجحاً أن يكون لـ"حزب اللواء السوري"، الذي أُعلن عن تأسيسه منتصف العام الماضي، دور في الترتيبات الأمنية في المحافظة.

وأوضح أن الوضع الأمني المنفلت والفوضى التي تضرب محافظة درعا وعمليات الاعتقال التي لم تتوقف "تسهّل على أي جهة تشكيل فصائل مقاتلة"، مضيفاً: هناك أوضاع اقتصادية خانقة وضاغطة على الناس، فضلاً عن غياب أي أمل بحلول سياسية للقضية السورية، وهو ما يدفع غالبية سكان الجنوب للترحيب بأي خطوة تضع حداً للفوضى الأمنية، وتبعد المليشيات الإيرانية عن المنطقة بشكل كامل.

مع العلم أنه سبق للعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أن حذّر في تصريحات في مايو/ أيار الماضي من تبعات أي انسحاب روسي من جنوب سوريا، لأن أيّ فراغ يخلقه هذا الانسحاب "سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم". وهو ما يؤكد مخاوف عمّان من ترسيخ الإيرانيين لحضورهم على الحدود الشمالية للأردن.

من جهته، أشار الناشط الإعلامي يوسف مصلح في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "ليس هناك مؤشرات على الأرض تشي بقرب التحرك لتنفيذ المنطقة الآمنة"، لكنه أعرب عن اعتقاده أنه "سيكون هناك ترحيب شعبي واسع النطاق بإنشاء منطقة عازلة في جنوب سورية تديرها فصائل محلية"، مضيفاً أن الانتهاكات من قبل المليشيات الإيرانية وقوات النظام وأجهزته الأمنية لم تتوقف منذ يوليو/تموز 2018.

ولفت إلى حصول عمليات اعتقال واغتيال ممنهجة بحق المعارضين، ونشر للمواد المخدرة تحت إشراف حزب الله والمليشيات الإيرانية التي تسعى إلى تعميم الفوضى لترسيخ نفوذها.

 

بدورها، أكدت مصادر في المعارضة السورية أن المليشيات الإيرانية تتخذ من مقرات الفرق والألوية العسكرية التابعة للنظام، والمنتشرة بكثرة خصوصاً في محافظتي درعا والقنيطرة، مقرات تمركز لها.

وكانت عمّان قد انفتحت على النظام  خلال العام الماضي، معيدة فتح معبر نصيب ـ جابر الحدودي مع سورية في سبتمبر/أيلول الماضي. ومنذ ذلك الحين، أحبطت السلطات الأردنية العديد من عمليات تهريب المخدرات من سورية إلى الأردن، يُعتقد أن الفرقة الرابعة في قوات النظام التي يقودها ماهر الأسد وولاؤها للجانب الإيراني، وراء إغراق الأردن بالمخدرات.

كما شهد الجنوب السوري نشاطاً كبيراً للمليشيات الإيرانية منذ اضطرار فصائل المعارضة السورية إلى إجراء تسويات مع النظام بضغط روسي في عام 2018، وهو ما أعاد هذا النظام وقواته إلى عموم محافظة درعا. وكانت مديرية التوجيه المعنوي التابعة للقوات المسلحة الأردنية قد كشفت عن إحباط 361 عملية تهريب وتسلل عبر الحدود البرية الأردنية خلال العام الماضي، أحبط فيها الجيش الأردني تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة والممنوعة.

واتهم مدير أمن الحدود الأردنية العميد أحمد هاشم خليفات، في مايو الماضي، قوات وصفها بـ"غير المنضبطة" من عناصر النظام بالتعاون مع مهربي المخدرات، وتسهيل عملهم على الحدود المشتركة بين البلدين.

وأكد تورط أجهزة أمن النظام و"حزب الله" والمليشيات الإيرانيّة في عمليات تهريب المخدرات في الجنوب السوري، الأمر الذي دعا القوات الأردنية لتغيير قواعد الاشتباك، على طول الحدود السورية الأردنية، والتي يصل طولها إلى نحو 375 كيلومتراً.

وكان "تجمع أحرار حوران"، قد ذكر في تقرير له في مايو الماضي استمرار الإيرانيين في "عمليات تصنيع وتجارة وتهريب المخدرات، داخلياً، وإلى دول الجوار"، مؤكداً أن إيران "تعمل من خلال وكلائها على شراء العقارات، مستغلة الوضع الاقتصادي المنهار للمواطنين ورغبة معظمهم في السفر".

وكانت شبكة "السويداء 24"، قد ذكرت في مايو الماضي أيضاً، أن مجموعة تابعة لـ"حزب الله" تشرف على إنشاء مصانع كبتاغون صغيرة في ريف السويداء، بالتعاون مع جماعات محلية مدعومة أمنياً.

فكرة "المنطقة الآمنة" قديمة

وقال الخبير الأمني الأردني، جلال العبادي، لـ"العربي الجديد"، إن فكرة المنطقة الآمنة ليست جديدة بل كانت مطروحة عام 2015، وبعمق 16 كيلومتراً، لكن كان الخلاف حول من يسيطر عليها والقوات التي تديرها، وهل هي للمساعدات الإنسانية، إذ كانت الفكرة الأميركية أن يلجأ السكان إلى داخل بلدهم، وحصر السوريين في مناطق آمنة في حدودهم، وذلك في إطار الضغط على النظام ، لكن مع تغير الإدارة الأميركية لم يعد هناك اهتمام كبير بهذه المنطقة. ورأى أن المنطقة وفكرتها كانت بالأساس أيضاً لمحاربة "داعش"، وليس النظام، وفي ذلك الوقت كان "جيش العشائر" هو المسيطر.

واعتبر أن وجود المنطقة الآمنة مصلحة أردنية، تحاول عمّان العمل عليها مع مختلف الأطراف الدولية والإقليمية، للحد من نفوذ المليشيات الموالية لإيران، لكن النظام يعارضها ويعتبرها انتهاكاً للسيادة السورية، وأنه إذا كان هناك منطقة يجب أن تكون مناصفة بين الأردن وسوريا.

ورأى العبادي أن هذه الفكرة لن تنجح، فمن يدير المنطقة الحدودية اليوم ليس روسيا ولا جيش النظام بل المليشيات المقربة من إيران وحزب الله، ومن هنا جاء تخوف الأردن، فيما النظام يتغاضى عما يحدث في ظل السيطرة الحقيقية للفرقة الرابعة والجهات المرتبطة بإيران.

وبرأيه، فإن كل الأطراف الفاعلة في المنطقة غير متحمسة للمنطقة الآمنة باستثناء الأردن وتليها إسرائيل، فالنظام لا يوافق عليها إلا إذا جرى ضغط روسي ولكن روسيا ليس في مصلحتها، والولايات المتحدة يهمها بشكل أساسي قاعدة التنف، وتركيا مترددة، ودول الخليج والإقليم ليست من اهتماماتها الحقيقية. وقال هناك أطراف تحاول أن يكون الأردن رأس حربة تجاه إيران، لكن هذا مضر بمصالح الأردن المباشرة وغير المباشرة.

إلى ذلك، رأى اللواء المنشق عن قوات النظام محمد الحاج علي (وهو من أبناء محافظة درعا) في حديث مع "العربي الجديد" أن هناك جملة من الأسباب التي تدفع سكان الجنوب السوري للترحيب بأي حضور أردني، فـ "الوضع الأمني المتدهور، والأوضاع الاقتصادية الصعبة، والوجود الإيراني كلها أسباب تدفع الناس للترحيب بأي خطوة تنهي معاناتهم".

لكنه اعتبر أنه "ليس بإمكان الأردن تنفيذ منطقة عازلة في الجنوب السوري من دون مساعدة الولايات المتحدة وإسرائيل". ووفقا لعلي فلا مشكلة بالظروف أو القدرات العسكرية ولكن المشكلة بالقرار بحد ذاته هل اتخذ أم لا، وهل هناك توافق أميركي إسرائيلي حيال الجنوب السوري.