الأثنين 2020/07/20

اللاجئون السوريون.. لا عودة آمنة قبل حلِّ أجهزة نظام الأسد الأمنية

صار السؤال في لبنان عن "حقيقة عودة اللاجئين السوريين الآمنة إلى بلادهم"، ملحاً بعدما وافقت الحكومة اللبنانية الأسبوع الماضي على "خطة مبدئية لدعم عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا"، ووضعتها في جدول انجازاتها الـ 97 في المئة. ومن المنتظر أن تتابع بنود الخطة "لجنة متابعة إعادة النازحين السوريين إلى بلدهم"، والمنوط بها تأمين هذه العودة بـ "أمان وكرامة".

خطة الحكومة التي قد يعتبرها جبران باسيل انتصارًا مبينًا للعهد، تضع لبنان أمام حقائق مؤلمة لعودة اللاجئين، "الطوعية" شكلياً، والقسريّة فعلاً وعملاً.

تقرير "نحو سوريا":

تكشف مسؤولة العلاقات الإعلامية في الرابطة السورية لكرامة المواطن (SACD)، هيا الأتاسي لـ "المدن" عن مضمون تقرير ميداني موسع أعدته الرابطة بعنوان "نحو سوريا". وهو يضم نتائج مسح ميداني شارك فيه 1100 نازح سوري، ويستطلع دوافع النزوح والحد الأدنى لشروط العودة. ويحتوي التقرير على ثروة من البيانات والتحليلات لمساعدة صانعي السياسيات على اتخاذ القرارات بناءً على وجهات نظر مباشرة جمعت العينة الإحصائية. ويركز التقرير على بيان أسباب النزوح، ووضع اللاجئين الحالي، وما يرون ضرورة تحققه في سوريا ليقرروا العودة.

و"نحو سوريا"، هو الثالث في سلسلة تقارير تستند إلى استطلاعات ومقابلات مع عينة من السوريين داخل سوريا وخارجها.

لا حل بلا عودة المهجرين:

استغرق إعداد التقرير الميداني شهوراً ستة. وينتظر صدوره في صيغته النهائية باللغتين الإنكليزية والعربية في 21 تموز 2020. وهو مؤلف من 68 صفحة، شمل اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن ومصر، وكذلك النازحين في حلب وإدلب. وهو يتحدث عن 13 مليون سوري مهجر، من بينهم 6,2 مليون مهجرين قسرًا داخل سوريا.

وقالت الأتاسي: "أهم نتيجة توصلنا إليها، أنّ 76 في المئة من اللاجئين السوريين الذين تحدثنا معهم، يعتقدون أن إصلاح المنظومة الأمنية في سوريا، هو الشرط الأساسي لعودتهم الطوعية. وهو ما ينطبق مباشرة على اللاجئين السوريين في لبنان".

وتكمن أهمية التقرير، حسب الأتاسي في صدوره "في لحظة تعرض سوريا للعقوبات الأمريكية والأوروبية، والاقتتال داخل نظام الأسد، والانهيار الاقتصادي". و"المشكلة في سوريا هي القوة الوحشية لروسيا والنظام اللذين يحاولان الحصول على تنازلات من المجتمع الدولي من طريق استخدام القوة المفرطة، مثل الفيتو الروسي في مجلس الأمن على قرار وصول المساعدات الإنسانية للاجئين داخل سوريا. ونظام الأسد يعتقد أن إفراطه في أسلوبه الوحشي يضاعف من التنازلات حياله. وهو في هذا ينكر حقيقة أن 13 مليون سوري مهجر هم قوة سوريا الحقيقية. وعلينا أن نغير نظرتنا للحل السياسي في سوريا. فلا أحد لديه خطة لسوريا وبدون عودة أكثر من نصف السكان ولا مستقبل للبلاد قبل عودتهم. وحتى الآن ليس من عودة آمنة. وخصوصاً إلى تلك التي تسمى مناطق آمنة".

لاجئو لبنان:

عدد اللاجئين السوريين في لبنان هو نحو المليون مسجّلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة حتى أواخر عام 2018. وتقدّر الحكومة اللبنانية أنّ عدد السوريين الفعلي في البلاد هو 1,5 مليون. وتشير الأتاسي إلى أنّه من الصعب الحصول على العدد الفعلي للاجئين في لبنان، لأن بعضهم مسجّل لدى المفوضية والبعض الآخر غير مسجل. لكن لم تسجل موجات نزوح منذ عام 2019. وبحسب تقرير نشرته منظمات دولية عاملة في لبنان، وصل عدد السوريين في لبنان إلى 938,531 سوري حتى 31 أيار 2020.

وقالت الأتاسي: "أكبر مشكلة يعاني منها اللاجئون السوريون في لبنان، أنهم لا يتمتعون بوجود قانوني. والحكومة اللبنانية لم تعترف بوجودهم قانونيًا، من دون حصولهم على صفة لاجئ أو صفة مقيم. وفي ظل غياب الحماية القانونية لهم، صاروا من الفئات الأكثر ضعفًا في لبنان، ومعظمهم وفق بحثنا يحلم بالهجرة إلى أوروبا، أو بالعودة إلى سوريا لاعتقادهم الخاطئ أن الوضع صار آمنًا فيها". فقبل مدة، "عاد من لبنان إلى سوريا 16 شخصاً، فاعتقلتهم الأجهزة الأمنية. وهذا يدل على أنّ الظروف المحيطة باللاجئين في لبنان، تجبرهم على العودة إلى سوريا قسرًا، وهي عودة غير آمنة".

هيكلة الأجهزة الأمنية:

ويبين التقرير أن وجهة نظر اللاجئين السوريين في لبنان والأردن مختلفة عن اللاجئين في بلاد أخرى. فـ 80 في المئة من المقيمين في لبنان يرون أن "أجهزة نظام الأسد الأمنية تسيطر على الحياة المدنية سيطرة تامة. وأن الشرط الرئيسي لعودتهم حلّ هذه الأجهزة (مع وجود كبار المسؤولين في مواقعهم أو بدونها).

واللاجئون في الأردن يطلب 45 في المئة منهم إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية. بينما اقتصرت نسبة من اختاروا عزل كبار المسؤولين الأمنيين والحدّ من سلطة أجهزتهم الحالية، على 26 في المئة. واختار 21 في المئة تقييد سلطات الأجهزة الأمنية الحالية على حياة المدنيين (مع بقاء كبار المسؤولين الأمنيين)".

سلطات مناطق النازحين:

ويذكر التقرير أن 49

في المئة من اللاجئين في لبنان، المشاركين في الدراسة، أفادوا بأنهم "نزحوا من المناطق التي يسيطر عليها النظام . ونزح 30 في المئة منهم من المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة. ونزح 9 في المئة منهم من المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. و8 في المئة نزحوا من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة. ونزح 4 في المئة من المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام".

مآسي لاجئي لبنان:

ويشير التقرير أنّ 9 في المئة فقط من اللاجئين السوريين في لبنان يشعرون بالاستقرار، و"سبب الظروف المعيشية السيئة والضغوط الرهيبة التي يعاني منها السوريون في لبنان هو السلوك البيروقراطي المستفحل، وسياسة الإقامة التي تجعل من الصعب على اللاجئين الحصول على وضع قانوني. وهذا يحدّ من حصولهم على التعليم والعمل والرعاية الصحية، ويعرضهم لخطر الاعتقال التعسفي".

ويشير تقرير لـ "هيومن رايتس ووتش" إلى "أنّ 74 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان ليس لديهم وضع قانوني. وقد امتنعت السلطات اللبنانية عن السماح بتسجيل اللاجئين منذ العام 2015، ما يعكس تدني حماية اللاجئين". وهناك "الخطاب السياسي والإعلامي العدائي المتزايد ضد اللاجئين السوريين. وهو يضاعف إحساسهم بالخطر وعدم الأمان. وليس من حلول دائمة ولا حياة كريمة ومستقرة للاجئين في لبنان".

وفي شهادات تقرير رابطة "نحو سوريا"، يقول اللاجئ السوري خالد (26 عامًا): "فرصي في التعليم معدومة هنا، ولا يمكنني إكمال دراستي الجامعية. ولا من فرص عمل. والسلطات تلاحق وتعتقل من يعملون، أو تفرض عليهم غرامات كبيرة. وإضافة إلى المخاوف الأمنية، هناك مخاوف أن تسلمني السلطات اللبنانية إلى أجهزة نظام الأسد بلا أيّ رادع. وهذا لأنني أعمل فقط".

ويظل السؤال الأبرز: هل تتطلع الحكومة اللبنانية لتأمين عودة آمنة للاجئين السوريين؟ أم أنّها تقايض بهم النظام السوري لتطبيع علاقتها به وبمحوره الممانع؟

ليصلك كل جديد.. الاشتراك بتلغرام قناة الجسر https://t.me/aljisr