الأثنين 2022/02/07

الغضب يعمّ مناطق سيطرة نظام الأسد.. من السويداء إلى اللاذقية ودمشق

يسود التذمر والاستياء مناطق سيطرة النظام بسبب استثناء عشرات آلاف الأشخاص من الدعم الاقتصادي الحكومي، خصوصاً من المواد الغذائية الرئيسية، وفي مقدمتها مادة الخبز التي لم تعد في متناول فئات متعددة في هذه المناطق التي تعيش تحت وطأة ظروف اقتصادية خانقة.

 

احتجاجات في السويداء

وترجم سكان محافظة السويداء التذمر إلى احتجاج متعدد الجوانب، إذ واصلوا، أمس الأحد، قطع الطرقات الرئيسية في أنحاء المحافظة، في ظل أنباء عن استعدادات لتنظيم اعتصامات وقطع طريق دمشق ــ السويداء، في مؤشر على اتساع حركة الاحتجاج التي كانت بدأت الخميس الماضي بأعداد قليلة من السكان.

 

ومنذ ساعات صباح أمس الأحد، بدأت محافظة السويداء تشهد تحركات احتجاجية مناهضة لسياسات حكومة النظام، خاصة قرارها الأخير رفع الدعم عن مئات آلاف السوريين.

 

ففي حين بدأ عدد من أبناء المحافظة بالتجمع أمام دار طائفة الموحدين الدروز في مدينة السويداء، كانت هناك مجموعات متفرقة تقدّر بالمئات، تعبّر عن احتجاجها عبر قطع الطرقات الرئيسية في نقاط عدة.

 

وقد عمد المحتجون إلى قطع طريق دمشق ــ السويداء في منطقتي حزم وأم حارتين، عبر إشعال الإطارات، مما عطل حركة السير، في حين تم السماح للحالات الإنسانية وطلاب الجامعات بمواصلة طريقهم.

 

كما قطع عشرات الشبان نقاطا أخرى تعبيراً عن سخطهم، مثل طريق القريا ــ السويداء، وشقا ــ شهبا، ومجادل ــ شهبا، ونمرة ــ شهبا، في وقت أشعل عدد من المحتجين الإطارات في بعض النقاط داخل مدينة السويداء، مثل دوار الملعب ودوار الجرة، إضافة إلى الطريق المؤدي إلى فرع الأمن العسكري.

 

وانتقل عشرات من المحتجين من أمام دار الطائفة، إلى أمام مبنى كل من قيادة الشرطة والمحافظة المتجاورين، مطلقين شعارات مناهضة للسلطة وسياساتها، ومطالبين بالحرية والكرامة وضمان العيش الكريم للمواطنين.

 

وقال بسام. ش (32 عاماً)، وهو أحد المحتجين أمام قيادة الشرطة في مدينة السويداء، لـ"العربي الجديد"، بعدما طلب عدم الكشف عن هويته كاملةً لأسباب أمنية، إن "مطالبنا واضحة، نريد العيش الكريم، وهذه السلطة لم تبقِ شيئاً لم تبعه، واليوم يريدون سرقتنا علناً، ولم يتخذوا أي قرار يصب في مصلحة الناس، جميع قراراتهم هي لإفقارنا".

 

وأضاف أن "المسؤولين لا أمل منهم، فهم لا يسمعون ولا يرون، فعلى الرغم من أنه لم يبقَ أحد من سورية إلا وقال إن هذه القرارات سيئة وغير مجدية وستكون كارثية على معيشتنا، إلا أنهم مضوا في القرار من دون أن يكون هناك رفع للرواتب، أو طرح أي حل"، في إشارة إلى استثناء مئات آلاف الأشخاص من الدعم الاقتصادي الحكومي.

 

من جانبه، قال عمار برجس (45 عاماً)، وهو كذلك أحد المشاركين في الاحتجاجات، لـ"العربي الجديد": "نحن مع الدولة وحمينا مؤسساتها طوال السنوات العشر السابقة، لكننا ضد سياسات السلطة الهادفة إلى إفقار الناس وتهجيرهم من البلد، نريد أن يتوقف الفساد وأن يتم رفع الرواتب، كان راتبي 500 دولار أميركي عام 2010، اليوم قيمة راتبي 27 دولاراً".

 

وأضاف: "سنواصل احتجاجاتنا بشكل يومي حتى تتراجع السلطة عن قراراتها وتعمل على تحسين الوضع المعيشي للمواطن". وتابع "اكتفينا من الخداع والكذب، تذرّعوا بإسرائيل والمقاومة 50 سنة، واليوم يتذرعون بالمؤامرة والحرب الكونية عليهم، و(قانون) قيصر (الأميركي). فإما يكونون قادرين على تحقيق العيش الكريم للمواطنين وإما يرحلون، والسوريون سيجدون من يستطيع تحقيق مطالبهم".

 

يشار إلى أن هناك دعوات لمواصلة الاحتجاجات، اليوم الإثنين، في نقاط عدة في محافظة السويداء.

 

في السياق، توقع الصحافي السوري نورس عزيز (وهو من أبناء محافظة السويداء)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تتصاعد موجة الاحتجاجات في المحافظة"، مشيراً إلى أن "السويداء خارجة عن سيطرة النظام بشكل مباشر منذ عام 2014، وعملياً سيطرة الفصائل المحلية أقوى من سيطرة النظام".

 

واستبعد عزيز أن يرتفع سقف المطالب الأهلية في السويداء، مشيراً إلى أن "ربطة الخبز في الوقت الراهن هي الهاجس الرئيسي للناس". وأضاف أن "الآمال معقودة على بقية مناطق سيطرة النظام، كي يتسع نطاق الاحتجاجات الشعبية الجماعية، ولا يبقى محصوراً داخل نطاق محافظة السويداء فقط".

 

الحال ليس أفضل في اللاذقية ودمشق

وفي مدينة اللاذقية، أكد المهندس المدني ر.م، الذي يعيش في المدينة وفضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن "الأوضاع المعيشية وصلت إلى وضع لم يعد يحتمل".

 

ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "مدينة اللاذقية تشهد انقساماً كبيراً بين طبقة قليلة العدد فاحشة الثراء، وغالبية لم تعد قادرة على تأمين الاحتياجات الأساسية، للبقاء على قيد الحياة. فراتب الموظف لا يتعدى الـ40 دولاراً أميركياً، وهو لا يكفيه لأكثر من أسبوع، مهما حاول التقنين في المصروف".

 

وأضاف "أما أصحاب المهن الأخرى، فليسوا أفضل حالاً، بسبب البطالة ومزاحمة الموظفين لأصحاب هذه المهن، للتعويض عن رواتبهم المتدنية". وتابع: "ثم جاءت القرارات الحكومية لترفع الدعم عن شرائح من هؤلاء المواطنين، ما ينذر بكارثة قد تؤدي إلى موجات احتجاج".

 

والحال مشابه في العاصمة السورية دمشق، وفي حلب، كبرى مدن الشمال، حيث "بات أغلب المواطنين غير قادرين على شراء أبسط الاحتياجات"، وفق أحد الكتاب الموجودين في العاصمة، والذي فضّل عدم ذكر اسمه.

 

وأشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "فئات كثيرة، وحتى التي يشملها الدعم، لا تملك أدنى مقومات الحياة بسبب غلاء الأسعار وتفشي البطالة"، مستبعداً في الوقت نفسه أن يتحول التذمر إلى حركات احتجاج في العاصمة.

 

وأوضح: "أولاً، النظام يدرك أنه ليس باستطاعة الناس مواجهة بطشه، وثانياً أي حركة احتجاج، حتى ولو كانت ضيقة، يمكن أن تتسع لتتحول إلى ثورة جياع، لذا لن يتساهل النظام أبداً في هذا الأمر".

 

وأضاف المتحدث نفسه: "لا يحتمل النظام أي حركة احتجاج جماعية في المدن الكبرى، وخاصة في دمشق وحمص وحماة وحلب. يمكن أن يتساهل مع احتجاجات فردية إعلامية لا أكثر".

 

التحركات ضد النظام قابلة للتطور

أما الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري"، ياسين جمول، فرأى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أسباب الانفجار تتعاظم في مناطق النظام"، وشدد على أن "الآلة الأمنية والعسكرية الإجرامية للنظام لن تستطيع أن تُسكت الحراك طويلاً، لأننا صرنا نشهد التذمر في محاضن النظام ومعاقله الأساسية".

 

وأضاف أن "ما نجده من تحرّكات متقطعة كل حين في مناطق النظام، هو حراك مجتمعي طبيعي، قابل للتطور أكثر وأكثر، لأن أسباب الانفجار متوفرة وبقوة، فلا شعور بالأمن ولا راحة اقتصادية ولا استقرار سياسياً، مهما جمّل النظام بأدواته الوضع هناك".

 

وأعرب جمول عن اعتقاده بأن حلفاء النظام (الروس والإيرانيون) "غير قادرين على دعمه إلى ما لا نهاية، فأوضاعهم الاقتصادية لا تسمح بذلك، والعقوبات تفتك بهم كذلك".

 

ووفق إحصائيات غير رسمية، يعيش نحو 9 ملايين في مناطق سيطرة النظام الذي بات شبه عاجز عن توفير الحدود الدنيا لمقومات الحياة لهؤلاء، بسبب الحصار المفروض عليه جراء رفضه التعامل مع القرارات الدولية للتوصل إلى حلول سياسية للقضية السورية.

 

وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، قد قدّر أواخر العام الفائت أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 في المائة من إجمالي عدد سكان البلاد.

 

النظام السوري يراجع قرارات رفع الدعم

وفي ظل الغضب المتنامي جراء قرارات الحكومة بشأن رفع الدعم، حاول النظام التراجع خطوة عن هذه القرارات، خشية اتساع حركة الاحتجاج خارج محافظة السويداء، والتي يتعامل معها النظام منذ عام 2011 بـ"نعومة".

 

وقررت حكومة النظام، أول من أمس السبت، اقتصار الاستبعاد من منظومة الدعم على أصحاب السجلات التجارية، بدءاً من الفئة الممتازة وحتى الفئة الثالثة. كما قررت ألا تستبعد الأسرة من منظومة الدعم، في حال كان أحد أفرادها (غير رب الأسرة) يمتلك سجلاً تجارياً، على أن يقتصر الاستبعاد من الدعم عليه بشكل فردي.

 

ووفق وسائل إعلام النظام، قررت الحكومة أيضاً، ألا يشمل قرار الاستبعاد مالكي السيارات العامة، العاملة على المازوت بكل أشكالها، ومهما كان عددها، مشيرةً إلى أن "آلية التصحيح متحركة ومرنة وليست جامدة".

 

وبيّنت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أن عدد المعترضين على قرارات الحكومة بما يخص آليات الدعم وصلت إلى 250 ألف معترض.

 

يشار إلى أن قرار رفع الدعم طاول ربطة الخبز المكونة من 7 أرغفة وتزن 1100 غرام. فبعد أن كان سعرها المدعوم 200 ليرة سورية (أي نحو 6 سنتات من الدولار)، أصبح 1300 ليرة (أي 37 سنتاً). علماً بأن سعر صرف الدولار الأميركي الواحد، يساوي نحو 3500 ليرة سورية.

 

كما طاول القرار سعر أسطوانة الغاز، إذ كان سعرها مع الدعم 9700 ليرة، (أي 2.8 دولاراً) في حين أصبح سعرها غير المدعوم 29682 (أي ما يعادل 8.48 دولارات). كما أصبح سعر لتر البنزين غير المدعوم 2500 ليرة (أي نحو 71 سنتاً)، في حين سعر اللتر المدعوم 1100 ليرة (أي نحو 31 سنتاً).

 

كذلك، أصبح سعر لتر المازوت غير المدعوم 1700 ليرة (أي نحو 48 سنتاً) في حين سعر اللتر المدعوم هو 500 ليرة (أي نحو 14 سنتاً)، في وقت سيباع كيلوغرام السكر بسعر 2200 ليرة (أي 62 سنتاً) لغير المدعوم، بينما سيبقى الكيلوغرام المدعوم بألف ليرة (أي نحو 28 سنتاً). كما أصبح سعر كيلو الأرز غير المدعوم 2000 ليرة (أي نحو57 سنتاً)، بينما المدعوم بألف ليرة.

 

وكانت سورية قبل عام 2011 تنتج أكثر من 4 ملايين طن من القمح، وهو ما يكفي للاستهلاك المحلي، لا بل ويفيض نحو مليون طن للتصدير. وكان جل هذا الإنتاج من منطقة شرقي الفرات التي تخضع اليوم لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية".

 

وقد ساهم خروج هذه المنطقة، الغنية بالثروات النفطية والزراعية، عن سلطة النظام، في تعميق أزمته الاقتصادية. علماً بأن الإنتاج تراجع في هذه المنطقة إلى حد بعيد خلال السنوات الفائتة، نتيجة الجفاف، حيث لم يتعدَّ إنتاج القمح سقف الـ500 ألف طن سنوياً.