الجمعة 2021/07/23

“الترحيل في عامين” و”أحضان القتلة”.. مستقبل السوريين في تركيا رهينة السلطة

 

ما بين الدعوة إلى ترحليهم، والتأكيد على بقائهم، يتصدر السوريون حديث المشهد الداخلي التركي، في تطورات ليست جديدة، لكنها تأخذ منحى تصاعديا، ولافتا أيضا، من حيث التوقيت والغايات.

 

قبل أيام خرج زعيم أكبر أحزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري، كمال كلشدار أوغلو، في تسجيل مصور، تعهد فيه بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، في إطار خطة قال إنها جاهزة تتيح إعادتهم خلال عامين فقط.

 

وأضاف كلشدار أوغلو أن ما سبق سيتم في حال وصوله إلى كرسي الرئاسة في عام 2023، مشيرا: "سنصلح علاقاتنا مع الحكومة السورية ونرسل سفيرا إلى دمشق. سأحصل على تمويل من دول الاتحاد الأوروبي لبناء مدارس وشركات للسوريين".

 

ولم يمض أسبوع على "الوعد الانتخابي" لكلشدار أوغلو ليخرج الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بوعد انتخابي مضاد، مؤكدا على سياسة حزبه إزاء ملف اللاجئين السوريين، إذ قال الأربعاء: "ما دمنا في السلطة بهذا البلد فلن نلقي بعباد الله الذين لجأوا إلينا في أحضان القتلة".

 

وأضاف إردوغان، بحسب ما نقلت وكالة "الأناضول" شبه الرسمية: "أقولها بوضوح، هؤلاء طرقوا أبوابنا واحتموا بنا، ولا نستطيع أن نقول لهم عودوا من حيث أتيتم. لا يمكن فعل ذلك (ترحيل اللاجئين السوريين) إذا لم يكن طوعا، وخاصة إذا كان اللاجئ قد تقدم بطلب الحصول على اللجوء، فإنه يتعين قبوله".

 

"حملات على الهامش"

لم يقتصر التجاذب بشأن قضية اللاجئين السوريين على الطرفين المذكورين سابقا.

 

وخلال الأيام الماضية دخل مسؤولون في أحزاب المعارضة على الخط، وشخصيات أخرى تتعمد تصدير ذلك الملف، ليكون على الواجهة السياسية الداخلية بشكل مستمر.

 

ومن بين المسؤولين علي باباجان زعيم "حزب الديمقراطية والتقدم" (ديفا)، والذي قدم رأيا يختلف عن ذلك الذي طرحه كلشدار أوغلو وإردوغان.

 

وفي أثناء زيارة له، الثلاثاء، إلى مدينة أنطاكيا الحدودية مع سوريا قال باباجان: "الحل السوري هو في سوريا"، مشيرا: "لكي يعم السلام والاستقرار يجب أن تكون تركيا جزءا من الحلول. تركيا الآن جزء من المشاكل. يجب أن تكون هناك استراتيجية بشأن سوريا".

 

وأضاف أن بلاده "بحاجة إلى التحدث مع الجميع في سوريا والانسحاب من كونها طرفا في قضايا سوريا الداخلية".

 

وتابع باباجان الذي كان من أبرز الأصدقاء المقربين لإردوغان: "لا توجد فرصة لعودة السوريين حتى يتم التوصل إلى السلام. الآن وبينما نذهب إلى الانتخابات ستخرج بعض الأحزاب وتقول صوّت لنا مقابل أن نرسلهم جميعا".

 

لكن وعلى الطرف المقابل، كان هناك خطاب مخالف، أطلقته شخصيات من المعارضة، من بينها عضوة حزب "الجيد"، إلاي أكسوي، ونظيرها السابق، أوميت أوزداغ.

 

وتدعو أكسوي بشكل مستمر إلى إصلاح علاقة أنقرة مع نظام الأسد والتنسيق بشأن إعادة السوريين، ويؤكد أوزداغ على ذلك، وينشر بصورة متكررة معلومات مثيرة للجدل، تتعلق بعدد السوريين الدقيق وطبيعة حياتهم اليومية.

 

ونشر قبل يومين استطلاعا للرأي عبر حسابه في موقع "التواصل "تويتر"، طرح فيه سؤالا وإجابتين: "(هناك 5.3 مليون سوري مسجل وغير مسجل في تركي. أسأل الأمة التركية ماذا تريد أن تفعل من أجل 5.3 مليون سوري: منحهم الجنسية التركية أو إعادتهم إلى بلادهم؟".

 

"ضبابية ولا حلول"

ويتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء "لاجئين" أو "سياح" أكثر من أربعة ملايين شخص.

 

ويتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، لتتبعها ولاية شانلي أورفة الحدودية، وولايتا غازي عنتاب وهاتاي.

 

وأمام ما سبق من أخذ ورد تغيب الحلول الجذرية وطويلة الأمد، سواء من جانب الحكومة التركية، أو من قبل المؤسسات الناطقة باسم السوريين، من منظمات المجتمع المدني وأخرى سياسية تتبع بشكل مباشر لأطراف المعارضة السورية.

 

ويرى المحلل السياسي التركي، جواد غوك في حديث سابق لموقع "الحرة" أن "اللاجئين السوريين" تحولوا في الوقت الحالي إلى "أهم المشاريع" التي تستخدمها أحزاب المعارضة التركية لتحقيق مآربها الانتخابية والسياسية في الداخل.

 

ويقول غوك: "الانتخابات قريبة، والمعارضة تريد أن تعرض مشاريعها للشعب التركي. بينها المشروع المتعلق بوضع اللاجئين السوريين".

 

وتريد أحزاب المعارضة القول إن أحد أسباب المشاكل الاقتصادية في البلاد هو التواجد السوري الكبير، بحسب غوك الذي يشير إلى أن "تلك هي كلمة المعارضة الواضحة للعيان".

 

"الأفغان على الخط"

في غضون ذلك كان اللافت في الأسبوعين الماضيين أن الحملات المضادة ضد السوريين ارتبط جزء منها باللاجئين الأفغان، الذين يتدفقون حاليا إلى البلاد بأعداد غير مسبوقة.

 

وأثارت تسجيلات مصورة لأعداد من اللاجئين خلال عبورهم للحدود بكثافة، ردود فعل غاضبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وانتقد قسم كبير من الناشطين الأتراك سياسة الحكومة التركية بشأن المهاجرين، وقالوا بما معناه إن "البلاد ليست فندقا، يدخلها من يشاء".

 

وأطلقوا حملة عبر مواقع التواصل، تحت عنوان: "لا أريد لاجئين في بلدي. أوقفوا الغزو الصامت".

 

وبينما اتهموا بإطلاق خطاب عنصري، نفى عديدون من القائمين على الحملة ذلك، وأشاروا إلى أنها تأتي "للمطالبة بحماية حدودية أفضل وعودة المهاجرين كمطلب منطقي".

 

"دوافع تصاعد الكراهية"

وفي تقرير حديث رصد "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" الدوافع التي أدت إلى تصاعد خطاب الكراهية من قبل الأتراك تجاه اللاجئين السوريين.

 

وعزا التقرير عدم استمرار الترحيب الشعبي والحكومي التركي باللاجئين السوريين كما كان في بداية موجات النزوح إلى الوضع الاقتصادي والاختلافات الثقافية الاجتماعية والمنافسة على سوق العمل، وخصوصا لذوي المستوى المعيشي المنخفض، وهي نتيجة طبيعية قد تحدث في أي مكان بالعالم تجاه اللاجئين.

 

ولكن رد الفعل أصبح غير مبرر في السنوات الأخيرة، بحسب التقرير، في ظل التحديات التي يواجهها السوريون، كالإقامة القانونية وتقييد حرية التنقل والحركة بين الولايات دون إذن السفر المطلوب، وعدم الحصول على التأمين الصحي أو إذن العمل لعدم توفر بطاقة الحماية التركية المؤقتة.

 

ووصلت نسبة الرفض التركي للاجئين السوريين إلى 67 بالمئة عام 2019، بعدما كانت نحو 57 بالمئة عام 2016، بحسب استطلاع أخير أجراه مركز الدراسات التركي في جامعة "قادر هاس".

 

وشكلت حالة الرفض الشعبي التركي طابعا اجتماعيا متوترا تجاه السوريين، ارتفع في ظل موجة كبيرة من الاعتداءات العنصرية ضد اللاجئين، وغذتها مواقف بعض السياسيين وشخصيات تركية عامة تبنت خطابا معاديا.

 

وتضمن الطابع العام جرائم خطاب الكراهية والتمييز والتحريض، في ظل غياب أي دور للحكومة في التخفيف من الخطاب المعادي للاجئين، أو الحد منه.