الأربعاء 2021/05/12

“الابتزاز السياسي” في المساعدات الإنسانية لسوريا.. روسيا “توسع نفوذ الأسد” وبايدن أمام تحد صعب

تواجه إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تحديا صعبا وتستعد لمواجهة مع روسيا بشأن تسليم مساعدات الأمم المتحدة لملايين السوريين خارج سيطرة النظام وهو تدفق تستعد موسكو لمنعه في يوليو تموز المقبل.

 

ويرى خبراء أن هدف روسيا هو تعزيز سلطة الأسد، والضغط على المعارضة السورية، وربما انتزاع تنازلات بشأن السياسة السورية من إدارة بايدن.

 

ففي العام 2014، سمح مجلس الأمن الدوليّ بعبور المساعدات من أربع نقاط حدودية سورية مع تركيا والعراق والأردن، للوصول إلى المدنيين على جانبي خطوط القتال، وتوصيل المساعدات. 

 

لكن في يوليو، استخدمت روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن الدولي لتقليص عدد نقاط إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا التي لا تتطلب موافقة دمشق، إلى نقطة واحدة.

 

تقع هذه النقطة عند الحدود التركية، في باب الهوى، وتتيح إمداد شمال غرب سوريا ومحافظة إدلب التي لا تزال خارجة عن سيطرة النظام. وينتهي تصريح الأمم المتحدة لاستخدامه في يوليو.

 

"مهزلة"

الكاتب السوري المقيم في موسكو، محمود الحمزة، يقول لموقع "الحرة" إن "روسيا سابقا عارضت أن تكون هناك أي معابر إلا أن تكون تحت إشراف النظام والآن تصوت ضد فتح المعابر بحيث تساعد في إحكام سيطرة النظام على المناطق المختلفة". 

 

لكنه يصف المحاولة الروسية بـ"المهزلة الحقيقية" لأن النظام لا يسيطر إلا على 17 في المئة فقط من الحدود السورية، "فكيف يتم تسليم المعابر لهذا النظام، هذا مستحيل". 

 

ويرى الباحث السوري في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، سمير التقي، في حديث مع موقع "الحرة" أن روسيا تقوم بعملية "ابتزاز سياسي"، وسبق أن وضعت حق الفيتو هي والصين ضد القرار السابق الذي سمح بدخول المساعدات في السابق دون مرورها عبر النظام.

 

وأضاف "منذ عدة أشهر قامت روسيا بسحب هذا القرار وهي تحاول تكريس أمر واقع عبر دورها بالفيتو في مجلس الأمن"، مشيرا إلى أن القصف الروسي طال المساعدات الإنسانية التي تنقلها الأمم المتحدة بشعارها. 

 

ويوضح أن "الروس كانوا يحاولون أن يفرضوا إعادة سيطرة النظام على المعابر الأساسية وخاصة باب الهوى في الوقت الذي لا تستطيع فيه قوات النظام أن تصل إلى هذه المنطقة لأنها تحت هيمنة المعارضة، ولذلك يتاجرون بهذه القصة بهدف تحقيق شيء من النصر المعنوي خاصة قبل الانتخابات". 

 

ويرى الحمزة أن روسيا تبني آمالا على أنه قد يصير تطورات في مجال التطبيع مع النظام السوري، "بعض الدول العربية قد تعيد العلاقات مع النظام بعد الانتخابات المزيفة والتي هي عبارة عن مسرحية هزلية". 

 

وضع مأساوي

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خلال خطاب تناول فيه الوضع المأساوي في سوريا بعد حرب مستمرة منذ عشر سنوات إنّ "الفشل في تمديد تصريح الأمم المتحدة سينهي خطط الأمم المتحدة لتوزيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19 لملايين السكان في شمال غرب سوريا ويقلل إلى حد كبير من العمليات الإنسانية الأساسية".

 

وتابع أن "شحنات الأغذية والمساعدات الإنسانية الأخرى للأمم المتحدة ستتوقف فورا. أغذية أقل تعني معاناة أكثر ونزاع أكثر".

 

يشير التقي إلى أن "ملايين السوريين يعيشون سواء في المناطق التي يسيطر عليها المعارضة أو الأكراد وهم لاجئون لا يملكون أي موارد أو اقتصاد يمكن أن يعملوا فيه، ولذلك المساعدات ضرورية".

 

ويستنكر التقي الموقف الروسي، حيث يشير إلى أن ميليشيات النظام كانت تقوم عمليا بأخذ حصة الأسد في إطار عمليات فساد كبيرة يتم فيها إعادة بيع المساعدات في السوق السوداء بأسعار خيالية، "فما بالك عندما تدخل المساعدات فقط من معابر يسيطر عليها النظام فقط". 

 

ويضيف "حتى في مناطق النظام ينبغي أن تكون الأمم المتحدة قادرة على إيصال المساعدات للمواطنين مباشرة وليس عبر المافيات المختلفة التي تسيطر على المعابر أو الهلال الأحمر السوري".  

 

وطالب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بإعادة فتح نقاط عبور أغلقت في 2020 في باب السلامة عند الحدود التركية، واليعربية عند الحدود العراقية. وقال إن هذه المعابر تتيح على التوالي مساعدة 4 ملايين و1,3 مليون سوري.

 

"الموقف الروسي لا يخدم الإنسانية"

ويقول التقي إن "رأي الولايات المتحدة في الأصل ينبغي أن تكون الأمم المتحدة وليس عبر مؤسسات يديرها النظام في إيصال المساعدات بغض النظر عن منطقتهم التي يسكنون فيها". 

 

ويوضح أن "الولايات المتحدة كانت تحاول الفصل بين الجانب الإنساني وجانب العقوبات وفي هذا الإطار من المعروف أنها تحاول أن تبذل جهدها لأن تتولى الإشراف المباشر على عملية توزيع المساعدات الإنسانية وأن تصل إلى أصحابها بغض النظر عن المنطقة التي يسكن فيها السوريون سواء كانوا في مناطق تحت السيطرة التركية أو الكردية أو الأميركية أو النظام، وبالتالي التدخل الأميركي كان بهدف تحرير المساعدات الإنسانية من هذه الميليشيات". 

 

ويقول الحمزة إن "الموقف الروسي لا يخدم الإنسانية، لأنه إذا أغلق بالفعل معبر باب الهوى فهذا يعني كارثة إنسانية لسكان هذه المناطق والذين هم أصلا في حاجة إلى فتح معابر أخرى". 

 

ويرى الحمزة أن ما تفعله روسيا وسيلة ضغط على الأميركان للقبول بالأمر الواقع، وأعتقد أن هذا شيء غير مجدي، وبالتالي سنرى ماذا ستفعل الإدارة الأميركية في هذا الخصوص. 

 

ويقول التقي "حتى الآن لا يزال الموقف الأميركي متمسك بعدم الانصياع للموقف الروسي الذي يحاول على حساب حياة الناس وقوتهم حيث يمنع وصول المساعدات لأصحابها". 

 

"أميركا تستطيع"

وفيما تحاول روسيا الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة بشأن السياسة في سوريا، بحسب الحمزة، يوضح التقي أنه "بعد مجيء الرئيس جو بايدن، فإن المناخ العام في الإدارة الأميركية الجديدة أنه ينبغي خلق شيء من التراخي بالتوافق مع روسيا فيما يتعلق بقضية المساعدات الإنسانية، واستخدام الدبلوماسية لحل الأمر". 

 

ويعلق التقي "في اعتقادي أن الدبلوماسية الأميركية جربت سابقا ذلك ومن الواضح أن روسيا متمسكة حتى آخر لحظة بهذه العملية الابتزازية"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا إذا قرروا معا قد يتمكنون من تجاوز هذه الشروط التي تضعها روسيا". 

 

ويؤكد "إذا أصرت واشنطن على موقفها تستطيع أن تفرض أمر واقع في هذا المجال، لكن إذا لم تصر على مجابهة الموقف الروسي فستصبح القضية مستحيلة وستقع مشكلة كبيرة حينها في مناطق هيمنة المعارضة وأماكن هيمنة الأكراد وستسود السوق السوداء أكثر وأكثر في إيصال الضروريات للناس وهذا ما تريده روسيا". 

 

وكان بلينكن الذي ترأس جلسة شهرية لمجلس الأمن الدولي حول الشق الإنساني في الملف السوري، في مارس الماضي، قد تساءل قائلا: "كيف يعقل ألا نجد في قلوبنا، حسا إنسانيا مشتركا لاتخاذ إجراءات مهمة؟". 

 

وتوجه وزير الخارجية الأميركي إلى أعضاء مجلس الأمن بالقول: "أنظروا في قلوبكم" داعيا إلى العمل للتوصل إلى تحسين الوضع الإنساني في سوريا وهو موضوع اجتماع للمانحين يعقد في بروكسل في مطلع الأسبوع الحالي.

 

وأضاف بلينكن "علينا أن نجد طريقة لفعل شيء ما، أن نتحرك لمساعدة الناس. إنها مسؤوليتنا. وعار علينا اذا لم نقم بذلك".

 

وقال بلينكن: "دعونا نمنح أنفسنا عددا أكبر من المعابر  وليس أقل لتوفير الغذاء والدواء للشعب السوري".