الأحد 2019/09/22

“إعادة الإعمار”.. سلاح الأسد الجديد في معاقبة معارضيه

أصدر "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" دراسة مطولة حول الأسباب التي تدفع نظام الأسد إلى التركيز على عملية "إعادة الإعمار" في سوريا.

وقالت الدراسة في افتتاحيتها إن هدف الأسد من عملية "إعادة الإعمار" ليس إصلاح ما خرّبته الحرب "بل إن نظامه صمّم إعادة الإعمار لمكافأة الولاء الذي أظهرته شبكة المحاسيب الرأسماليين والحلفاء الأجانب، ومعاقبة مجتمعات المتمردين المحلية السابقة، علماً بأن العديد من هذه المجتمعات كانت مهمشة اقتصادياً حتى قبل اندلاع الحرب".

وأوضحت الدراسة أن نظام الأسد تجاهل "الجذور الاجتماعية والاقتصادية" التي سبقت الثورة ضده، ولا يزال يطبق قوانين عمّقت "اللامساواة" في المجتمع السوري، وحذّرت من أن الأسد ربما يزرع بذور نزاع مستقبلي "من خلال زيادة عدم المساواة الاجتماعية ومعاقبة شريحة كبيرة فقيرة من سكان البلاد بشكل جماعي كان قد اتّهمها بالخيانة".

تكاليف إعادة الإعمار

كانت تداعيات الدمار الواسع الذي شهدته سوريا منذ آذار/مارس من العام 2011 كارثية على الاقتصاد، كما إن تكاليف إصلاح هذه الأضرار هائلة للغاية. ففي مطلع العام 2019، تراوحت تقديرات تكلفة إعادة الإعمار بين 250 و400 مليار دولار، وهي أرقام تجعل ميزانية 2018 التي وضعها النظام والبالغة 3.9 تريليون ليرة سورية، أو ما يعادل 8.9 مليارات دولار، تبدو قليلة للغاية بكاملها – بحسب دراسة مركز كارنيغي-  ومن إجمالي هذه الميزانية، وصل المبلغ المخصّص لإعادة الإعمار إلى 50 مليار ليرة سورية، أي إنه لا يتجاوز 115 مليون دولار. وبالتالي، لا يمكن أن يتحمل النظام عملية إعادة الإعمار الهائلة هذه.

وتُسهب الدراسة الحديث عن الأرقام الاقتصادية والوقائع الاجتماعية التي توضح عجز النظام عن إعادة الإعمار "فوضع الاقتصاد سيّئ جداً، والبلاد تواجه تحديات إنسانية خطيرة، حيث أن حوالي 12 مليون شخص في حاجة إلى مساعدة إنسانية بشكل أو بآخر، فيما أكثر من 5 ملايين لاجئ سوري هربوا إلى دول مجاورة.

هذا وتراجع الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في سورية بشكل ملحوظ من 61.1 مليار دولار في العام 2010 إلى 17.1 مليار دولار في العام 2017. وفي العام نفسه، ارتفع معدل الفقر في البلاد بأكثر من 90%، حتى أن صحيفة الوطن الموالية للنظام ذكرت أن أحد أكبر التحديات الاقتصادية التي تواجهها سورية هي معالجة التفاوت الصارخ في توزيع الثروات والمداخيل".

وتابعت الدراسة: "تجدر الملاحظة أن قدرة السوريين الشرائية والقيمة الفعلية لمداخيلهم انحدرت بوتيرة مطّردة منذ العام 2011، على الرغم من أن أسراً عدّة كانت تدبرت أمورها الاقتصادية بفضل التحويلات المرسلة إليها من سوريين مقيمين في الخارج، بمن فيهم اللاجئون.

وفي العام 2018، أشارت التقديرات إلى أن الأسرة المتوسطة المؤلفة من 4 أو 5 أفراد في دمشق تُنفق 325 ألف ليرة سورية (أو حوالى 650 دولاراً) في الشهر، وفق المكتب المركزي للإحصاء، في حين أن متوسط الأجور الشهرية في القطاعيْن العام والخاص تراوح بين 40 و45 ألف ليرة سورية (أو بين 80 و90 دولارًا) و65 و70 الف ليرة سورية (أي بين 130 و140 دولاراً) على التوالي.

علاوةً على ذلك، قد تكون أزمة الوقود التي استمرت من منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2018 حتى أيار/مايو من السنة التالية فاقمت الظروف المعيشية بالنسبة إلى شرائح كبيرة من السكان.

ولم تساهم شحنات النفط الخام الإيرانية والتحصيص الذي اعتمدته الحكومة وارتفاع الأسعار سوى في التخفيف قليلاً من وطأة هذه الأزمة، بما أن كميات النفط كانت لا تزال غير كافية.

ولغاية تاريخه، لم ينجح وزير النفط والموارد المعدنية سوى في توفير ربع الكمية، مع احتساب الإنتاج المحلي، التي تحتاج إليها البلاد والمقدّرة عند 136 ألف برميل في اليوم".

حلفاء الأسد عاجزون كذلك:

تؤكد دراسة مركز "كارنيغي" أن "التمويل الأجنبي لإعادة الإعمار غير مضمون. فأبرز حلفاء الأسد في طهران وموسكو يواجهون مشاكل اقتصادية هم أنفسهم ويجدون صعوبة في الحفاظ على المستويات الحالية من الدعم المالي والمادي المقدّم إلى النظام السوري".

لافتةً إلى وجود "مؤشرات واضحة على أن روسيا وإيران سترزحان تحت وطأة ضغوط كبيرة كي تفيا بمشاريع إعادة الإعمار الموعودة وفي تنفيذ مذكرات التفاهم المبرمة مع الحكومة السورية.

على سبيل المثال، عجزت سورية عن تأمين التمويل لمساهماتها في بعض المشاريع التي أبرمت بشأنها إيران وموسكو عقودًا بغية إنشاء أو تصليح مصانع الكهرباء. وعليه، انسحبت طهران وموسكو من هذه المشاريع".

وتوضح الدراسة أن مشاركة أطراف خارجية في إعادة إعمار سوريا ستكون مرتبطة بمسائل أشمل، ولا سيما تنافس الولايات المتحدة مع إيران أو العقوبات التي فرضتها واشنطن والاتحاد الأوروبي على نظام الأسد،  والتي من المرجّح أن تخيف العديد من الشركات الأجنبية.

"على سبيل المثال، أعلنت شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي أنها ستغادر سورية قبل بضعة أشهر. كما ساهمت الضغوط الأميركية في تجميد تقارب بعض الأنظمة العربية من دمشق على الرغم من أن العلاقات بين سورية والإمارات العربية المتحدة أحرزت تقدماً".

الأهداف الحقيقية لاندفاع الأسد إلى إعادة الإعمار

 تحت هذا العنوان، قالت دراسة المركز إن سياسات الأسد ليست مصمّمة لمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد. فبدلاً من ذلك، أدّت أهداف النظام السياسية والأمنية به إلى منح الأولوية لترسيخ سلطته ومعاقبة خصومه المفترضين.

"لقد سعى النظام إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من إعادة الإعمار، وإلى تعزيز ما يعتبره أمنه (....) إضافةً إلى ذلك، كانت عودة المدنيين إلى بعض المناطق معقّدة أو محظورة من قبل قوات الأمن في البلاد.

وأشار تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش في العام 2018 إلى أن سكان داريا في ريف دمشق ممنوعون من العودة، بمن فيهم أولئك الذين يحملون صكوك ملكية لعقاراتهم".

ولفت مركز "كارنيغي" إلى أن نظام الأسد منح المحسوبين عليه و حلفاءه الأجانب فرص تكديس أرباح هائلة من الأصول العامة. ومن بين أبرز الأمثلة العقد الموقع مع شركة "ستروي ترانس غاز" الروسية لإدارة مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً.

 عدم المساواة باعتباره مُنتجاً ثانوياً للانتقام السياسي

تتابع الدراسة تحت هذا العنوان:  "تهدف القوانين الصادرة في الآونة الأخيرة، والتي تسمح بتدمير ومصادرة الأملاك في مناطق مكتظة بالسكان إلى استبدال السكان الذين يخشى من ميلهم إلى معاداة النظام بآخرين موالين أكثر ثراءً.

"ولهذا السبب تمّ تصميم برامج إعادة إعمار وإعادة التأهيل لإبقاء السكان الأكثر فقراً وعدائية بعيدين عن مناطق رئيسة في هذه المدن وتوفير فرص عقارية مربحة يمكن للنظام وشبكته من رجال الأعمال الداعمين الاستفادة منها.

نتيجةً لذلك، جرت عملية إعادة الإعمار بشكل غير متساوٍ، وأحياناً في المدينة نفسها. على سبيل المثال، في العديد من الأحياء الشرقية لحلب التي استعادها النظام وحلفاؤه في كانون الأول/ديسمبر من العام 2016، لم تبذل الحكومة أي جهد لتحسين ظروف الحياة أو إعادة بناء مناطق سكنية؛ وبقيت الخدمات الحكومية في هذه المناطق شحيحة. وبالتالي، أجرى السكان بأنفسهم وبشكل شبه كامل عملية ترميم المباني المدمّرة جراء الحرب ودفعوا تكاليفها".

وبدلاً من ذلك حدّد النظام في 2017 مناطق في وسط وغرب مدينة حلب لإعادة إعمار مبانيها على الرغم من عدم تضرّرها عموماً، وذلك أن سكانها موالون للنظام ويدعمونه تاريخياً. والأمر نفسه جرى تطبيقه في مدينة حمص.

"قوّضت إعادة الإعمار الانتقائية هذه عودة اللاجئين والمشردين داخلياً. فالكثيرون فرّوا من مناطق عانت دماراً وخراباً هائلين. وقد حالت عوامل عدّة دون عودة السكان السابقين، بما فيها التهديدات الأمنية المستمرة وغياب المنازل والأحياء القابلة للسكن والإجراءات الإدارية الصعبة".

وتكمل الدراسة بالقول :

"انعكس تحيّز الحكومة لمؤيديها أيضاً في فوارق التمويل. فقد ناهزت القيمة الإجمالية للمشاريع الاستثمارية الحكومية في العام 2015، على سبيل المثال، 30 مليار ليرة سورية (حوالى 70 مليون دولار) والمخصصة لمحافظتيْ طرطوس واللاذقية الساحليتين، وهما من معاقل النظام.

في المقابل، تمّ تخصيص 500 مليون ليرة سورية (نحو 1.2 مليون دولار) لحلب، على الرغم من أنها بحاجة أكبر إلى مشاريع إعادة الإعمار. وعلى نحو مماثل، من أصل 11 مليار ليرة سورية (حوالى 22 مليون دولار) المخصصة لإصلاح وإعادة إعمار الطرق في أرجاء سورية عام 2017، تمّ إنفاق نصف القيمة تقريباً في المناطق الساحلية التي لم تُلحق بها الحرب أضراراً كبيرة، لكنها تشكّل قواعد شعبية أساسية، كما ذكرنا أعلاه.

غير أن العديد من المشاريع لم تتبلور بعد نتيجة غياب التمويل".

وتختم الدراسة بالقول إن عملية إعادة بناء سوريا التي لا تزال محدودة للغاية، وإنها "تهدف إلى ضمان أن يتحكّم النظام المستبد وشبكاته بكل مكامن السلطة في البلاد". بينما "قُذِفَت الطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً التي يعتبرها النظام بمثابة تهديد لوجوده إلى الهامش".