الخميس 2020/01/09

هآرتس: هكذا قدم الهجوم الإيراني طوق النجاة لترامب

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشبه الطفل المضطرب الذي يصعد ليخطب في احتفال بمدرسته، والمجتمع الدولي هو المعلمون والأصدقاء الذين يتنفسون الصعداء عندما يفاجئهم بمحاضرة مرتبة وعقلانية بقدر ما. في واشنطن وُجد، الأربعاء الماضي، اتفاق واسع في المواقف على أن الهجوم الصاروخي الإيراني الذي لم يصب فيه أي شخص قد وفر لترامب طريق هروب من مواجهة عسكرية لا يرغب فيها. ولكن لأن الأمر يتعلق بترامب فقد كانت حاجة إلى الانتظار حتى نهاية خطابه للأمة للتأكد بأنه هو أيضاً يعتقد ذلك.

من نافلة القول، أن ترامب عندما يلبّي التوقعات فإنه يفعل ذلك بطريقته. لقد ظهر في المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض وإلى جانبه مجموعة غاضبة من الوزراء والجنرالات، بمن فيهم نائبه مايك بينس، الذين ظهروا كزمرة عسكرية من أمريكا الجنوبية. ورغم أن الأمر يتعلق بخطاب اعتبر بصورة تقليدية خطاباً رسمياً لا مثيل له، إلا أن ترامب لم يفوّت فرصة التنصل من المسؤولية عن التوتر الذي نشأ، وإلقاء المسؤولية على سلفه باراك أوباما والاتفاق النووي المرفوض. تضمن خطاب ترامب أيضاً عدداً من الأكاذيب والتشويهات والاختلاقات الخبيثة فيما يتعلق بكليهما، الرئيس والاتفاق، ولكنها تحولت إلى عمل روتيني وأصبحت لا تثير أي انفعال أو أي اهتمام.

يجب الاعتراف أيضاً بأن خطاب أمس كان من نوع اللحظات التي يجب أن نشكّ فيها بأن ترامب هو الرئيس وليس أوباما. لو أن أوباما تجاهل تحدي إيران الصارخ الذي تجاوز الخطوط الحمراء لترامب ضد مهاجمة القوات الأمريكية في العراق قبل فترة قصيرة من ذلك، ولم يتطرق لوقاحة إيران بأن تطلق صواريخ بالستية على القوات الأمريكية للمرة الأولى، لوصفه اليمين في الدولة بأنه عضو كبير في حركة الإخوان المسلمين، ويعتبره انهزامياً وجباناً.

أمس، وبعد إنهاء ترامب أقواله التي هي غير شاملة تماماً، أثنى عليه الجمهوريون بأنه قد ألقى خطاب حياته وقاموا بتتويجه كرجل عسكري لامع.

بالإجمال، يمكن لترامب أن يسجل لنفسه إنجازاً رائعاً، ويمكن للعالم أن يتنفس الصعداء مرة أخرى، على الأقل حتى الآن. الولايات المتحدة ضربت العمود الفقري للنظام الإيراني وخرجت دون أي ضرر. أظهرت طهران أنها لا تخشى أحداً، ولا حتى رئيساً متقلّباً مثل ترامب، وأنها مستعدة لتحطيم الأدوات قبل التفكير بالاستسلام. ادعى الإيرانيون بتوجيه ضربة ساحقة، وتحدثت تقارير عن عشرات القتلى الذي سقطوا. وقد اعتبرها ترامب مثل لدغة البعوضة التي بصعوبة تم الشعور بها. والطرفان خرجا راضيين.

سواء امتلك الإيرانيون صواريخ دقيقة جداً بحيث يمكنهم الثقة بأن لا يصيبوا أحداً، أو عمل الحظ على حماية الأمريكيين، لأنه لم يقتنع بأن وقت الحرب قد حان، فإن "الرد المحسوب" لطهران مكّن الطرفين من النزول عن الشجرة التي تسلقاها. إذا كان منتقدو ترامب الذين يدعون أن تصفية قاسم سليماني كانت خطوة متسرعة ورطت الرئيس على حق، فإن إيران هي التي وفرت له حبل النجاة، على الأقل حتى الوقت الراهن.

أراد ترامب إمساك العصا من الطرفين؛ فمن جهة أعلن عن زيادة العقوبات واستمرار سياسة “ضغط الحد الأقصى” على طهران، رغم أنها حققت حتى الآن نتائج معاكسة لما وعد به، وحولت إيران إلى دولة أكثر عدائية ومارقة أكثر من السابق. ومن جهة أخرى طلب ترامب من حكام إيران الجلوس إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد، رغم أن إلغاء الاتفاق السابق في أيار 2018 هو الذي أدى بالدولتين إلى الوضع الحالي. وفي تل أبيب، بلا شك، تم تسجيل انتقاد متزايد عندما أمعن ترامب في مدح صفقته.

مؤيدو ومنتقدو ترامب متفقون على أن الاتفاق الذي وقع عليه أوباما هو أساس الصراع الحالي. من ينتقدون الرئيس يعتقدون بأن قرار الانسحاب من الاتفاق دفع طهران إلى الزاوية، فزاد نشاطاتها في المنطقة وأدى في نهاية الأمر إلى تجديد رغبة إيران في الحصول على السلاح النووي. مؤيدو ترامب يعتقدون، ومنهم نتنياهو، مثلما ادعى ترامب أمس، بأن التوقيع على الاتفاق وليس التنصل منه هو الذي دفع إيران لتعميق عدائها في المنطقة. واستناداً إليه، فإن الاتفاق حرر لها مبالغ طائلة من أجل تمويل مؤامراتها، ومنها الحصول على الصواريخ قصيرة المدى، التي أطلقت على قواعد في العراق ومنها مواقع للجيش الأمريكي.

بصيغة معادة لأقوال تشرتشل، يمكن القول إن خطاب ترامب لأمس حدد نهاية البداية للمواجهة الأمريكية – الإيرانية المستعرة، لكن ليس بالضرورة بداية النهاية. الرأي العام في إيران الذي تفاجأ من تصفية سليماني وتوحد في غضبه ضد الإدارة الأمريكية يمكنه اكتشاف الفجوة غير المحتملة بين أقوال "آيات الله" عن الضربة الفظيعة التي تكبدها الأمريكيون، وبين إعلان البنتاغون عن عدم وجود مصابين، بسبب إعلان مسبق لإيران تم نقله من خلال الحكومة العراقية. الشعب الإيراني يمكنه أن يطالب بتفسيرات.

مثلما أوضح خامنئي أمس، فإن طهران لا ترى في الهجوم الصاروخي نهاية المطاف.

إن خطتها لتنغيص حياة القوات الأمريكية الموجودة في العراق بواسطة المليشيات الشيعية التي تقع تحت سيطرتها ما زالت قائمة، وهي تشمل في طياتها مواجهة مستقبلية شبه مؤكدة. طهران لم تتراجع عن التنصل من القيود التي بقيت من الاتفاق النووي، وإذا قامت بتسريع مشروعها النووي بالفعل، فمن شأنها أن تستدعي رداً عسكرياً شديداً من جانب الولايات المتحدة. وحتى التهديدات الواضحة التي أسمعها الحرس الثوري أول أمس، تجاه حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، لا تبشر بالخير، وستفتح منفذاً لسوء فهم خطير.

هذه هي نقاط الاشتعال المعروفة، لكن يجب أن نضيف إليها كل التحديات الشخصية التي تبدو غبية إلى أن نتذكر أن ترامب يعتبرها ذريعة للحرب. يكفي أن يقوم خامنئي بإهانة ترامب عبر “تويتر”، أو أن يقوم أحد معارضيه الديمقراطيين بالاستهزاء عبر “فيسبوك”، من أجل أن يشعل غضبه ويدفعه للبحث عن الثأر. مع ترامب لا يمكن معرفة ما سيحدث. لذلك، فبعد صافرات التهدئة أمس فإن الطريق ما زالت طويلة أمام النوم بهدوء.