الخميس 2020/11/05

نيويوركر: حتى لو ربح بايدن فسيظل ترامب رئيسا على أمريكا الحمراء

قالت المعلقة في مجلة “نيويوركر” سوزان بي غليسر إن نائب الرئيس الأمريكي السابق والذي قد يصبح رئيسا جوزيف بايدن كانت رسالته بسيطة وواضحة في حملته الانتخابية وهي: نستطيع أن نوقف هذا الجنون والإجهاد والاستعراض اليومي الذي كان علامة رئاسة دونالد جون ترامب “وأعدكم بهذا” قال بايدن و”سأنهي فوضى ترامب وأنهي هذه الأزمة”، لكن ليس بعد.

فالانتخابات التي انتظرها الديمقراطيون لأعوام بعد فوز ترامب المفاجئ عام 2016 لم تكن الضربة القاضية التي أرادها بايدن. فالمنافسة لا تزال متقاربة وربما انتهت لصالح بايدن لكن المواجهة القانونية التي هدد بها ترامب لن تنتهي في أسابيع وأشهر. وقضى ترامب الفترة التي سبقت الانتخابات وهو يقوم بمحاولات وقائية لتقويض النتائج. وقال إن الانتخابات لن تكون مهمة إلا إذا فاز، ووصفها بـ “الانتخابات المزورة”. وبحسب موقع “فاكتبا دوت سي” الذي يتابع كل تصريحات ترامب العامة، فقد ردد هذا الزعم المهين 200 مرة منذ آب/أغسطس. وكلما اقترب موعد الانتخابات كلما زاد من ترديده. ولكن ليلة الانتخابات انتهت ولم يعلن عن ترامب كفائز. ولكنه وقبل إعلان النتائج وحديث بايدن لأنصاره أن الحزب في طريقه للفوز، هاجم الانتخابات وقبل أن يتم الانتهاء من عد الأصوات. وقال “إنهم يحاولون سرقة الانتخابات” و “لن نسمح لهم بعمل هذا، ولا يمكن التصويت بعد إغلاق صناديق الاقتراع”. وبعد ذلك تحدث أمام أنصاره في البيت الأبيض وكان واضحا أنه سينفذ تهديداته. وأعلن فوزه وأنه سيذهب إلى المحكمة العليا لمنع عد ملايين الأصوات. وقال وبدون أدلة “هذه عملية تزوير ضد الرأي العام الأمريكي” مما يعني أن السيناريو الأسوأ بات حقيقة. ولم يكن الوضع ليصل إلى هذا الحد، فبعد أربعة أعوام من الانقسام والعجز بات البلد يعاني من أزمة حقيقية وخطيرة في 2020. ففي ظل الوباء والانهيار الاقتصادي قالت نسبة 70% من الأمريكيين باستطلاع أجراه مركز غالوب إن بلدهم يسير بالاتجاه الخطأ. وفي زمن سابق كان الناخب الأمريكي سيعاقب ويوبخ ترامب على ما حصل تحت سمعه وبصره. لكن دعم الحزب الجمهوري له لم يخف، وكانت كل الإمكانيات عشية الانتخابات قائمة من انتصار بهامش قليل لترامب إلى انتصار حاسم لبايدن. وأشارت الاستطلاعات الأخيرة أن بايدن حقق نجاحات أفضل من هيلاري كلينتون قبل أربعة أعوام في المجمعات الانتخابية وعلى المستوى الوطني. ومنح استطلاع فايف ثيرتي إيت بايدن فرصة بنسبة 89% في المجمعات الانتخابية، ومع أن بايدن كان سيفوز على أكبر الاحتمالات إلا أنه لم يكن ليخسر. وفي يوم الانتخابات كانت الولايات الرئيسية كما هي في 2016: فلوريدا وميتشغان وويسكنسن وبنسلفانيا، فلو استطاع بايدن الفوز في بنسلفانيا وميتشغان وويسكنسن لانتهى السباق الانتخابي. وكان قرار بايدن تركيز حملاته الانتخابية الأخيرة في المناطق الداعمة بقوة لترامب بما فيها جورجيا ونورث كارولينا وأوهايو وتكساس يعطي فكرة أن حملة ترامب كانت في حالة دفاع خلال الأشهر الماضية. إلا أن ترامب كان يتمتع، ربح أم خسر بدعم نسبة 40% أو أكثر من الناخب الأمريكي. وربما انتهى بالحصول على دعم شعبي يتفوق على ما حصل عليه قبل أربعة أعوام.

وفاز بأوهايو وتكساس وفلوريدا. وظلت قاعدته مع خلال محاكمته وسياسات تفريق الأطفال المهاجرين عن عائلاتهم ورسائل “الحب” المتبادلة بين وديكتاتور كوريا الشمالية وحتى مع فيروس كورونا وسياسات الإنكار. وتعلق الكاتبة قائلا: “لو قادهم نحو هاوية المواجهة الدستورية من الآن وحتى 20 كانون الثاني/يناير فعلينا الافتراض أنهم سيتبعونه أيضا”.

وتقول غليسر إن ترامب ظل رئيس أقلية يحكم جزءا من البلد وفي مواجهة مع البقية. وكانت صدمة انتخابه في 2016 المبرر المنطقي لحكمه هذا وخطة إعادة انتخابه. وكان السؤال: لماذا القيام بعمل شيء مختلف عندما تحديت الجميع وفزت بالمرة الأولى؟ وعندما يتم العد للأصوات ويظهر أن بايدن تفوق على كلينتون من ناحية الأصوات الشعبية التي حصلت عليها كلينتون بـ 2.87 مليون صوتا فإن ترامب لا يهمه كل هذا طالما ظلت القاعدة الجمهورية تقف خلفه. وحتى بدون نتائج نهائية فنحن أمام بلد منقسم إلى طرفين ولا يزال فيه ترامب رغم حكمه الكارثي يتمتع بدعم غالبية أمريكا الحمراء، أمريكا التي يعتقد أنها له. وفي النهاية لم يكن الأمر له علاقة بخطأ أو صواب الاستطلاعات مع أنها أخطأت في بعض الولايات الرئيسية ولكن بسبب حالة عدم اليقين التي تعيشها أمريكا المنقسمة، والتي كانت وبشكل مؤلم الحالة في واشنطن والسياسة الأمريكية بشكل عام في سنوات ترامب. وظل هذا يقوض المؤسسات الرئيسية للحكم حتى أنتج النظام الانتخابي النتيجة التي كان يبحث عنها. وحتى لو لم يعد لأربعة أعوام أخرى، فقد تمزقت القوة العظمى من الداخل، ولم تعد تثق بديمقراطيتها.

وتقول إنها شعرت خلال السنوات الماضية وهي تقوم بتغطيات في واشنطن ترامب وكأنها غريبة. وهذه الأيام يبدو الشعور قويا وهي تقود سيارتها في واشنطن حيث لاحظت المحلات التجارية وقد وضعت الحمايات عليها والحواجز والأسيجة التي وضعت حول البيت الأبيض تحسبا لعنف ما بعد الانتخابات و “رأيت هذه المشاهد في أماكن أخرى مثل أذربيجان وروسيا، ولكن هذه أمريكا ترامب وليست أمريكا التي أعرفها”.

والسؤال هو ماذا بعد؟ والجواب هو أن المعركة ستستمر لمدة طويلة ولن تكون مجرد قضية حول تراجع دعم ترامب لدى نساء الضواحي أو دعم اللاتينو له في ساوث فلوريدا. وسنحصل على نتائج بنسلفانيا وميتشغان وغيرها لكن ترامب أكد أنه لن يقبل بالهزيمة بهذه الولايات. بل وأكد في مؤتمره صباح الأربعاء أنه فاز بها ويجب التوقف عن عد الأصوات. والسؤال هو إن كان سيواصل القتال حتى 8 كانون الأول/ديسمبر وهو اليوم الذي من المفترض أن تعلن الولايات عن النتائج النهائية أو ربما حتى 14 كانون الأول/ديسمبر حيث ستتلقى المجمعات الانتخابية؟ أن ربما حتى 20 كانون الثاني/يناير حيث سيتم تنصيب الرئيس في واشنطن. وحتى قبل الانتخابات فقد كان المسار الذي سينتهجه الجمهوريون في مرحلة ما بعد الانتخابات واضحا: التخريب على عملية إحصاء الأصوات والتأكد من عدم وصول أصوات من مناطق الديمقراطيين والزعم بوجود تزوير واسع. والهدف هو الذهاب للمحكمة ورفع دعوى. وهو ما قاله ترامب علنا “سنذهب إلى المحامين” بعد نهاية العملية الانتخابية مباشرة.

وفي مقال رأي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” يوم الأحد شجب فيه أهم محامي انتخابات للجمهوريين، بنجامين غينسبيرغ هذه الاستراتيجية. وقال إن حملة ترامب والحزب الجمهوري قدموا أكثر من 40 دعوى قضائية قبل الانتخابات وفي أنحاء متفرقة من البلاد. وتحدوا فيها الإجراءات والمعايير الوطنية والمحلية التي وضعت لمتابعة العملية الانتخابية. وكان الهدف منها هو الحد من التصويت. وقال غينسبيرغ إن مزاعم ترامب بوجود تزوير واسع ضخمها الحزب الجمهوري مع معرفته بعدم صحتها والإصرار على نشر أكاذيب “وحش لوخ نيس” الضخم. وحذر في مقاله الذي جاء بعنوان “حزبي يدمر نفسه على مذبح ترامب”. ومهما حدث في المحاكم يعرف ترامب أنه يخلق حالة عدم يقين حتى حفلة التنصيب. فهو رجل انتقام وعبر قبل الانتخاب عن إمكانية عزل عدد من المسؤولين الذين يرى أنهم خرجوا عن طوعه، مثل مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي ) كريستوفر وري والنائب العام ويليام بار ومديرة المخابرات المركزية جينا هاسبل. بالإضافة لأهم طبيب في مكافحة الأوبئة أنطوني فاوتشي، رغم مواجهة البلد وباء كورونا. وربما سعى لعزلهم لو خسر الانتخابات.

وربما عزلهم غدا أو بعد غد. وهذا ما فعله عندما عزل النائب العام جيف سيسشنز بعد الانتخابات النصفية عام 2018. الانتقام جزء من المخاطر التي تنتظر أمريكا لكن ترامب قد يلجأ إلى الأوامر الرئاسية ليعيث فسادا قبل حفل التنصيب في 20 كانون الثاني/يناير. وقد يخرق الأعراف أكثر مما فعل ويصدر عفوا عن عائلته وأصدقائه وشلته وربما نفسه. وربما قوض ثقة الناس بلقاح كورونا أو يتوقف عن مكافحته. وهناك الكثير من السيناريوهات الخطيرة وهي متناسبة مع عهد ترامب. والحقيقة أن ترامب كان مستعدا في كل خطوة ومرحلة من حكمه كسر الأعراف والقيام بما لا يتخيله أحد. فقد رحب بديكتاتوريين مثل فلاديمير بوتين وطلب من دول أجنبية مساعدته بتقديم أدلة مضرة ضد منافسه بايدن. وكذب لدرجة أن “واشنطن بوست” سجلت له أكثر من 20.000 تصريح كاذب. وتربح شخصيا من مركزه وتخلى عن مسؤوليته لمواجهة الفيروس القاتل. والسؤال لم يعد عن المدى الذي سيذهب إليه ليظل في الحكم، لأن السنوات الأربع الماضية قدمت الجواب عن هذا. لكن السؤال إن بقي هناك أحد لكي يوقفه، في وقت دخلت فيه الولايات المتحدة مرحلة من عدم اليقين بعد انتخابات ليس فيها رابح بعد