الأربعاء 2018/10/03

“مدفونون في الوحل”.. جثث في كل مكان والموت يحوم حول بالو في إندونيسيا

ظلَّت رائحة الجثث المتعفِّنة عالقةً في الهواء، على الرغم من وجود نسيمٍ قوي، بينما كان عشرات الجنود يتسلمون دفعةً أخرى من أكياس الجثث، الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، ويضعونها بعنايةٍ في مقبرة على قمة أحد التلال في إندونيسيا.

وقال أحد الجنود إنهم دفنوا 115 جثة في مقبرة جماعية، أمس الإثنين 1 أكتوبر/تشرين الأول، ودفنوا 143 جثةً أخرى، الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول حتى الآن. ولم يحضر أقرباء المتوفين أو أصدقاؤهم، ولم يكن هناك سوى الجنود ومجموعة من المتطوعين من جامعة قريبة، بحسب تقرير لصحيفة World Street Journalالأميركية.

وقال مسؤولون إندونيسيون، الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول، إنَّ حصيلة القتلى الناتجة عن الزلزال وتسونامي اللذين ضربا جزيرة سولاويسي في إندونيسيا وصلت إلى 1234 قتيلاً، مع زيادة المخاوف بأن يكون الكثيرون غيرهم قد قضوا نحبهم.

التربة تحوّلت إلى رمال متحركة

وقال ستوبو بورو نوغروهو، المتحدث الرسمي باسم الوكالة الوطنية للوقاية من الكوارث  للصحافيين في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، إنَّ السؤال المهم هو كم عدد الناس الذين ابتلعتهم الأرض، بعدما حوَّل الزلزال الذي وقع يوم الجمعة 28 سبتمبر/أيلول، بقوة 7.5 ريختر التربة إلى شيءٍ قريب من الرمال المتحركة. وقال نوغروهو إنَّ 799 شخصاً قد أصيبوا في هذه الكوارث.

وقال نوغروهو: «ما زلنا لا نعرف عدد الأشخاص المدفونين في الوحل بسبب التميُّع وهبوط الأرض».

وأضاف نوغروهو أنَّ 150 شخصاً حتى الآن قد دفنوا في مقبرة جماعية حفرت في إحدى التلال. ويحتاج أولئك الموتى إلى الدفن بسرعة لأسباب دينية وصحية، لكن في بعض الحالات جرى التعرف عليهم بسبب «وحمة»، أو عبر الإكسسوارات التي كانوا يرتدونها وقت موتهم، وهو الأمر الذي سبَّب مشكلات قانونية في الكوارث السابقة للأقرباء الساعين للحصول على دفعات التأمين أو الذين يأملون في حل مسائل الميراث.

ويُشكِّل توصيل المساعدة إلى بالو والمناطق المتضررة الأخرى تحدياً آخر، فالطرق إلى المنطقة قد تضرَّرت، ما أدى إلى إبطاء قوافل المساعدة ووصول معدات الرفع الثقيلة. وتصدَّعت أجزاء من مدرج الطائرات بمطار المدينة، ما أدى إلى الحدِّ من معدل الطائرات التي تستطيع الهبوط هناك وحجمها.

وعانى سكان المنطقة للحصول على الطعام والمياه والإمدادات الأخرى. وبينما يهرع الناس في جميع أنحاء المدينة للحصول على كل ما يستطيعون الحصول عليه، ظلَّت الشرطة تشاهد هجوم السكان على المتاجر دون أن تتدخل.

وخارج متجر صغير للملابس، مطل على الواجهة البحرية لبالو، تُرِكَت عشرات من صناديق أحذية Nike ملقاة على الرمال الطينية التي خلّفها تسونامي.

البحث عن الوقود

وبالجوار، أحضر السكان مئات الأوعية البلاستيكية لمحطة وقود تابعة لشركة Pertamina، وامتدَّ الطابور لنحو حيّين، بينما كان سائقو الدراجات النارية ينتظرون فرصةً لشراء ما يصل إلى 5 لترات من البنزين، أي أقل من غالون ونصف الغالون، مقابل ما يزيد قليلاً عن 3 دولارات.

وقال نيكسون سودو، المدرس بإحدى المدارس: «جئت إلى هنا في الواحدة ظهراً أمس، وانتظرت حتى حلول الظلام. أخبرنا الجيش أن نتحلى بالصبر، ثم بدأت مرة أخرى في التاسعة صباح اليوم».

وخمن سودو أنَّ دوره سوف يحين في وقتٍ مبكر من عصر اليوم.

لكنَّ آخرين لم يكونوا صبورين مثله، إذ ثقبوا أنابيب ناقلات النفط، في المحطة ذاتها، مستخدمين أعمدة الخيزران، لإخراج البنزين من الداخل. وكان البنزين القليل الذي حصلوا عليه مجانياً، لكنهم بدأوا بذلك تنافساً شرساً.

أمَّا أولئك الذين كان معهم إمدادات من الوقود، فقادوا عرباتهم في أنحاء المدينة لرؤية الدمار. وعلى طول الواجهة البحرية، قاد سائقو الدراجات النارية دراجاتهم بيد واحدة، ممسكين هواتفهم باليد الأخرى لتصوير فرق التنظيف التابعة للشرطة، والسيارات المحطمة، وشاحنة جاثمة على جانب أحد المباني، كما يُظهِر أحد المشاهد.

رحلة البحث عن ناجين

وفي أحد الشوارع القريبة من فندق رو أروا المدمر، حيث علقت رائحة الأجساد المتحللة في الهواء، تسبَّب المارة في ازدحام مروري، بينما كانوا يشاهدون الحفارات الآلية تشقّ طريقها بين الأنقاض، بحثاً عن ناجين. وكانت فرق الإنقاذ قد سحبت امرأة واحدة من الحطام، يوم الأحد 30 سبتمبر/أيلول.

وقال رنتو بوديهارتو، أحد رجال الإنقاذ: «ما زلنا نأمل»، لكنه قال إنَّ المسؤولين استخدموا أجهزة استشعار حرارية لتعقُّب الناجين الآخرين في الأيام الأخيرة، ولم يكتشفوا أي علامات على الحياة.

وفي حي بيتوبو، تسبَّبت الانهيارات الأرضية والتميُّع في أضرار بالغة. وبدا أنَّ المنازل والمباني الأخرى قد انجرفت وصار بعضها يواجه البعض الآخر بزوايا غريبة. ودمّرت السيارات، ومال أحد الطرق الإسفلتية على جانبه تقريباً، بحسب الصحيفة الأميركية.

وسارت أيو ماهاراني، الطالبة في السنة الأخيرة بالثانوية العامة، التي تعيش على بعد نحو 100 ياردة (91 متراً) من الشاطئ، بطول الواجهة البحرية قبل أن تعثر على قطعةٍ من الظل خلف تمثالٍ لحصان أبيض. وقد تحطّمت إحدى أرجل الحصان، التي يتراوح ارتفاعها بين 15 و20 قدماً (4.5 و6 أمتار)، إمَّا بفعل الزلزال أو تسونامي الذي تلاه.

وقالت ماهاراني: «كنت أسجل فيديو عن المكياج لنشره عبر تطبيق إنستغرام حين وقع الزلزال». فأسقطت ماهاراني هاتفها وهرعت إلى الشارع مع أسرتها، ثم ركضت أسرع عندما بدأت المياه في التصاعد من الزقاق المواجه لمنزلها. وقالت ماهاراني: «كان الناس يصرخون: مياه، مياه! نعرف ما الذي يعنيه هذا بعد زلزال كبير».

وقالت ماهاراني إنها تتساءل عمَّا ستفعله بشأن الجامعة في ظل إغلاق مدرستها. وقالت: «من المفترض أن نجري امتحانات، لكن حتى الجامعة مغلقة».

وقالت ماهاراني، بينما كان فريق الإنقاذ ماراً وهو يحمل جثة أخرى على المحفة، إنَّ الكثير من القتلى على الواجهة البحرية كانوا يرتدون الزي التقليدي. إذ كانوا يستعدون لمهرجان ثقافي وموسيقي يستمر خمسة أيام، كان من المفترض له أن يبدأ في المساء الذي وقع فيه تسونامي.