الجمعة 2019/12/20

كيف حكمت البلدان الغنية على ملايين الناس بالمعاناة؟

نشرت مجلة "كاونتر بنش" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن تسبب النهج الذي تتبعه البلدان الغنية مع مسألة تغير المناخ في معاناة مئات الملايين حول العالم.

وقالت المجلة،  إن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ لسنة 2019 قد انطلق في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر. وقد اجتمع ممثلو دول العالم لمناقشة المشكلة الخطيرة التي يواجهها كوكب الأرض ألا وهي تغير المناخ، ولكن القوى السياسية الخطيرة في اليمين الفاشي الجديد تنكر هذه الحقيقة.

وذكرت المجلة أن ما يحول دون الانتقال من الوقود الكربوني إلى أنواع الوقود الأخرى هي ثلاث مشاكل رئيسية؛ أولها اليمين الذي ينكر معضلة تغير المناخ، ثانيا بعض الأطراف المشاركة في صناعة الطاقة الذين لهم مصالح في استمرار استخدام الوقود القائم على الكربون، وثالثا رفض الدول الغربية المتقدمة الاعتراف بأنها تسببت في هذه المشكلة وأنه يتعين عليها استخدام ثروتها الضخمة لتمويل التحول من الوقود القائم على الكربون إلى أنواع الوقود الأخرى في البلدان التي تم تحويل ثروتها إلى الغرب.

ونوهت المجلة بأن السبب الثالث قد حال دون أن تؤتي عملية الأمم المتحدة ثمارها. ففي قمة الأرض في ريو سنة 1992، تفاوضت دول العالم حول "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي". في تلك الوثيقة، التي تم التصديق عليها في الجمعية العامة بعد عامين، وافقت الحكومات على مبدأ أساسي، ألا وهو أنه لا يمكن فصل تأثير الاستعمار عن مناقشات أزمة المناخ.

المسؤوليات المشتركة والمتباينة

ذكرت المجلة أن مشكلة تغير المناخ شيء مشترك بين جميع البلدان، ولا يوجد أحد محصن ضد آثاره الضارة. في الوقت نفسه، إن مسؤولية الدول ليست متشابهة، فبعض الدول التي استفادت لقرون من الاستعمار ووقود الكربون، تتحمل مسؤولية أكبر عن الانتقال إلى نظام طاقة أقل ضررًا.

وأشارت المجلة إلى أن البيانات الواردة في المشروع العالمي للكربون الصادر عن مركز تحليل المعلومات المتعلقة بثاني أكسيد الكربون تظهر أن الولايات المتحدة كانت أكبر موزع لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون منذ سنة 1750. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب الدول المسؤولة عن توزيع ثاني أكسيد الكربون كانت قوى استعمارية ولا سيما الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ القرن الثامن عشر، لم تقم هذه البلدان بنشر الجزء الأكبر من الكربون في الغلاف الجوي فحسب، بل استمرت أيضًا في تجاوز نصيبها من ميزانية الكربون العالمية.

وبينت المجلة أن الرأسمالية التي يغذيها الوقود الكربوني مكنت بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية من تعزيز رفاهية سكانها. ولا تزال التفاوتات الشديدة بين مستوى المعيشة بالنسبة للأوروبيين والهنود صارخة كما كانت قبل قرن من الزمان. وعلى الرغم من أن اعتماد الصين والهند ودول نامية أخرى على الكربون، خاصة الفحم، مرتفعة إلا أن هذا الاستخدام للكربون لم يجعل انبعاثات الفرد في الصين والهند تتجاوز استخدام الولايات المتحدة، التي يبلغ نصيب الفرد من انبعاثاتها ضعف انبعاثات الفرد في الصين.

صندوق المناخ الأخضر

قالت المجلة إن الاتفاقية الإطارية أقرت بأهمية الاستعمار والانحراف الجغرافي للرأسمالية الصناعية وتأثيرها على ميزانية الكربون. لهذا السبب، وافقت الدول في ريو على إنشاء صندوق أخضر للمناخ. وقد طُلب من الغرب تقديم مساهمات كبيرة للصندوق، الذي سيُستخدم رأس ماله بعد ذلك لمساعدة البلدان النامية على تحقيق "قفزة" في مجال التنمية الاجتماعية التي يغذيها الكربون.

كان من المأمول أن يجمع الصندوق 100 مليار دولار - كحد أدنى - بحلول سنة 2020. وقد تعهدت الولايات المتحدة آنذاك بتقديم 3 مليارات دولار لكنها لم تساهم إلا بمليار دولار فقط، حيث قام ترامب بمنع تقديم أي مساهمات أخرى في الصندوق. فضلا عن ذلك، إن مبلغ 100 مليار دولار يعد مبلغا زهيدا، خاصة أن الوكالة الدولية للطاقة تقترح كل سنة في تقريرها عن توقعات الطاقة العالمية أن الرقم الفعلي سيكون في حدود التريليونات.

الهجوم على الفحم

بينت المجلة أنه من السهل مهاجمة كل من الصين والهند وبعض الدول النامية الأخرى. في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما خاطب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الصحافة بعد مشاركته في قمة رابطة أمم جنوب شرق آسيا في بانكوك في تايلاند، لم يذكر مفهوم "المسؤولية المشتركة والمتباينة" ولا "الصندوق الأخضر للمناخ".

وقد قدم الأمين العام ثلاثة مقترحات، لا تسلط الضوء إلا على "المسؤولية المتباينة"، وتتمثل في فرض الضرائب على انبعاثات الكربون، وقف تريليونات الدولارات من الدعم للوقود الأحفوري، والانتهاء من بناء محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بحلول سنة 2020. لكن هذه المقترحات لم تجلب الاهتمام، فبالنظر إلى خطورة التقارير الواردة من الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، بات من المستحسن الانطلاق في التنفيذ وليس أخذ القرارات فقط.

وبينت المجلة أن هذه المقترحات ستضرب مباشرة مصادر طاقة البلدان النامية التي لم توفر الكهرباء لسكانها الذين يبعدون كل البعد عن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. فعلى سبيل المثال، في جنوب شرق آسيا، حيث أدلى غوتيريس بهذه التصريحات، يتوقع أن يصل الكهرباء للمنطقة بالكامل بحلول سنة 2030. من جانب آخر، قالت الدول الصناعية المتقدمة، على غرار المملكة المتحدة وألمانيا، إنها ستعمل على التخلص التدريجي من الفحم بحلول سنة 2040.

اختيار صعب

نوهت المجلة بأنه أمام البلدان النامية خيار صعب: إما التخلي عن الكربون الذي سعره أرخص من الوقود، ثم التخلي عن التنمية الاجتماعية لسكانها؛ أو الاستمرار في استخدام الكربون وتهديد الكوكب. في الحقيقة، هذه هي الخيارات الوحيدة المتاحة إذا رفضت الدول الصناعية المتقدمة تمويل صندوق المناخ الأخضر، ونقل التكنولوجيا الخاصة بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى الدول دون أي التزام مالي.