الأحد 2020/03/22

“كورونا” شاغل العالم.. مؤامرة أم حقيقة واقعة؟

تدخل نظرية المؤامرة في صلب كل المواضيع المتناولة بالعالم، وتأخذ مساحتها الخاصة في كثير من منشورات وتغريدات مواقع التواصل الاجتماعي، لتقف في مواجهة الواقع والحقيقة، لدرجة انتقالها إلى تصريحات السياسيين والمسؤولين أحياناً.

ومنذ ظهور فيروس كورونا في الصين، بدأت الدعاية والترويج لمؤامرة خاصة بالفيروس وطريقة انتشاره، باعتباره سلاحاً بيولوجياً أو جرثومياً اخترعته أمريكا، لكسر الاقتصاد الصيني الآخذ في النمو.

إلا أن "مؤامرة كورونا" لم تستمر بالحجة نفسها مع توسُّع الفيروس وانتشاره في أنحاء العالم، خصوصاً أنه تمدد من عموم آسيا إلى أوروبا وأفريقيا والأمريكيتين.

وفي المقابل يرى قسم كبير من الناس أنه فيروس أو مرض مثل غيره من الأمراض التي تصيب بني البشر وانتشر بقوة، لأنه لا توجد لدى الناس مناعة منه، ولم تخترع الدول مضاداً أو علاجاً له.

وهنا يبقى التساؤل عالقاً: هل كورونا الذي أعلِنَ أنه وباء عالمي وجائحة، مجرد مؤامرة قد تنتهي بأي لحظة أم أنه فيروس قاتل لن يتوقف حتى يحصد عشرات الآلاف من الأرواح ثم ينتهي باكتشاف دواء له؟

سلاح بيولوجي

ولم تكن نظرية المؤامرة الخاصة بنشر "كورونا" بين الشعوب كما تجري عادة فحسب، حيث تعمل الدول على بثها بين الناس، ليتناقلوها وتكون مخدراً لهم.

فمع توسُّع انتشار الفيروس اتهمت الصين، على لسان "ليجان زاهو" نائب رئيس إدارة المعلومات بوزارة الخارجية الصينية، بشكل رسمي، الولايات المتحدة بأنها هي من نشرت الفيروس في إطار حرب بيولوجية.

ولفت "زاهو" إلى احتمالية أن يكون الجيش الأمريكي هو من جاء بفيروس كورونا إلى منطقة ووهان في الصين، التي تعتبر المنطقة التي بدأ وانتشر منها الفيروس.

الاتهام نفسه وجهته إيران إلى الولايات المتحدة أيضاً، التي اتهمتها بإنتاج الفيروس، ونقلت وكالة فارس عن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، قوله في تغريدة على موقع تويتر: "على الولايات المتحدة أن تكشف دورها في إنتاج ونشر فيروس كورونا بدلاً من توجيه اتهامات زائفة إلى الصين وإيران".

وبغضّ النظر عن صحة الاتهامات فقد أعلنت الدولة المتهَمة حالة الطوارئ، في ظل انتشار فيروس كورونا فيها، كما اضطر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الذي كان يعتبر الفيروس مجرد تهويل إعلامي) إلى إعلان الحرب على الفيروس، ووضع ميزانية لمواجهته تصل إلى 50 مليار دولار.

والمثير أن الصين كانت سبب انتشار الفيروس بكل العالم؛ لتأخرها في التعامل معه بجدية منذ الكشف عنه في كانون الأول 2019.

في حين أن إيران التي ظلت تنفي وجود الفيروس على أراضيها حتى 19 شباط الماضي، ثم ما لبث أن انتشر بشكل مريع في البلاد، تتهمها السعودية بأنها استخدمت الوباء لشن حرب بيولوجية على دول الخليج حين لم تختم جوازات سفر القادمين إليها عند الدخول والخروج.

ويعتقد الباحث السياسي علي باكير في حديث مع "الخليج أونلاين"، أن الصين تحاول أن تبعد عنها مسؤولية تحوُّل الفيروس إلى وباء عالمي؛ لا سيما أنها أخفت الموضوع ولم تتعامل معه بجدية في الوقت المناسب عدة أشهر، وأفضل طريقة لذلك من وجهة نظر النظام الحاكم في الصين، هي اتهام أمريكا، حيث تلقى مثل هذه الاتهامات رواجاً عند شرائح أيديولوجية أو تيارات سياسية حول العالم".

وقال باكير: "أما بالنسبة للنظام الإيراني فهو يبحث عن كبش فداء لإلقاء اللوم عليه، نتيجة الوضع الكارثي الذي تسبب فيه بالداخل الإيراني، وليس هناك أفضل من شماعة الولايات المتحدة و(اسرائيل) بالنسبة إلى إيران".

وأضاف: إن "النظام الإيراني أخفى حقيقة انتشار الفيروس في البداية وأصر على الذهاب إلى الانتخابات، ولم يوقف التجمعات أو يغلق المزارات، ولم يعزل المدن، وظل يكابر حتى أُصيب بكارثة، حينها فقط بدأ يتحدث عن حرب بيولوجية أمريكية وعن استهداف أمريكي لإيران وعن تأثير العقوبات، وكلها تنطوي على حملات تضليل، هدفها إبعاد المسؤولية عنه، في الوقت الذي لا يزال فيه النظام يعطي الأولوية لأجندته الخارجية وحدوده الإقليمية في سوريا والعراق على حساب الشعب الإيراني".

منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة تحدثت من ناحية طبية، قائلة: إن "فيروس كورونا المستجد فيروس حيواني المصدر، ينتقل للإنسان عند المخالطة اللصيقة لحيوانات المزرعة أو الحيوانات البرية المصابة به".

وأكدت: "رغم أن المصدر الحيواني هو المصدر الرئيس الأكثر ترجيحاً لهذا التفشي الكبير للوباء، فإنه يجب إجراء مزيد من الاستقصاءات لتحديد المصدر الدقيق للفيروس".

"مؤامرة" تتفشى بوسائل التواصل

وكما تفشى الفيروس في أنحاء العالم، تفشَّت مزاعم نظرية المؤامرة على لسان مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير جداً، خصوصاً في الأسابيع الأولى لانتشار الفيروس بالصين.

وتساءلت إحدى المغردات على موقع "تويتر": "هل حقق فيروس كورونا مبتغاه؟ ركود اقتصادي يقابله غلاء أسعار، انهيار دول بكاملها، تراجع غير مسبوق بأسعار النفط والأسهم والبورصة، وهل اللقاح موجود لدى إحدى الدول ولم يكشفوا عنه بعد لتمرير صفقة ما أو مؤامرة دولية؟".

مغرد ثان قال: "بعد أن تكشفت مؤامرة أمريكا -ترامب نشر فيروس كورونا في الصين وإيران والجنوب الأوروبي لغرض إيقاف تكنولوجيا التجارة التخصصية وإيقاف المقاومة الفلسطينية بقيادة إيران وحماس- ها هي أمريكا تكشّر عن أفعالها القبيحة في الاستحواذ وحدها بالهيمنة على مقدرات العالم دون إشراك آخرين كالصين".

من جانبه، قال الباحث أحمد الدمنهوري في منشور له على موقع فيسبوك: "لا أقول إن كورونا مؤامرة -وإن كان (ذلك) غير مستبعَد- لكن في المسألة تضخيمٌ مريب وبث للرعب متعمَّد؛ وهو ما سيتم استغلاله لتعظيم الأرباح وزيادة نفوذ.. فلنراقب السياسات بعد انجلاء الأزمة قريباً".

في المقابل قال أحد الناشطين: "لتبقَ حالة الطوارئ والاستنفار الرسمي والمجتمعي بالوتيرة نفسها، لأن أي حالة ملل مجتمعية مثل (زهقنا) أو (المكتوب ما منه مهرب) أو التفكير بمنطق عقليات هذه (مؤامرة)، هذا النوع من العقليات تحديداً رح يجيبونا بحوض نعنع- بالترافق مع تفشي المرض ستنفجر الأمور مرة واحدة وستقع كارثة".

الإعلامي البارز فيصل القاسم علَّق على الموضوع، بالقول: "يقولون لك إنَّ نشر فيروس كورونا هدفه تدمير اقتصاد الصين، فتجد أن الاقتصاد الأمريكي أكبر المتضررين...يقولون لك إنها مؤامرة غربية فتجد أن أكثر الإصابات الآن صارت في الغرب.. عيش كثير بتسمع كثير".

حتى إن التهكم من موضوع "المؤامرة" انتشر على وسائل التواصل؛ ففي مقطع مصور تداوله كثيرون لأحد كبار السن وهو يقول: إن "كورونا مؤامرة عالمية صهيونية أمريكية إمبريالية خليجية قطرية بحرينية سعودية ضد الشعب الفلسطيني".

الباحث علي باكير قال لـ "الخليج أونلاين" أيضاً: "هناك عدة عوامل تسهم في انتشار نظرية المؤامرة في ظروف من هذا النوع، من بينها مواجهة عدو لا تتوافر حوله معلومات كافية ولا عن كيفية الشفاء منه، وغياب الشفافية لدى الحكومات، وتسيّد عدم المختصين أو الخبراء للمشهد، بالإضافة إلى حالة الخوف وانتشار الجهل لدى فئات واسعة من المجتمع".

وأشار إلى إسهام وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار النظرية، وعدم تحلي المؤسسات الإعلامية أو تلك المعنيّة بالموضوع بالمسؤولية المطلوبة.

وأكد باكير أن "مواجهة نظريات المؤامرة يجب أن تتم من خلال الاعتماد على الحقائق والمصادر المعتبرة ومن خلال شفافية أكبر، وعلى الفرد كذلك مسؤولية عدم الانجراف وراء تلك النظريات وإمعان العقل فيها. الوباء حقيقة، وتجاهل ذلك سيعقّد عملية مواجهته".

وفي ظل الحديث عن واقع ومؤامرة، فـ وباء كورونا منتشر بشكل كبير في معظم دول العالم، وتوفي به قرابة 12 ألف شخص، وتجاوز عدد المصابين به 28 ألفاً، في حين تعافى من الإصابة أكثر من 93 ألف شخص.

في حين سُربت وثيقة أمريكية حكومية تقول إن أزمة كورونا قد تستمر 18 شهراً، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".

وزاد من التوجه للحديث عن المؤامرة زيادة حركة التسلع في العالم، حيث فرغت عديد من الأسواق والمحلات من المواد الغذائية والبضائع؛ خشية إغلاقها وفرض حجر منزلي على المواطنين كما حصل في مدينة ووهان الصينية أو بالمدن الإيطالية مؤخراً، وهو ما يصب في مصلحة الشركات الرأسمالية الكبرى.

لكن في المقابل كانت خسارات معظم الشركات التجارية والمصانع حول العالم ضخمة جداً، مع حالات الإغلاق وتخوُّف العاملين من الذهاب للعمل خشية الإصابة بالفيروس، بالإضافة إلى حصول انهيار في أسعار النفط وأسواق المال على المستوى العالمي.