الأثنين 2019/06/10

الكونغو الديمقراطية.. أطفال لا يرون الشمس لنمتلك الهواتف الذكية

إذا كنت قد مللت من عملك المرهق وتفكر بتركه قريبا قد تعيد تفكيرك عندما تعلم أن 40 ألف طفل في جمهورية الكونغو الديمقراطية يعملون أكثر من 12 ساعة يوميا تحت الأرض ولا يرون الشمس لأيام طويلة مقابل دولارين فقط.

هؤلاء الأطفال لا يجمعون النفايات أو ديدان الصيد، بل ينقبون عن مادة "الكوبالت" الخام لتحصل عليها شركات عملاقة في جنوب شرق آسيا وتصنع منها بطارية هاتفك الذكي أو حاسوبك المحمول.

والكوبالت معدن نادر نسبيا وهو منتج ثانوي من النحاس والنيكل، وكان يقتصر استخدامه بالمقام الأول لتصلب الفولاذ لكن قدرة المعدن الرمادي على إجراء الكهرباء بكفاءة جعلت من الضروري للبطاريات القابلة لإعادة الشحن المتطورة.

وحاليا يستخدم الكوبالت المعدني في جميع البطاريات تقريبا في الأجهزة الشائعة، بما في ذلك الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وحتى السيارات الكهربائية.

ويأتي حوالي ثلثي الكوبالت في العالم من جمهورية الكونغو الديمقراطية وفقاً لتقرير أصدرته شركة  "Darton Commodities Ltd"، وهي شركة أبحاث مقرها لندن متخصصة بدراسة الكوبالت.

وبحسب شركة "وود ماكنزي" لأبحاث واستشارات الطاقة والمعادن، فإن الكونغو الديمقراطية توفر 63٪ من الكوبالت في العالم، ويمكن أن تصل هذه الحصة السوقية إلى 73٪ بحلول عام 2025.

أزمة الكوبالت

ويقدر الاحتياطي العالمي المؤكد من الكوبالت بـ25 مليون طن متري وهذه الكمية تكفي لتلبية الطلب العالمي الحالي لنحو 250 سنة، وفقا لبيانات نشرتها هيئة المسوح الجيولوجية الأمريكية العام الماضي.

وبحسب تقديرات هيئة الأبحاث الأمريكية "بلومبرغ نيو إنيرجي فاينانس"، المتخصصة في الطاقة المتجددة،  فإنه بحلول عام 2030 قد يكون  الطلب العالمي على الكوبالت أعلى 47 مرة من الطلب حاليا.

وأدى ارتفاع الطلب على الكوبالت إلى ارتفاع أسعاره إلى أربعة أضعاف خلال العامين الماضيين، مما شجع المنقبون عن المعدن بالكونغو الديمقراطية على زيادة إنتاجه بنسبة 18٪ في العام 2017، وفقًا لتقرير أصدرته شركة " Andries Gerbens" البريطانية للتعدين، في مايو 2018.

ومن المتوقع أن يتجاوز استهلاك الكوبالت 122 ألف طن في نهاية العام الجاري، مقارنة بـ75 ألف طن عام 2011.

وبسبب هذه الزيادة الكبيرة في حجم استهلاك الكوبالت، فإن تقديرات لشركات تعدين مختصة مثل   Andries Gerbensالبريطانية، تتوقع أن يكون هناك فجوة بين العرض والطلب بعد عام 2022 لمصلحة الطلب.

وتشير التقديرات ذاتها إلى أن الطلب على الكوبالت سيصل إلى 310 آلاف طن سنويا بحلول عام 2027، وهو ما سيترجم عمليا في شكل ارتفاع في أسعار الكوبالت.

وأصدرت منظمة الطاقة العالمية، تقريرا في أغسطس الماضي، بشأن أوضاع سوق الكوبالت العالمية، تدعو فيه إلى زيادة الجهود الدولية لمزيد من الاكتشافات بشأن الكوبالت، محذرة من أن السوق العالمية قد تتعرض إلى هزات ضخمة، إذ واصل العالم اعتماده على الكونغو كمصدر أساسي للمعدن.

ويقول شيراز فيرجي، المدير العام لشركة "شيماف" أكبر شركات التنقيب عن الكوبالت بجمهورية الكونغو، في تصريحات صحفية، إن شركته تنتج 5 آلاف طن من المعدن النادر سنويا، وتتجه نحو إنتاج 20 ألف طن بسبب زيادة الإقبال على المعدن.

ويشير فيرجي إلى أن شركته تبيع ما تنتجه من الكوبالت للصين لأنها البلد الوحيد التي تملك الإمكانيات الصناعية لتحويله إلى بطاريات.

ولكن لا يقتصر إنتاج الكوبالت في الكونغو على الشركات الرسمية، فربع الكمية المنتجة من هذا المعدن في البلاد يتم الحصول عليها من السوق السوداء التي تغذيها مناجم تقليدية غير رسمية يعمل فيها الآلاف من العمال لساعات طويلة بأدوات بدائية مثل المجرفة وبعض القضبان المعدنية مقابل دولارين باليوم.

وتشرف على المناجم غير الرسمية شركات صينية تحصل على إنتاجها مهما كانت جودته وكميته، وتحظى بحماية من القوات الرئاسية بجمهورية الكونغو الديمقراطية، بحسب تقرير بثته قناة "فرنسا 24"، في فبراير 2018.

عمالة الأطفال

وفي داخل هذه المناجم غير الرسمية يعمل أكثر من 40 ألف طفل في التنقيب عن الكوبالت بظروف عمق قاسية وغير مناسبة لأعمارهم، بحسب ما أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) بتقرير لها، العام الماضي.

وذكرت المنظمة الأممية أن بعض الأطفال العاملين بالتنقيب عن الكوبالت بالكونغو لا تزيد أعمارهم عن 7 أعوام فقط، ويعملون في مناجم تقع تحت سطح الأرض وبعضهم لم يشاهد ضوء الشمس منذ مدة طويلة.

وقالت إن "انتهاكات حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية تغذي تجارة الكوبالت بالعالم، وإن كثيرا من الشركات العالمية المصنعة للهواتف الذكية تعلم ذلك وتتقاعس في اتخاذ إجراءات حياله".

تقرير حديث آخر لمنظمة العفو الدولية تحدث عن أن الغالبية العظمى من عمال مناجم التنقيب عن الكوبالت، في الكونغو الديمقراطية، تمضي ساعات عمل طوال بشكل يومي في تماس مباشر مع خامات الكوبالت دون توفر معدات الحماية الأساسية من قبيل القفازات وأزياء العمل الواقية والأقنعة الكفيلة بحمايتهم من الإصابة بأمراض الرئة أو الأمراض الجلدية.

وأفاد التقرير بأن الآلاف من الأطفال يعملون نحو 12 ساعة يوميا في المناجم ويقومون بحمل أوزان ثقيلة  لقاء الحصول على مبلغ دولار واحد أو دولارين في اليوم.

وذكر أن الشركات التي تحصل على الكوبالت من المناجم التي يعمل بها الأطفال تحقق أرباحا سنوية لا تقل عن 125 مليون دولار.

وحول المخاطر الصحية للتنقيب عن الكوبالت، قالت منظمة العفو الدولية، إن "عمال المناجم بالكونغو الديمقراطية يتعرضون لخطر الإصابة بتلف مزمن للرئتين بسبب الأبخرة المتصاعدة من الكوبالت".

وأشارت إلى أن 80 عاملا توفوا في مناجم جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال الفترة ما بين سبتمبر 2014 وديسمبر 2015 فقط.

تقول منظمة الصحة العالمية إن التعرض للكوبالت والتنفس في أبخرة الغبار يمكن أن تتسبب في إصابة العاملين في لمناجم بعدد من الأمراض الخطيرة، كالسرطان وتسمم الدم وتليف الرئتين المزمن والالتهابات الجلدية.

ويعلق المستشار في مكتب منظمة العفو الدولية بالجزائر، عبد العزيز زياني، على قضية عمالة الأطفال في التنقيب عن الكوبالت قائلا، إن "السبب الرئيس وراء انتهاك حقوق الأطفال وإجبارهم على العمل في هذه المناجم، وهو غياب القوانين التي تفرض على الشركات القيام بالإفصاح عن المعلومات المتعلقة بمصادر معادنها".

وأضاف زياني لـ"الخليج أونلاين": "سوف تستمر هذه الشركات في الانتفاع من انتهاكات حقوق الأطفال، ولذلك يتعين على الحكومات أن تضع حداً لهذه الممارسات التي تفتقر للشفافية وتتيح للشركات التربح على أنقاض بؤس الآخرين".

وشدد على ضرورة أن تقطع الشركات التي تقوم بتصنيع البطاريات واستهلاكها علاقتها التجارية مع الموردين لمعدن الكوبالت الذين يستخدمون الأطفال في أعمال التنقيب ولا يوفرون بيئة عمل آمنة للعمال.

وتساءل زياني كيف يعاني عمال المناجم في الكونغو الديمقراطية من الفقر والبؤس بينما يباع المعدن الذي يستخرجوه بمليارات الدولارات.