السبت 2019/12/14

اتفاق تجاري “مرحلي” بين واشنطن وبكين

توصّلت الولايات المتحدة والصين، أمس الجمعة، إلى اتفاق تجاري مرحلي يتضمن إلغاء رسوم جمركية أميركية عقابية، في هدنة بين أكبر اقتصادين في العالم، خاضا حرباً تجارية استمرت نحو عامين وأوهنت الاقتصاد العالمي.

وغرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر "وافقنا على اتفاق مرحلة أولى كبير جداً مع الصين" وذلك بعد أن أدلى مسؤولون في بكين بإعلان مماثل.

ويمنح ذلك زخماً لترامب، الذي جعل من الحروب التجارية أساسا لسياساته الخارجية، في وقت تستعد فيه لجنة بالكونغرس لإجراء تصويت في مجلس النواب على إجراءات عزله الأسبوع المقبل بتهمة استغلال النفوذ.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مسؤول في الإدارة الأميركية (طلب عدم نشر اسمه)، أنّ التوقيع على الاتفاق يمكن أن يتمّ "في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير".

من جهته قال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض "لاري كودلو" إن التوقيع على الاتفاق قد يتم على مستوى وزاري، وليس على مستوى رئيسي البلدين.

وبعد مؤشرات لم تتحقق إلى حل النزاع بين أكبر اقتصادين في العالم، شعر المستثمرون بالارتياح لإلغاء مجموعة جديدة من الرسوم التي كان من المقرر فرضها الأحد.

والرسوم التي كان من المفترض أن تطال أجهزة الكترونية مثل الهواتف الخليوية والحواسيب، "لن تفرض نظراً لأننا توصلنا للاتفاق" وفق تغريدة ترامب.

وفي تنازل كبير، ستخفض واشنطن بمقدار النصف رسوما بنسبة 15 بالمئة على ما تصل قيمته إلى 120 مليار دولار من السلع الصينية، مثل الملابس، والتي فرضت في الأول من أيلول/سبتمبر وكان لها تأثير أكبر على المستهلك الأميركي من رسوم سابقة.

وقال ترامب إن الرسوم الحالية بنسبة 25 بالمئة على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار ستبقى مطبّقة حتى إجراء المزيد من المفاوضات حول مرحلة ثانية من الاتفاق.

وتابع الرئيس الأميركي أن المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تسعى إلى إصلاح أوسع بكثير للعلاقات التجارية للعملاقين، يمكن أن تبدأ "على الفور".

وأكد ترامب أن بكين قد "وافقت على العديد من التعديلات الهيكلية وعمليات الشراء الهائلة لمنتجات الزراعة والطاقة والسلع المصنعة وأكثر بكثير".

دفع لمنتجات المزارع الأميركية:

من جهته، قال نائب وزير التجارة الصيني وانغ شوين للصحفيين، إن واشنطن وافقت على إلغاء الرسوم على السلع الصينية "على مراحل".

وقال نائب وزير المال "لياو مين" إن الصين ستلغي بدورها رسوما انتقامية مقررة في إطار الرد بالمثل، على الإجراءات التي كان من المفترض أن تدخل حيز التطبيق الأحد قبل أن يعلن الغاؤها.

وقال وانغ إن اتفاق المرحلة الأولى يشمل تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية وتوسيع الوصول إلى الأسواق وحماية حقوق الشركات الأجنبية في الصين، وهي مسائل تكمن في صميم شكاوى الولايات المتحدة حول سياسات بكين الاقتصادية.

وذكرت تقارير إعلامية أميركية أن الصين ستنفق 50 مليار دولار لشراء منتجات المزارع الأميركية، وهو طلب رئيسي من ترامب، لكن المسؤولين الصينيين لم يكشفوا أي أرقام بالمؤتمر الصحفي في بكين.

وقال وانغ "اتفق البلدان على نص اتفاق المرحلة الأولى التجاري والاقتصادي".

وتابع "اتفق الطرفان على أنه في الخطوة التالية، سيكملان الإجراءات اللازمة للمراجعة القانونية ... والتفاوض على الترتيبات المحددة للتوقيع الرسمي للاتفاق".

وأضاف "يُؤمل أن يلتزم الطرفان بالاتفاق ويعملان جاهدين لتطبيق المحتويات المتعلقة بالمرحلة الأولى من الاتفاق".

وفي مؤشر إلى استمرار التوتر، قال وزير الخارجية الصيني "وانغ يي" في وقت سابق إن واشنطن "تقمع" الصين في عدد من المجالات ومنها الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا.

واضاف خلال ندوة حول العلاقات الدولية في بكين إن الولايات المتحدة "أضرّت بشكل خطير بأساس الثقة المكتسبة بصعوبة بين الصين والولايات المتحدة".

وبكين غاضبة أيضاً من واشنطن بسبب دعمها الحراك المطالب بالديموقراطية في هونغ كونغ ولانتقادها الصين بسبب الاعتقالات الجماعية لأقلية "الأيغور" المسلمة في إقليم "شينغيانغ" شمال غرب الصين.

وفي تقييم أوّلي للاتفاق المرحلي رأى اقتصاديون وخبراء تجاريون أنّه يمثّل في واقع الأمر انتصاراً لبكين.

وقال "سكوت كينيدي" الخبير البارز في الشؤون الصينية "عذراً إذا لم أفتح زجاجة شمبانيا احتفالاً، لكن باستثناء وقف التصعيد المستمر فليس هناك ما يستحق الكثير من الهتاف".

وأضاف أنّ "التكاليف كانت كبيرة وبعيدة المدى، والفوائد أتت صغيرة وسريعة الزوال".

خفض سقف الطموحات:

ومع احتدام معركة إعادة انتخابه في 2020، يحرص ترامب على اقتناص المبادرة السياسية ليظهر للناخبين أن سياسته العقابية مع الصين أثمرت.

وتريد الولايات المتحدة في نهاية المطاف أن تقوم الصين بفتح اقتصادها الكبير أمام مزيد من السلع وإجراء إصلاحات واسعة، لما دأبت واشنطن على اعتباره تجاوزات ممنهجة بحق المستثمرين الأجانب، ويشمل ذلك النقل القسري للتكنولوجيا والسرقة الهائلة للملكية الفكرية.

غير أن البيت الأبيض غيّر موقفه تدريجيا ليوضح أن اتفاق "المرحلة الأولى" هو كل ما يستطيع التوصل إليه في الوقت الحاضر.

وسارع المزارعون الأميركيون الذين عانوا من الإجراءات الانتقامية الصينية إلى الترحيب بالاتفاق، ولا سيّما أنّهم من أبرز المتضرّرين من الحرب التجارية، إذ إنّه منذ اندلعت هذه الحرب تراجعت الصين من المركز الثاني إلى المركز الخامس في قائمة مستوردي المنتجات الأميركية.

وقال زيبي دوفال، رئيس "مكتب اتحاد المزارع الأميركي"، الاتحاد الرئيسي للمزارعين في الولايات المتحدة إنّ "إعادة فتح باب التجارة مع الصين ودول أخرى أمر ضروري لمساعدة المزارعين ومربي الماشية على الوقوف على أقدامهم مجدّداً".

وأضاف أنّ المزارعين "يفضّلون وبفارق شاسع الزراعة للسوق على الاعتماد على المساعدات الحكومية".

من ناحيتها لفتت إدارة ترامب إلى أنّ الصين ستشتري صادرات أميركية إضافية "بقيمة 200 مليار دولار على الأقل خلال العامين المقبلين" من قطاعات التصنيع والزراعة والطاقة والخدمات الأميركية.