الجمعة 2021/04/30

أول 100 يوم من عهد بايدن.. كيف تغيرت سياسة واشنطن الخارجية؟

بمناسبة مرور مئة يوم على تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، رصد تقرير أعده باحثون في مركز "كارنيغي للسلام الدولي" تقييما لسياسته الخارجية خلال تلك الفترة.

وتناول التقرير، التقدم الذي أحرزته واشنطن في ملفات السياسة الخارجية، ومنها سياستها تجاه أفغانستان وإيران والسعودية والصين وروسيا، وقضيتي التغير المناخي وتعزيز الديمقراطية في الداخل والخارج.

وجاء في التقرير: "يجب على الرئيس (الأمريكي) أن يقرر أفضل السبل للتعامل مع صعود الصين، وتورط واشنطن باهظ التكاليف في الشرق الأوسط وأفغانستان، وحطام الاتفاق النووي الإيراني، وأزمة المناخ العالمية".

ويتمثل التحدي الذي تواجهه الإدارة حاليا، في إدارة العلاقات الخارجية الأمريكية المعقدة، سواء مع خصومها أو حلفائها على حد سواء، وفقا للباحثين.

** الإرث الأمريكي في أفغانستان

يعتبر قرار بايدن سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول سبتمبر/أيلول المقبل تحولا جذريا في سياسة واشنطن، لكنه أيضًا استمرار للمسارات التي بدأها سلفه، وفقا للتقرير.

وعلى غرار الرئيس السابق دونالد ترامب، يهدف بايدن إلى إخراج الولايات المتحدة من الحروب إلى الأبد والتركيز على التحديات الأخرى.

لكن بايدن، الوارث عن ترامب اتفاق الدوحة الذي ينص على انسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل للأسرى، استند في قراره النهائي بشأن أفغانستان إلى مراجعات إدارته للوضع الحالي وخاصة فريق الأمن القومي الجديد.

ويمثل ذلك تحولا ملحوظا عن عهد ترامب، الذي كان يغرد غالبًا أولاً ثم تعمل إدارته بأثر رجعي لتنفيذ قراره، بحسب الباحثين.

ويرى التقرير أن "إنهاء المشاركة الأمريكية في الصراع الأفغاني لا يعني في الواقع إنهاء الحرب التي لا نهاية لها، بل من المرجح أن تشهد أفغانستان المزيد من عدم الاستقرار في الأشهر والسنوات المقبلة".

وتعتزم الحكومة الأمريكية سحب كل قواتها من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/ أيلول المقبل، الذي يصادف الذكرى العشرين لاعتداءات 2001، التي دفعت واشنطن إلى إسقاط نظام "طالبان".

** هل يمكن لبايدن إحياء الاتفاق النووي الإيراني؟

يحاول بايدن أيضا إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، لكنه قد لا يكون لديه مساحة كبيرة للمناورة، فقد ورث عن سلفه فوضى كبيرة في العلاقات بين البلدين، وفقا للتقرير.

وفي مايو/ أيار 2018، انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الموقع في 2015 بين إيران و"مجموعة 5+1"، التي تضم روسيا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، وفرضت على طهران عقوبات اقتصادية.

كما فرضت الإدارة الأمريكية في عهد ترامب عقوبات متعددة على أفراد وكيانات إيرانية، شملت قطاعات اقتصادية بأكملها، لا سيما القطاعات المصرفية والنفطية، بحسب المصدر ذاته.

لكن بعد مئة يوم من ولاية بايدن، نجحت الإدارة الأمريكية، بمساعدة نظرائها الأوروبيين والروس، في إتاحة فرصة للتوصل لاتفاق نووي مع إيران، يشمل قيودا على برنامجها النووي، وفقا للتقرير.

وانطلقت أخيرا في العاصمة النمساوية، فيينا، مفاوضات لإحياء "الاتفاق النووي" بين إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا.

إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الترتيب الجديد سيكون أفضل لجميع الأطراف مما كان عليه الحال لو أن إدارة ترامب حافظت على الاتفاق النووي لعام 2015، بحسب الباحثين.

وأشار التقرير أن "التحدي الأكثر صعوبة للمفاوضات الحالية يتمثل في إثبات أن الاتفاق الجديد سيكون جيدا بما يكفي لطهران وأن واشنطن ستفي بالتزاماتها، مثل رفع العقوبات على الجانب الإيراني".

** واشنطن والرياض ليستا جاهزتين للانفصال

حتى الآن، تميزت إدارة بايدن بعلاقة أقل قربا من إدارة سلفه مع الرياض، لكن كلا البلدين قررا أنهما بحاجة إلى بعضهما البعض، وفقا للتقرير.

وخلال الأيام المئة الأولى للرئيس الأمريكي في منصبه، كانت العلاقة الأمريكية السعودية واحدة من عدد قليل من الموضوعات المتعلقة بالشرق الأوسط على قائمة أولويات الإدارة.

وفي 25 فبراير/ شباط الماضي، عقد بايدن محادثة هاتفية مع الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد تأكيد البيت الأبيض أن نظير الرئيس الأمريكي في السعودية، هو الملك سلمان وليس ولي العهد محمد بن سلمان.

كما أعلنت واشنطن إنهاء دعمها لحرب اليمن، وفرضت تجميدا مؤقتا على مبيعات الأسلحة للسعودية، وعينت مبعوثا خاصا لليمن بهدف إنهاء الحرب.

وعلى الرغم من كل ذلك، يظهر تركيز إدارة بايدن على علاقتها مع الرياض، فقد أشار الرئيس إلى المملكة في أول خطاب رئيسي له في السياسة الخارجية، في 4 فبراير/ شباط الماضي، رغم التقليل المقصود من الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط.

وتنظر الإدارة الأمريكية الجديدة - حتى الآن - إلى السعودية كشريك للولايات المتحدة، بصرف النظر عمن يحكمها. كما أثبتت الحكومتان رغبتهما في مواصلة شراكتهما الاستراتيجية، وفقا للتقرير.

**العلاقات مع الصين وروسيا

تعتبر الإدارة الأمريكية أن الصين "منافس استراتيجي" لها، ولذلك فهي عازمة على تنفيذ سياسات لمنافسة بكين بشكل أفضل.

وتشمل الملامح الرئيسية لسياسة إدارة بايدن تجاه الصين حتى الآن الاستثمار في القدرة التنافسية للولايات المتحدة وتعزيز التحالفات الأمريكية وإعادة الالتزام بالتعددية، بحسب الباحثين.

وبدلاً من طرح سياسات مخصصة لمواجهة بكين تنفذ مرة واحدة، تعمل الإدارة على وضع استراتيجية طويلة الأجل للمنافسة "بدون كارثة"، بالتركيز على تعزيز نفوذ واشنطن للتعامل مع الصين من موقع قوة، وفق التقرير.

أما بالنسبة إلى روسيا، يرى التقرير أن "الإدارة الأمريكية الجديدة تعاملت مع الكرملين ببراغماتية باردة".

وفي مارس/ آذار الماضي، أثار بايدن ضجة في العلاقات بين البلدين بوصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ "القاتل"؛ أسفرت عن استدعاء موسكو سفيرها من واشنطن للمرة الأولى منذ نحو 80 عاما، بحسب المصدر ذاته.

** تغير المناخ

أصبح العمل لمواجهة التغير المناخي قوة دافعة بالسياسة الداخلية والخارجية في عهد بايدن، الذي تواجهه الكثير من العقبات للتخفيف الفعال من آثاره.

وخلال القمة الافتراضية للمناخ، التي استضافها البيت الأبيض في 22-23 أبريل/ نيسان الجاري، أعلن بايدن اعتزام بلاده خفض انبعاثات الكربون إلى النصف حتى عام 2030، عن مستويات عام 2005.

كما تعهدت الإدارة بزيادة التمويل الأمريكي لمواجهة التغير المناخي بالخارج، في انعكاس لدبلوماسية المناخ المكثفة التي انتهجها بايدن في المئة يوم الأولى من ولايته.

** تعزيز الديمقراطية في الداخل والخارج

يواجه بايدن تحديات كبيرة للديمقراطية داخل الولايات المتحدة وخارجها، إذ تقدر منظمة "فريدوم هاوس" (غير حكومية ومقرها واشنطن) أن 3 من كل 4 أشخاص في العالم يعيشون الآن في بلدان أقل ديمقراطية مما كانت عليه قبل عام، بحسب المصدر عينه.

وداخليا، أعطى بايدن الأولوية لثلاث قضايا متعلقة بدعم الديمقراطية، وهي معالجة تصاعد التطرف المحلي في البلاد، لا سيما بعد الهجوم على مبنى الكونغرس الأمريكي، وتعزيز المساواة العرقية، وحماية أصوات الناخبين.

وفي سابقة خطيرة في الحياة السياسية الأمريكية، شهد مبنى الكونغرس اشتباكات بين قوات الأمن ومحتجين من أنصار ترامب اقتحموا المبنى، أثناء انعقاد جلسة للكونغرس، للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، في 6 يناير/ كانون الثاني الماضي.

أما خارجيا، فتؤكد التهديدات للأنظمة الديمقراطية حول العالم، مثل الانقلاب العسكري في ميانمار مطلع فبراير/ شباط الماضي، أن سياسة الإدارة الجديدة يجب أن تجمع بين أجندة عالمية والإصلاحات المحلية فيما يتعلق بدعم الديمقراطية.

وفي هذا الصدد، عمل بايدن على إظهار دفاعه الجاد عن الديمقراطية على مستوى العالم، سواء في تصريحاته العامة أو من خلال الدبلوماسية الخاصة، وفقا للتقرير.

كما لجأ الرئيس الأمريكي إلى إجراءات عقابية لمواجهة هذه الأزمات التي تهدد الديمقراطية، مثل فرض العقوبات وتجميد الأصول وحظر السفر.