الأحد 2018/12/23

مزرعة بلح.. “فقاعة” جديدة ضمن وعود السيسي للمصريين

لم يتوقف رئيس الانقلاب في عبد الفتاح السيسي منذ سيطرته على الحكم عن بيع الوهم للمصريين، من خلال وعوده بإطلاق مشاريع قومية عملاقة في مختلف المجالات، بدءاً بتفريعة قناة السويس الجديدة، وصولاً إلى إعلانه مؤخراً إنشاء أكبر مزرعة للتمور في العالم.

وأثار إطلاق السيسي لمشروعه الجديد حالة من السخرية وعدم التصديق بين صفوف المصريين، وذلك لعدم إيفائه بوعوده السابقة من المشاريع التي أطلقها بعد سيطرته على الحكم، والتي جاءت جميعها بنتائج عكسية على الاقتصاد المصري.

ويأتي إطلاق مشروع مزرعة التمور في وقت يعيش به الاقتصاد المصري أسوأ حالاته، إذ ارتفعت نسبة بطالة الشباب إلى 26.7%، كما تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال الربع الثاني من 2018 إلى أدنى مستوياته منذ عامين، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الرسمي.

كما قفز الدين الخارجي لمصر إلى 92.64 مليار دولار بنهاية يونيو، بزيادة 17.2% عن مستواه قبل عام، متضاعفاً خمس مرات في خمس سنوات، وفق تقارير رسمية.

وجاء طرح المشروع الجديد للسيسي في الوقت الذي تكبد فيه الجنيه المصري خلال السنوات الـ4 الماضية خسائر ضخمة بسبب تراجع حجم العملات الأجنبية في البنك المركزي؛ حيث كان يبلغ الدولار نحو 7.15 جنيهات.

ومع وصول السيسي إلى السلطة ارتفع لنحو 7.83 جنيهات في 2015، ومع بدء الاتفاق مع صندوق النقد واستمرار نزيف العملات الأجنبية وزيادة نشاط السوق السوداء للعملات، وصل لنحو 9.60 جنيهات.

وفقد الجنيه المصري نحو 150% من قيمته أمام الدولار الأمريكي منذ تولي السيسي رئاسة مصر بعد انقلابه على الحكم، كما فقد نحو 10 أضعاف قيمته منذ عام 1981، وفق تقارير اقتصادية دولية.

- تضليل وخسارة

أحد أهم المشاريع التي روج لها السيسي ووسائل إعلام مصرية مختلفة، كان بدء حفر قناة السويس الجديدة (2014)، مع وعود بأن تصل العائدات السنوية للقناة بعد تشغيلها إلى مئة مليار دولار.

وجمع السيسي في حينها نحو 65 مليار جنيه من المصريين، كانت تساوي في وقتها نحو 9 مليارات دولار، واعداً إياهم بأن القناة تجعلهم "من أغنى الشعوب" خلال عام.

مضت الأيام سريعة، وفوجئ المصريون بعد عام أن القناة الجديدة لم تكن إلا تفريعة جديدة للقناة الأم، وأنهم وقعوا ضحية لموجة تضليل كبيرة من قبل وسائل إعلامية، شكلت لهم صورة مغايرة عنها وعن جدوى المشروع على مصر.

ولم يتوقف الأمر على التضليل، بل جاءت البيانات المالية للقناة بعد افتتاح التفريعة الجديدة مخيبة لآمال المصريين، حيث تراجعت الإيرادات للعام قبل الماضي بنسبة 3.3% مقارنة بإيراداتها في العام الذي قبله.

وبلغت الإيرادات خلال 2016، وهو العام الذي شهد افتتاح التفريعة الجديدة، نحو 5.005 مليارات دولار، في حين حققت 5.175 مليارات عام 2015، مقابل 5.465 مليارات عام 2014، وفق بيانات رسمية مصرية.

وتراجعت إيرادات القناة، التي يبلغ طولها 193 كم، بعد افتتاح التفريعة الجديدة بطول 35 كم، وهو ما دفع السيسي للاعتراف، عام 2016، بأن المشروع كان لرفع الروح المعنوية للمصريين، وليس لتحقيق نمو اقتصادي للبلاد.

- مشروع خيالي

بعد الفشل الكبير الذي مني به السيسي بمشروع تفريعة قناة السويس، خرج للمصريين بمشروع جديد وأطلق عليه "استصلاح مليون ونصف المليون فدان"، من خلال زراعتها وتوفير مياه متواصلة من الخزان الجوفي للبلاد.

ولم تمضِ هذه المرة أيام حتى أثبت الدراسات العلمية عدم دقة المشروع، بل واستحالة تنفيذه، لكون مخزون المياه الجوفية المتوفر في صحارى مصر لا يكفي إلا لزراعة ربع أراضي المشروع المعلن عنه.

وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، في حينها: إن "دراسات المشروع قائمة على ضرورة تغطية المياه اللازمة له بنسبة من 85 إلى 90% من المياه الجوفية كشرط أساسي لإنشائه، على أن تكون هذه المياه جديدة وغير مكتشفة من قبل".

وأضاف نور الدين: "لا بد للمياه الجوفية المكتشفة أن تكون المخزونات منها كافية لمدة 100 عام كشرط أساس لاكتمال مشروع المليون ونصف المليون فدان، والمياه الجوفية في مصر لا يمكن أن تستمر مئة عام، حيث إن أغلبها مياه ناضبة".

كذلك، أكد وزير الزراعة الأسبق عادل البلتاجي، أن جامعة عين شمس عقدت مؤتمراً حول الدراسات الفنية والاقتصادية للمشروع، بحضور مجموعة من الخبراء والعلماء، وتوصلوا إلى أن الدارسات أثبتت أن المياه الجوفية الموجودة في هذه المناطق لا تكفي إلا لزراعة 26 بالمئة فقط من الأراضي، ومن ثم فإن تنفيذ المشروع أمر مستحيل.

وبيّن البلتاجي، في تصريح سابق لموقع "عربي 21"، أن حديث السيسي حول إتمام المشروع هو "ضرب من الخيال؛ لأنه يتطلب توفير مياه جوفية كافية لأكثر من 100 سنة مقبلة، وهذه المناطق لا تتوافر فيها هذه الكميات".

وأضاف: "حتى لو تم تنفيذ نسبة 26% فقط من المشروع بكل ما لدينا من مياه جوفية؛ فإن هذا يعني ظلم الأجيال القادمة؛ لأننا سنستهلك احتياطي مصر من مخزونات المياه".

- مشاريع وهمية

وسوّق السيسي للمصريين مشروعاً ضخماً من خلال إعلانه الاتفاق مع شركة "آرابتك" الإماراتية لبناء مليون وحدة سكنية لمحدودي الدخل خلال خمس سنوات مقابل 280 مليار جنيه (40 مليار دولار، حسب سعر الصرف آنذاك).

ولم تمر سوى ثلاثة أشهر حتى قالت وزارة الإسكان المصرية إنها تسلّمت الملف بدلاً من الجيش، ثم تصاعدت أزمة بين الشركة المنفذة للمشروع والحكومة حول مصادر تمويل المشروع، بالإضافة إلى الوضع المالي المتأزم لشركة آرابتك، حيث تعرضت لخسائر وتغييرات إدارية، ما عرقل تنفيذ مشروع المليون وحدة سكنية.

وخرج السيسي ضمن خطاباته الموجهة للمصريين بمشروع جديد هو إنشاء الشبكة القومية للطرق خلال عام واحد، حسب تصريحاته بعد توليه الرئاسة مباشرة (2014)، ولم تنجز الحكومة أي شيء في هذا المشروع بسبب ضعف مصادر التمويل والأزمة المالية التي تمر بها الدولة.

وواصل السيسي حملة التضليل حول مشروعاته العملاقة، والتي ستجعل مصر من القوى المتقدمة، من خلال إعداده لمؤتمرات اقتصادية بمشاركة شركات دولية في شرم الشيخ، وإعلانه عن استثمارات مليارية بعد كل مؤتمر، ولكن سرعان ما يهتز الاقتصاد المصري بضربات قوية بعد كل مؤتمر.

وكانت آخر صيحات السيسي الاستثمارية هي إنشاء مزرعة تمور تضم 2.5 مليون نخلة لأفخر أنواع التمور.

ويأتي هذه المشروع في وقت تعاني فيه مصر من أزمة حقيقية في المياه، خاصةً مع إعلان الخارجية المصرية فشل مفاوضات سد النهضة التي تعتزم إثيوبيا الانتهاء من تدشينه، وهو ما يعني تهديد  الأمن المائي المصري.

ففي بداية أبريل 2018، وافق البرلمان المصري على مشروع قانون يقضي بتعديل أحكام قانون الزراعة الصادر بالقانون 53 لسنة 1966، ويمنع زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه كالأرز وقصب السكر والكتان، في محاولة للحفاظ على المياه.