السبت 2018/12/08

بدأت عبر الإنترنت.. ” السُّترات الصفراء” تكشف الوجه الفقير لفرنسا

برزت هذه الأيام حركة احتجاج شعبية أطلقت على نفسها اسم "السُّترات الصفراء"، تعارض سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس حكومته إدوار فيليب؛ بسبب زيادة أسعار الوقود، وغلاء المعيشة، وعدم القيام بإصلاحات اقتصادية.

بدايات هذه الحركة الشعبية كانت عبر صفحة في "فيسبوك"، وعرفت نفسها بأنها ليست جزءاً من أي منظمة أو حزب سياسي، والاحتجاجات التي تنظمها شعبية بشكل كامل.

واستمدت الحركة اسم "السُّترات الصفراء" من قانون فرنسي دخل حيّز التنفيذ في 2008، يطلب من جميع قائدي السيارات حمل سترات صفراء مُميّزة وارتداءها عند الخروج على الطريق في حالات الطوارئ.

وبدأت أول تظاهرة للحركة في شهر مايو الماضي، بعد رفع أسعار الديزل بنسبة 24% ، والبنزين بـ14% من الحكومة الفرنسية، وإعلانها أنها تنوي رفع الرسوم مجدداً في مطلع 2019 إلى نسب أعلى في ظل غلاء ملحوظ بالمعيشة.

والسبت الماضي، أعلنت الداخلية الفرنسية أن 300 ألف مواطن تظاهروا في شوارع فرنسا ضمن حركة "السترات الصفراء".

قبول واسع

حركة" السُّترات الصفراء" حظيت بتأييد واسع من قبل الشارع الفرنسي، وفق ما أظهرت نتائج استطلاع رأي أجراه معهد "إيلاب" الفرنسي.

وبين الاستطلاع الذي نشر اليوم السبت أن ثلثي المشاركين دعموا "السُّترات الصفراء"، في حين أبدى 70% من المشاركين رغبتهم في تراجع الحكومة عن قرار الرفع الأخير لأسعار الوقود.

وقال فنسنت ثيبولت، من معهد إيلاب: "إن 50% من المشاركين في المسح الذين صوتوا لماكرون يدعمون الاحتجاجات، والتطلعات والاستياء حيال القدرة الإنفاقية تنتشر على نطاق واسع، وهو ما لا يقتصر على المناطق الريفية والطبقات الدنيا في فرنسا فقط".

وتدعم أحزاب اليمين في فرنسا الحركة مثل الجمهوريين، و"التجمع الوطني"، إلى جانب حزب "فرنسا الأبية" اليساري، بقيادة النائب جان لوك ميلانشون، الذي أعلن دعمه للحركة، وفق فرانس برس.

أما زعيم حركة "الجيل سين" اليسارية، بونوا هامون، فأعلن دعمه مطالب المعتصمين، لكنه رفض الدعوة للانضمام إليهم في الشوارع، معتبراً أن حركته اليسارية "لا تشارك بتحركات يستغلها اليمين المتطرف لمصلحته الخاصة"، بحسب قوله.

الوقود يهدد فرنسا

ويُعد الوقود الأكثر استعمالاً في السيارات الفرنسية، وقد رفعت أسعاره حكومة ماكرون بنسبة تقارب 23% على مدى الشهور الـ12 الماضية، حيث بلغ سعر اللتر 1.51 يورو، وهو أعلى سعر يصله منذ عام 2000، بحسب وسائل إعلام محلية.

وارتفعت أسعار الوقود في الأسواق العالمية ثم عادت للانخفاض، لكن حكومة ماكرون رفعت الضريبة هذه السنة إلى 7 سِنتات للتر الواحد للديزل و 3 سنتات للبنزين، في إطار حملة لتشجيع استخدام السيارات الأقل تلويثاً للبيئة.

وينظر المحتجون إلى قرار فرض زيادة أخرى بقيمة 6 سِنتات على سعر الديزل وسنتين على سعر البنزين، على أنه "القشّة التي قصمت ظهر  علاقتهم مع ماكرون وحكومته".

في المقابل، حاولت الحكومة الفرنسية تهدئة الشارع من خلال ربط رفع الأسعار بالمتطلبات البيئية، وهو ما رفضته الحركة، واستمرت في التظاهرات التي تملأ شوارع باريس الآن، وتقترب من قصر الإليزيه.

الرئيس الفرنسي ماكرون رفض تلك التظاهرات، واتهم متظاهري "السترات الصفراء" بأنهم يجلبون العار حين يهجمون على قوات الأمن.

وغرد ماكرون عبر تويتر بالقول: "عار على الذين هاجموا قوات الأمن، وعار على أولئك الذين كانوا يمارسون العنف ضد المواطنين الآخرين والصحفيين".

ومع اشتداد التظاهرات تراجع ماكرون عن تهديدات للمتظاهرين، وخرج عبر لقاء تلفزيوني مؤكداً أنه يتفهم غضبهم وسبب خروجهم للشوارع.

 الفقر متجذر

وعلى الرغم من أن فرنسا هي القوة الاقتصادية الثانية بعد ألمانيا في الاتحاد الأوروبي والسادسة عالمياً، فإن ذلك لم يمنع ارتفاع معدلات الفقر فيها بشكل مخيف.

ففي دراسة أجراها معهد "ايبسوس" حول الفقر الغذائي في فرنسا، تبيّن أن هناك فرنسياً من بين كل خمسة فرنسيين لا يمكنه تحمّل تكلفة ثلاث وجبات يومياً.

وتوصلت الدراسة التي نشرت مؤخراً إلى أن ثمن الطعام أصبح باهظاً جداً، و الفقر الغذائي يتجذر في فرنسا، ويعيش فيها 9 ملايين شخص بينهم 3 ملايين طفل تحت خط الفقر.

ووفق هذه الدراسة الإحصائية، يعتقد الفرنسيون أن الفرد الذي يتقاضى راتباً أدنى من 1118 يورو شهرياً يعتبر فقيراً.

وحسب الدراسة الإحصائية فإن العائلات الأكثر عرضة للفقر هي العائلات المؤلفة من "الأمهات العازبات"، والعائلات ذوات الدخل الأقل من 1200 يورو شهرياً.

كما أظهرت الأرقام أيضاً أن نسبة الذين عاشوا الفقر مرحلة معينة في حياتهم وصلت عام 2017 الى 37%، أما هذا العام 2018 فقد زادت هذه النسبة لتصبح 39%.

وأكدت الدراسة أن 21% من الفرنسيين يصعب عليهم توفير غذاء صحي من أجل ثلاث وجبات يومياً، و 19% من الأهالي الذين أولادهم دون 18 عاماً يواجهون صعوبات مالية لتسديد ثمن الوجبات الغذائية في المدرسة، في حين أن 84% مقتنعون بأن توزيع المساعدات الغذائية يسمح بتوفير حاجات أساسية أخرى.