الثلاثاء 2020/06/23

زهرة “خدّاعة” تُهدد العراق وتقطع أرزاقاً لمواطنيه! للوهلة الأولى تُذهل الناظر إليها لكنها مُدمرة

للوهلة الأولى يمكن للمرء أن يُذهل عندما يرى نبتة "زهر النيل" الأرجوانية وأوراقها الخضراء الكبيرة الزاهية التي تطفو على سطح المياه، لكن بطول جذورها الغارقة عميقاً في نهر الفرات، تهدد الزهرة العراق، ولقبه المعروف منذ القدم باسم "بلاد الرافدين"، إذ تلحق أضراراً بالأنهار، بل وحتى أرزاق البشر. 

زهرة مُدمرة: تمتص كل زهرة يومياً ما بين أربعة إلى خمسة لترات من الماء، ويمكنها أن تجفف موارد المياه في واحدة من الدول الأكثر حَرّاً في العالم، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، الإثنين 22 يونيو/حزيران 2020. 

لا توفر هذه الزهرة شيئاً من أهوار المياه المدرجة على لائحة التراث العالمي لليونيسكو، إلى الأسماك، والصيادين، والمزارعين وحتى مياه الشرب، وفي زمن وباء كوفيد-19، والحظر التام في العراق، لم يتبقَّ الكثير من الأيدي العاملة لمحاولة وقف انتشارها.

لذلك، يؤكد جلاب الشريفي، الصياد في محافظ ذي قار في تصريح للوكالة الفرنسية، أن "الصيادين فقدوا مصادر رزقهم" في جنوب العراق الزراعي الذي يرزح تحت وطأة الجفاف المتزايد والسدود المبنية في تركيا وإيران المجاورتين.

الزهرة التي تخدع: ولأن المظاهر خدّاعة، فإن "زهرة النيل" الأنيقة التي تم إدخالها إلى العراق قبل نحو 20 عاماً بعدما انتشرت في كل مكان في العالم تقريباً، تختنق تحتها كل حياة.

تعود أصول هذه النبتة إلى أمريكا الجنوبية، وقد أثرت سلباً على أنظمة بيئية عدة من نيجيريا إلى سريلانكا مروراً بكينيا وجنوب غرب فرنسا أيضاً.

تشكل أوراق هذه النبتة، المدرجة منذ عام 2016 في قائمة المفوضية الأوروبية للنبات المجتاح الذي يجب السيطرة عليه، طبقة معتمة على سطح الماء، ما يقلل من كمية الأكسجين التي تصل إلى مختلف الأنواع التي تعيش في المياه، حتى اختفائها بالكامل.

كذلك فإن الثروة السمكية ليست فقط من تتأثر، ولا جفاف المياه التي تفقد أيضاً معظم مكوناتها، ولكن الزهرة تضعف أيضاً الإنشاءات المحيطة، إذ إن مئة متر مربع من "زهرة النيل" تزن أكثر من خمسة أطنان!

ففي قرية البدعة، يبدو الجسر الممتد على نهر الفرات وكأنه بناء غريب على حقل أخضر هائل، ويقول شيخ إحدى عشائر القرية ويدعى جليل العبودي، إنه "إذا استمرت زهرة النيل في النمو، فسوف ينهار الجسر وسد البدعة" ويحرمان مناطق عدة من المياه من محافظة ذي قار إلى البصرة على امتداد مئات الكيلومترات.

ومع انعدام الخدمات العامة، يرى العبودي بالفعل أسوأ سيناريو، بين إهمال البنية التحتية وغياب السياسة البيئية في بلد دخل أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث.

فقطاع الزراعة أولاً الذي يشكل مصدر دخل لواحد من بين ثلاثة عراقيين، سيدفع ثمناً كبيراً، وفق العبودي. وبعد ذلك، قد تختفي مياه الشرب، خصوصاً أن تلوث المياه في صيف عام 2018 قد سمم نحو مئة ألف شخص في محافظة البصرة.

كذلك يشير الشيخ إلى أن "تقاعس وزارة الموارد المائية وحقيقة عدم وجود أي تجديد على الإطلاق، أدى إلى تضرر حتى في احتياطيات مياه الشرب".

مهمة صعبة: من جانبها تقول وزارة الموارد المائية إنها تقوم بتنظيف قنوات الري، بحسب ما ذكره صالح هادي المسؤول عن الدراسات في دائرة الزراعة بذي قار. 

أوضح هادي أن موظفي الوزارة قاموا بتنظيف قنوات عدة، إذ إن "زهرة النيل" تجذب الحيوانات الخطرة، كـ"الثعابين والزواحف" وليس فقط البعوض الحامل للفيروس.

لكن رد فعل الحكومة لا يرقى إلى حالة الطوارئ، بحسب ما يقول المزارع أحمد ياسر من مدينة الكوت، كبرى مدن محافظة واسط شرق بغداد، والذي قال للوكالة الفرنسية إن "آثار نبتة زهرة النيل بدا واضحاً مع كل موسم زراعي صيفي، حيث هناك انخفاض في إنتاج الخضر والمحاصيل الصيفية بنسبة تزيد على الثلث" بسبب نقص الري.

يُشار إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، كان المزارعون والمتطوعون المحليون يصطفون مع كل بداية ربيع على ضفاف نهر الفرات، لاقتلاع جذور النبتة الطويلة التي تجعل من الأنهار العراقية تبدو وكأنها حدائق يابانية.

هذا العام أيضاً، استجاب الناشط وعضو الجمعيات الفلاحية محمد كويش للدعوة في الكوت رغم الحظر، ويقول كويش: "عملنا بتحوير القوارب لتكون ملائمة للعمل وبتكلفة 800 دولار من تبرعات الفلاحين" لإزالة الجذور، إذ إنه لا معالجة كيميائية ممكنة بحسب الخبراء، لأنها قد تدمر النظام البيئي بأكمله.