الخميس 2018/06/07

خواطر رمضانية…الواقع والفهم الديني

للنص الديني الصحيح قداسته المؤكدة في وجدان المؤمن ،فلا توجد فرقة إسلامية عبر التاريخ إلا وادعت وصلا بالنص، والنص ظرف مغلق يحمل رسالة من الخالق ومترتبات عدم تنفيذها كبيرة جدا.

ولكن برغم ارتباط الجميع بالنص إلا أن ما فهموه مختلف جداً وربما إلى درجة التناقض فالمسافة بين النص وتقديسه وبين الفهم البشري كبيره و تلعب فيها خلفيات القارئ (قبلياته) والمنهج المعرفي الذي استقر عليه دوراً كبيرا في تحديد مستخلصاته من النص أو الفهم الذي سيتبناه للنص.

وهذا مفهوم ومقبول فلكل قوم فقه ورؤية وتصور و هذه الأفهام الفقهية تتعلق عادة بالأحكام العملية التي تمس واقع الناس مباشرة وتنعكس على حياتهم فهي حينها إما أن تعالج أدواء الواقع الذي تشتبك معه وإما أن تفشل في ذلك ويتجاوزها الواقع ويثبت عكسها .

والواقع حين يثبت خطأ اجتهاد ما ويتجاوزه ،فهو يعلن خلل الفهم من النص لا خلل النص وبالتالي يعيننا في معاودة النظر بدقة أكثر في ذلك الواقع ومداه الزمني فإن كان ذا طابع دائم غالب فهو يُعلن وفاة الفهم القائم والبحث عن فهم يتسق مع ما أثبته الواقع.

ولنضرب مثلا تتضح به المشكلة لا زلنا مثلا نسمع نقاشا من قبيل (هل الشورى ملزمة ام معلمة) بمعنى هل هي نظام حاكم للحياة السياسية أم شأن فردي يسع فيه الشورى من عدمها بحسب الرغبة وبالتالي فمخرجاتها لا تحمل أي طابع إلزامي وكل طرف من الفريقين يستدعي النصوص في نقاش حاد ليثبت من خلال النص وجهة نظره ولكن....

أين الواقع في المعادلة؟

أمامنا خبرة امتدت اكثر من ألف سنة من غياب الشورى وآثاره المدمرة وأمامنا تجارب البشرية التي حولتها إلى نظام حي آتى ثماره في حياة تلك المجتمعات وكل هذا ونحن نتجادل حول دلالة النصوص وكأنها تعمل في فراغ وتتنزل على فراغ.

ها هنا تظهر اختلالات المنهج الذي يسوي بين الفهم البشري للنص وبين قداسة النص ومراد الشارع وهما أمران مختلفان بالكلية ويتجلى التعالي على التجربة الحية ومردودها المعرفي.

وكان من أثر ذلك الانفصال عن الواقع غياب الدراسات البحثية المعمقة في الواقع سواء السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو النفسي الفردي والجمعي من الكليات الشرعية ومن حياتنا الإسلامية والغرق في مناقشة النصوص .

والنَّاس في موقفهم من الواقع أنواع ، نوع يسير تحت الواقع مستسلم لصوابه وخطأه،ونوع يحلق فوق الواقع ولا يلامسه معتقدا أن الواقع مدنس وأن بإمكانه باستمرار الكلام عما ينبغي دون أن يرى الواقع وما يحتمله ويسمح به،أما النوع الثالث فهم سائر البشر الذين يدرسون الواقع بعمق ويقترحون له حلولا تتسق مع قيمهم ولكن تبقى عيونهم ترصد الواقع هل استجاب للحل المطروح أم يلزم معاودة الجهد والبحث عن حل آخر قابل للمرور في الواقع هم قوم هاماتهم عالية ولكن أقدامهم على الأرض هم في حوار حي مع الواقع باستمرار.

هذا الحوار الحي بين النص وبين الاجتهاد وبين الواقع قاعدته الأولى التمييز بين النص المقدس والفهم البشري المحدود فبدون اعتبار الواقع ومردوده الصلب كمختبر لصواب الأفكار والاجتهادات نهمل أهم مصادر التطور البشري ونبقى بدون أقدام نسير بها على الارض.


الشيخ جاسم السلطان