الخميس 2019/08/15

الحياة الحديثة والتواصل الاجتماعي.. كيف تأثر بها الآباء؟

ماذا أعرف عن أمي؟" سؤال طرحته إلما فان فلييت على نفسها في لحظات عصيبة، عندما علمت أن أمها أصيبت بمرض عضال.

وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال استحضرت إلما الأحاديث التي كانت تدور بينها وبين أمها "كانت جمعيها تتركز حولها"، وقلّما تحدّثت الأم عن نفسها.

وتحت عنوان "أخبريني يا أمي"، بدأت إلما بتدوين مجموعة من الأسئلة لوالدتها المريضة لتعرف مَن؟ ولماذا؟ وتكاثرت الأسئلة والأفكار حول أمها، وطفولتها، واهتماماتها المبكّرة، وأهلها.. لترى أن أسئلتها من الممكن أن يتم تصنيفها في فصول كتاب موجّه لكل أم في مجتمعاتهم؛ لأنه حسب رأيها غالباً ما "تتكاثر هذه الأسئلة عندما نفقد الأهل".

ووفق ما ذكرت إلما لصحيفة "الغارديان" البريطانية فإن الهدف من طرح هذه المجموعة من الأسئلة "أن تحب نفسك من خلال فهم وتعلّم كيف تحب أولئك الذين أنجبوك".

وطبع الكتاب لأول مرة في العام 2004 ووصل الذروة عام 2016 ليجد قبولاً مجتمعياً واسعاً، خاصةً بعد صدور إصدارات أخرى حول الأب والأجداد.

وتبعاً للإحصاءات التي نشرتها "الغارديان" فإن نحو ثلاثة ملايين شخص في 12 دولة كتبوا قصصهم وحكاياتهم لأولادهم وأحفادهم، وتقول إلما: "إنها قصصهم وتاريخ عائلاتهم أصبحت بين أيديهم".

أوقات نمضيها معاً

وفي أحد المواقف الأخرى حول علاقة أب بابنه، اعترض أحد الآباء على انتهاء جلسات العلاج الكيماوي المقدّمة له في المركز الطبي الذي تعمل فيه رانجانا سريفاستافا الأسترالية المتخصصة في الأورام ببريطانيا؛ لأن ثمة شيئاً ممتعاً له في تنظيم هذه الجلسات العلاجية.

ويقول الأب: "إنها الفرصة الوحيدة لأرى ابني يصطحبني إلى جلسة العلاج الكيماوي ويعيدني إلى المنزل والوقت المتاح لنقضيه معاً، إنه الشي الأجمل في كوني أتلقى العلاج".

وسألت سريفاستافا -وهي إعلامية أيضاً في "الغارديان"- الأب عن ابنه هذا ولم يذكر معلومات عنه، إنما سرد أحاديث حول الأوقات التي قضياها معاً، وقصصاً وحكايا حول ابنه والرحلات والنزهات برفقته هو وأولاده وحتى ذكر ذهابهم معاً إلى البقالة.

وكان الأب يدرك تماماً أن ابنه مشغول، لكنه يرى أن شركة ابنه الرائدة الآن هي نتاج مشورته الثمينة ومكافأته الرائعة له.

الهدية الأثمن للأهل

وخلال مسيرة حياتها في العمل بمركز معالجة الأورام رأت "رانجانا" أنه من المفيد أن تصبح هدية العصر لأهلنا في أي مناسبة هي وقتنا الذي نفرّغه لهم في هذا العالم الذي يفرّقنا في زوايا متباعدة.

وتقول: "الترياق الوحيد لوباء الوحدة ليس في إرسال هدية ثمينة وإنما في ممارسة ما يأتي في مخيلتنا من الوصل لمعالجة ألم البعد".

ويولد الانتقال إلى مرحلة الشيخوخة التي يظهر فيها انخفاض عام في القوة الجسدية والبنيوية لدى الوالدين، ويترافق ذلك مع نضوج الأولاد وتمكّنهم من إدارة شؤونهم الحياتية بمفردهم بعيداً عن استشارة الوالدين، لدى الأهل مخاوف من الوحدة والعزلة والملل، لا سيما عندما يتزايد انخراط هؤلاء الأبناء في مجتمعاتهم الجديدة المبهمة في كثير من جوانبها بالنسبة إليهم.

كما أن الحياة النشِطة للأبناء تمنحهم لقاءات واسعة من خلال الأعمال والنشاطات والمناسبات والتطوّع، وينتج عنها تكوينات مجتمعية متعددة منها حقيقية مباشرة وغير مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وكل هذا يشتّت اهتمام الأبناء عن بناء العلاقات الراسخة في المجتمع الحقيقي الأقرَب لهم، الأب والأم.

وتؤكّد إلما أن "انشغالنا بالحياة الحديثة يضعف مشاركتنا في تاريخ العائلة، ويسبب لنا الانسحاب بمهارة ليس من العائلة فقط وإنما من أنفسنا أيضاً"، وتؤكّد أن من أهم عوامل السعادة بالنسبة لها "أن تكون متصلاً مع نفسك بالإضافة إلى اتصالك مع والديك وأجدادك".

أما عن الانغماس في المجتمعات الحيوية المتلوّنة التي تقدّمها وسائل التواصل الاجتماعي ومايترتّب عنها من علاقات متعدّدة ترفيهية أو معرفية، وقضاء معظم الأوقات متابعين لمكوّنات هذا المجتمع الافتراضي، ففي غالبه لن تكون انعكاساته بالكامل إيجابية في تكوين شبكات تواصل.

كما لجأ العديد من الأبناء إلى الاعتماد على التواصل مع الأهل من خلال منصات التواصل الاجتماعي لأسباب متعددة منها مُلزِم ومنها ما يمكن تجاوزه.

حيث تنتقد إلما هذا التواصل "بأنه عبارة عن صور من دون معنى، ويتم إظهار الصور والانطباعات التي نرغب فيها وهذا النوع من التواصل ينقصه العمق العاطفي".

ومن ثم فلا يمكن الاعتماد عليه في التواصل الأسري القائم على مشاركة الإيماءات والحكايا والأوقات.

وتوصف إلما حال العائلة اليوم قائلة: "لدينا صور لكن ليس قصص، لدينا حقائق لكن ليس لدينا معرفة كافية، لقد نسينا أن نتواصل ونتشارك الحكايا، إننا منشغلون للغاية عن المرور بالقصص المهمة في حياتنا".

كما تشير إلى أن منصّات التواصل هذه تصرف انتباهنا عن إخبار بعضنا هذه القصص لبعض، فهي "تلزمنا بتقديم مجموعة لا متناهية من الحكايات السطحية".العائلة

الإنترنت لا يعالج الوحدة

ويعزز التواصل مع الأهل -لا سيما كبار السن- عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي مخاوفهم من الوحدة، وفق ما نشر موقع "سنيور نيوز" .

وتقول لاري ميغز ، الرئيسة التنفيذية في جمعية "فيزتنغ أنجلز" للعناية بالمسنين: "هناك فوائد واضحة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين كبار السن إذا تم استخدامها لزيادة التواصل الشخصي، هذا رائع، ولكن هناك قلق حقيقي من انخفاض التفاعل المباشر بين أفراد العائلة كلما ازداد اعتمادهم عليها".

ويحاول الأب والأم التأقلم مع كل ما يقترحه الأبناء لكسب لحظات التواصل والودّ معهم، على الرغم من القلق الذي يتسبب لهم به استخدام جهاز جديد أو تطبيق حديث.

إن اشتراك الأهل في منصّات التواصل الاجتماعي لا بأس به، فقد نشر مركز "بو" للدراسات أن 64% من الأمريكيين بين عمر 50 و64 سنة يستخدمون السوشيال ميديا، كما يستخدمها 37% فوق الـ65 عاماً.

ولكن فيسبوك هو الأكثر شيوعاً من بين كل تطبيقات السوشيال ميديا بالنسبة للمعمّرين، 62% منهم يستخدمونه.

أما في المملكة المتحدة فذكرت الإحصاءات، وفق ما نشرت صحيفة "آي نيوز"، أن نحو 20% ممّن أعمارهم فوق 75 عاماً يستخدمون الهواتف الذكية، مقارنة بـ95% ممّن تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً ليبقى الفارق كبيراً.