الولايات المتحدة وإيران، ليسا ملائكة وليسا شياطين، هكذا تتعامل الدولتان عسكرياً واقتصادياً وسياسياً منذ زمن بعيد يعود إلى بدء تأسيس الجمهورية "الإسلامية" على يد المرشد المؤسس الخميني، وإطلاق إيران على الولايات المتحدة لقب "الشيطان الأكبر" وبالمقابل اعتبار الولايات المتحدة النظام الإيراني نظاماً مارقاً ينتمي إلى "محور الشر"، هو فقط من قبيل التراشق الإعلامي بين البلدين يستفيد منه كلاهما بنفس السويّة، النظام الإيراني الذي بنى دولته على أساس عقيدة الولاء والبراء وتحرير المقدسات في مكة والمدينة والقدس، يستفيد من العداء الظاهري للولايات المتحدة في تصليب قاعدته الداخلية، ومحاولة تكريس نفسه زعيماً للعالم الإسلامي كمدافع عن قضاياه، وبالمثل تستفيد الولايات المتحدة من تضخيم "البعبع" الإيراني في زيادة مبيعات السلاح للدول الخليجية "الغنية" واستمرار ابتزاز ثرواتها مقابل الحماية الأمريكية لأنظمة الحكم فيها.
وحده المحور السعودي الإماراتي "الساذج" استمر يقدّم "الرشاوى" المالية الضخمة للولايات المتحدة لاستمالتها إلى جانبه في سبيل أن "تؤمن" مثله بشيطانية إيران، مثلما استمر بمحاولة استمالة تل أبيب بتصوير إيران الخطر الأكبر والمقدّم على خطر تل أبيب في المنطقة، وإن كان ذلك على حساب القضايا "المقدسة" مثل التنازل عن القدس، وعن حل الدولتين، والقبول بصفقة القرن التي ستعقد في المنامة بعد عدة أيام المؤتمر الأول للترويج لها.مضت عشرات السنين والسعودية والإمارات تشتريان السلاح الأمريكي بعقود وصلت مئات مليارات الدولارات لمواجهة خطر إيران، ثم وجدتا نفسيهما تكاد تكون مهزومتين، وتعجزان عن التغلب على ذراع من أذرع إيران في المنطقة، وها هي حرب اليمن ضد الحوثيين تشارف على عامها الخامس تدلّ على الورطة السعودية الإماراتية في اليمن دون تحقيق نتيجة تذكر سوى التدمير الواسع، والكارثة الإنسانية التي أصابت الشعب اليمني.اليوم الرعب يضرب الرياض وأبو ظبي إثر إسقاط الحرس الثوري الإيراني لطائرة أمريكية بدون طيار فوق مياه الخليج العربي، فيما تبدو إيران غير مبالية بعد هذا الحادث، وحوادث سبقته في تفجير ناقلات نفط في ميناء الفجيرة والإمارات، وقرب مضيق هرمز، ومن يتابع القنوات السعودية الإمارتية تقرع طبول الحرب الأمريكية الإيرانية، يعتقد أن هذه الحرب ستقع "قاب قوسين أو أدنى".ما يحدث في الخليج "رقصة عفاريت" يجيد رقصها جيداً كل رؤساء الولايات المتحدة، كما يجيد رقصها كل ملالي إيران، هم يؤدونها منذ عقود، لكن السعودية والإمارات لا تريدان أن تفهما ذلك، وما يحدث ليس طبول حرب لا من قريب ولا من بعيد، سيكتفي كل من ولي العهد السعودي والإماراتي "بالتصفيق" لهذه الرقصة والتمتع بمشاهدتها.نعم سيساعد إسقاط الطائرة في تسهيل تمرير مؤتمر المنامة حول صفقة القرن، وفي تمرير صفقات بيع السلاح التي تواجه معارضة في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، وفي تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية عن إيران بذريعة عدم إلجائها لتهديد إمدادات النفط العالمية عبر مضيق هرمز بسبب منعها من تصدير نفطها.خلال أقل من ساعة بعد إسقاط الطائرة الأمريكية بدأت لهجة ترامب تلين مع إيران، وتضع لها أعذاراً، بحيث لا يجد نفسه ملزماً بأي إجراء عسكري عقابي تجاهها، وسننظر ونرى.
اقرأ المزيد