الأربعاء 2020/12/09

أداء روسيا بين أرمينيا وسوريا، ما الذي صنع الفارق؟

لم تكد تمر أسابيع فقط على شنّ أرمينيا الحرب على أذربيجان حتى وقعت القوات الأرمينية في انتكاسة عسكرية كبيرة، وخسرت الأراضي الأذربيجانية التي كانت تحتلّها، واضطرت للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق نار مذلّ يعبّر عن حجم الهزيمة التي مُنيت بها أرمينيا.

من باب وجود الدور الروسي في كل من سوريا وأرمينيا، يناقش هذا المقال، ما الذي صنع الفارق في أداء روسيا لتترك أرمينيا تقع في هذه الهزيمة النكراء، فيما هي لا تزال تدعم النظام، وتمنع سقوطه، رغم مرور عشرة أعوام وليس عشرة أسابيع؟

ثمّة أمر جوهري قد يكون هو الذي صنع الفارق من بين أمور أخرى بلا شكّ، أذربيجان لم تذهب إلى مجلس الأمن من جديد، أذربيجان اكتفت بالقرارات الأممية والدولية السابقة التي تعطيها حق استعادة أراضيها "المحتلّة"، تلك القرارات التي بقيت على الورق ما يزيد عن ربع قرن، ولم يستطع مجلس الأمن خلالها إلزام أرمينيا بتنفيذها رغم المناشدات والمطالبات الأذرية المتكررة في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

قرار أذربيجان في عدم الذهاب إلى مجلس الأمن جرّد روسيا من الفيتو أقوى أدواتها التي تستخدمها للتعويض عن التراجع الحاصل في مكانتها الدولية بعد انتهاء عالم القطبين، روسيا تدرك جيداً أن تدخلها العسكري في أرمينيا لن يجلب النصر على أذربيجان، مثله مثل تدخلها في سوريا، هي عاجزة هناك عن جلب النصر للنظام رغم مرور أكثر من خمس سنوات على تدخلها، واستخدامها لأحدث أسلحتها الفتّاكة ضد السكان المدنيين في معظم الأحيان، وضد فصائل مقاتلة غير منظّمة ولا مدرّبة، ولا تملك مضادات طيران، ولا موارد كافية، مقارنة بالجيش الأذري المنظّم والمدرّب، والذي يملك جميع أنواع الأسلحة اللازمة للوقوف في وجه أي تدخّل عسكري روسي كان يمكن أن يحصل.

استخدمت روسيا حق النقض الفيتو ست عشرة مرة لصالح نظام الأسد في مجلس الأمن، كان هذا كافياً لمنع أي إدانة أو محاسبة دولية لهذا النظام، وكافياً لإجهاض العملية السياسية التفاوضية استناداً إلى قرارات مجلس الأمن، وعلى الخصوص بيان جنيف (2012) والقرار 2254 (2015)، والتي تؤدي بمقتضى تنفيذها إلى حدوث انتقال سياسي في البلاد.

بعد ثمان جولات في جنيف، وخمس عشرة جولة في أستانا، وأربع جولات للجنة الدستورية، تبدو العملية السياسية قبل بلغت سقف آمال تحقيق شيء فيها، وليس هناك من فائدة متوقعة سواء في الاستمرار فيها استناداً إلى مرجعياتها الحالية، أو في الذهاب نحو المطالبة بإصدار قرارات جديدة في مجلس الأمن، ستبقى معضلة الفيتو الروسي قائمة، ولن يمكن تجاوزها.

المعارضة السورية تركّز معركتها في الساحة السياسية التي هي ساحة روسيا التي تحقق فيها نصراً مطلقاً، وبالمثل تخسر فيها المعارضة خسارة مطلقة، بينما هي أقل تركيزاً على الساحة الميدانية التي تعجز روسيا عن تحقيق النصر فيها رغم سعيها الحثيث لذلك، وبالمثل رغم خسارة المعارضة لبعض مكاسبها ما قبل 2015 إلاّ أنها لا تزال تحافظ على مكاسب عديدة، يثبت ذلك استمرار وجودها في الشمال المحرر، كذلك فإن كثيراً مما خسرته لم يعد للنظام، وإنما توزّع بين "الإدارة الذاتية" التابعة لمليشيا "قسد" شمال شرق سورية، وبين هيئة تحرير الشام شمال غرب سوريا، بما يعني 40% من الأراضي السورية لا تزال خارج سيطرة النظام، والرقم يدلّل على العجز الروسي في هذه الساحة.

العمل السياسي لا يعني فقط جولات جنيف، أو اللجنة الدستورية، وليس المطلوب تعليق المشاركة فيها، أو الانسحاب منها، وإنما المطلوب مطالبة مجلس الأمن بتسيير العملية السياسية وفق قراراته حرفياً، وإلى أن يتمّ ذلك، على المعارضة أن تستمر في مسألتين أساسيتين:

الأولى: متابعة الحشد الدولي لدعم مطالب الشعب السوري في تغيير نظام الحكم، والتخلّص من عهد الديكتاتورية والاستبداد.

الثانية: متابعة تنظيم وإدارة المناطق المحررة لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين، والعمل على تنميتها اقتصادياً، وبالتالي تأمين الموارد الذاتية الكافية للجيش الوطني لمهمة حماية هذه المناطق والدفاع عنها، بل واستعادة الأراضي التي كانت قد فقدتها سابقاً في مراحل ما، كذلك التوجّه بخطاب وطني يشمل جميع السوريين سواء في المناطق خارج سيطرة النظام، أو الذين وقعوا في خديعة المصالحات، أو الذين لا زالوا في مناطق سيطرة النظام، في أن إنقاذ البلاد من الانهيار الكامل لن يتحقق إلا بهذا الإجماع الشعبي على أن سبب الكارثة هو نظام الأسد، وأن تغييره هو مصلحة لجميع السوريين دون استثناء.

الجسر للدراسات/ مقالات