المصدر: المونيتور ترجمة: مركز الجسر للدراسات
لم يتخلّ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن المسار الدبلوماسي بشأن إيران. في ظل غياب محادثات مباشرة، أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي التقى بترامب في 28 حزيران/ يونيو الحالي خلال قمة مجموعة العشرين في أوساكا اليابانية، يتصدر المشهد. ليكون الوسيط المحتمل الوحيد والمتبقي للتعامل مع القطيعة الدبلوماسية التي تشهدها العلاقات الأمريكية الإيرانية للحؤول دون انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يُعرف بالصفقة الإيرانية، والتخفيف من حدة الصراع المتزايد في الخليج.
لا يمكن التكهن ومعرفة ما إذا كان في استطاعة الرئيس الروسي التعامل مع الوضع وإيجاد حل له وما الذي سيطلبه في المقابل، أو حتى ما إذا كانت هناك خيارات أخرى بشأن إيران."مخرج دبلوماسي":
قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بعد القمة التي استغرقت 80 دقيقة في أوساكا إن ترامب وبوتين "أكدا رغبتهما في إيجاد مخرج دبلوماسي". كما أفاد كل من مكسيم سوشكوف وماريانا بيلينكايا وبن كاسبيت، أن إيران كانت على رأس قائمة القضايا التي نوقشت خلال اجتماع لمستشاري الأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي والروسي في القدس قبل ثلاثة أيام.يبدو أن بوتين لا يفضل لعب دور الوسيط في ظل احتدام الصراع، الأمر الذي يسمح بأن يكون "رجل المهام " في المنطقة. فهو الوحيد الذي تجمعه علاقات وطيدة بنظرائه في كل من إيران وإسرائيل، وكذلك سوريا، ويتمتع "بعلاقة جيدة جدا جدا" مع ترامب، حسب ما جاء على لسان ترامب.أوضح الرئيس الروسي أنه لن يتخلى عن إيران في سوريا، مهما بلغت الخلافات بين طهران وموسكو، كما أكد أن روسيا ليست "فرقة مكافحة حرائق" في حال انسحبت طهران من خطة العمل الشاملة المشتركة.
فيما يتعلق بسوريا، أوضح لافروف أنه ستكون هناك مبادرات تكميلية لمبادرات هلسنكي العام الماضي، في إشارة إلى أن بوتين قد يلعب مرة أخرى دور الوسيط لتخفيف حدة التوتر على الحدود السورية الإسرائيلية.كما ناقش بوتين مع ترامب اقتراحا روسياً بالعمل مع الأمم المتحدة لتعزيز الأمن الإقليمي وبناء الثقة بين دول الخليج العربي وإيران. وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اقترح إجراء "منتدى للحوار الإقليمي في الخليج العربي" العام الماضي خلال حديثه لصحيفة "فاينانشال تايمز". وقد أكد المسؤولون الإيرانيون، بشكل غير رسمي، تأييدهم لهذه المبادرة.لكن السؤال المطروح هو ما إذا كانت الرياض وأبو ظبي سوف تقبلان المشاركة، وبطبيعة الحال سيحاولون الحصول على موافقة واشنطن قبل القيام بذلك.إيران تفقد صبرها:
حتى في ظل موافقة ترامب، يبقى السؤال المطروح ما إذا كان قد فات الأوان على ما سيقدمه بوتين لإيران وهل سيكون كافيا قبل انتهاء الأزمة.شرحت لورا روزن أن "صبر إيران الاستراتيجي" قد بدأ ينفد. تعاني إيران من العجز الاقتصادي جراء العقوبات الأمريكية. فقد انخفضت صادرات النفط الإيرانية من 2.7 مليون برميل يوميا في نيسان/ أبريل من عام 2018 لتصل نصف مليون برميل يوميا على الأرجح هذا الشهر. يتوقع صندوق النقد الدولي تراجعا بنسبة 6٪ في الاقتصاد الإيراني هذا العام، بعد أن انخفض بنسبة 3.9٪ عام 2018.إن العقوبات الجديدة التي فرضت على المرشد الأعلى علي خامنئي، والتي ستطال ظريف في وقت قريب، هي بالنسبة لطهران بمثابة رش ملح على جرح. أغلق خامنئي آفاق الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، قائلا في 26 حزيران/ يونيو الحالي إن الولايات المتحدة هي "أكثر الحكومات شرا في العالم" وإن "التفاوض معها هو محاولة لخداع [إيران] من أجل الدفع بها إلى تنفيذ رغبات الولايات المتحدة".
إن حالة الإحباط التي تشهدها إيران اليوم ليست نتيجة للعقوبات التي تفرضها عليها الولايات المتحدة وحسب، فقد راهن ظريف بشكل كبير على إيجاد الدول الأوروبية حلا ماليا سريعا للعقوبات الأمريكية المفروضة على بلاده، أو ما يطلق عليه آلية INSTEX ، وذلك في 8 تموز/ يوليو القادم. تسعى إيران إلى إدراج المشتريات النفطية ضمن الصادرات، في الوقت الذي تعمل فيه الدول الأوروبية جاهدة لإدخال هذه المنظومة حيز التنفيذ في الموعد النهائي الذي حددته إيران.حتى لو فعلوا ذلك، فلن يكون كافيا. فقد قال سفير إيران لدى الامم المتحدة، ماجد تاخت رافانشي، "لا أعتقد أن هذا سيكون كافيا." مضيفا قوله: "استغرق الأمر أكثر من سنة لوضع هذه المنظومة المالية، وما زالت لا تعمل حتى الآن."تبحث إيران عن دعم من الدول الآسيوية والأوروبية لتعويض الضرر، حيث قال علي رضا نوري، عن هذا النوع من العلاقات: "لن تقدم الكثير" لإيران. فقد جمدت كل من منظمة شنغهاي للتعاون، والمؤتمر المعني بالتفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا، عضوية إيران، رغبة منهما في تجنب الجر بهما إلى الصراع القائم بين الولايات المتحدة وإيران.تحذر إيران من أنها لن تتجاوز مستويات التخصيب اليورانيوم المسموح بها في الاتفاق النووي فقط، لكنها ستنظر في الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
أقنع خامنئي حكومته بأنهم محاصرون وبأن الأوضاع الاقتصادية في إيران ستزداد سوءا مع مرور الوقت، وأن المواجهة مع الولايات المتحدة أمر ممكن. وعليه، فإن الخطوات التي تقوم بها إيران يطغى عليها طابع الحذر لتجنب رد عسكري أمريكي. يعتبر الإيرانيون المقاومة مبعثا للفخر، فعبر إسقاط طائرة أمريكية مسيرة، قالت إيران إنها كانت تدافع عن حدودها. لكن الولايات المتحدة، التي ادعت بأن الطائرة المسيرة كانت تحلق فوق مياه دولية، كانت مستعدة لشن هجوم هي الأخرى. لا يزال احتمال الدخول في حرب عاليا خاصة مع غياب قناة دبلوماسية.
ترامب: "أملك كل الوقت الذي أحتاجه":
يقول ترامب إنه "يملك ما يكفيه من الوقت" في الوقت الذي تعاني فيه إيران من العقوبات الأمريكية لإعادة النظر في عرضه للتفاوض. كما حدد خطا أحمر واضحا مفاده أن أي هجوم إيراني على الأمريكيين "سوف يرد عليه بقوة ساحقة".سيتم تقرير مصير الصفقة الإيرانية في آب/ أغسطس القادم. يدعو كبار المسؤولين الجمهوريين إلى إلغاء الإعفاءات التي تسمح للدول بمساعدة إيران في برنامجها النووي. كما ذكر موقع "مونيتور" في نيسان / أبريل الماضي أنه يمكن اعتبار هذه الإعفاءات "الخطأ الفادح" الذي تضمنته خطة العمل الشاملة المشتركة. يعتقد بعض المؤيدين لنهج أكثر تشددا بشأن إيران أنه يمكن إثبات انتهاك هذه الأخيرة للاتفاق النووي، بناء على الوثائق النووية الإيرانية التي حصلت عليها إسرائيل.النفط مقابل الطعام: النسخة الثانية:
ناشد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي شارك أيضا في مجموعة العشرين، ترامب لإعادة النظر في سياسة الضغط القصوى والتراجع عن بعض العقوبات لفتح الباب أمام الجهود الدبلوماسية.
قد يكون التراجع عن العقوبات أمرا بعيد المنال، لكن ربما ستكون هناك صفقة حول الآلية المالية المعروفة باسم INSTEX ، بما يسمح لصادرات النفط الإيرانية بتمويل شراء البضائع المسموح بها بموجب العقوبات الأمريكية ، كالغذاء والدواء. ستؤجل الولايات، من جانبها، فرض المزيد من العقوبات كما قد تجدد الإعفاءات الخاصة بخطة العمل الشاملة المشتركة.بالنسبة لبوتين، فإن التعامل مع الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل وسوريا عملية غير مؤكدة ومتعبة، إذ تختلف اهتماماته عن اهتمامات الأطراف الأخرى، لكنه سيستفيد بكل الأحوال. ستستفيد روسيا من توسع التجارة النووية المدنية وغيرها من الأنشطة التجارية مع إيران، عبر مؤسساتها المالية الخاصة، كما إنها ستعزز من نفوذها لدى جميع الأطراف في سوريا. في النهاية، يتوقع بوتين إبرام صفقة خاصة بشأن تخفيف العقوبات الأمريكية على بلاده، فهو لا يفعل شيئا دون مقابل.
العراق وأفغانستان وقضية السجناء: هل يمكن اعتبارها خطوات في الاتجاه الصحيح؟
على الرغم من أن تاخت رافانشي أخبر روزين أنه "ما دامت العقوبات موجودة، فلا أحد في إيران مستعد لبدء حوار مع الولايات المتحدة"، لكن قد تنظر كل من الولايات المتحدة وإيران في إمكانية بدء الجهود الدبلوماسية، إما مباشرة أو عبر وسطاء، بشأن أفغانستان والعراق.
يدعم كلا البلدين حكومتي بغداد وكابول. في العراق، قام كل من الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي بنهج استراتيجية إقليمية تقوم على التأني والتعاون مع الدول المجاورة، بما في ذلك إيران، فكلاهما صديقان حميمان للولايات المتحدة. سيكون العراق في الخطوط الأمامية لأي مواجهة أمريكية إيرانية محتملة، وستكون زعزعة استقراره ضربة مدمرة للولايات المتحدة والعراق والمنطقة أجمع.
عملت الولايات المتحدة وإيران معا في أفغانستان بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ويمكنها فعل ذلك مرة أخرى، خاصة مع سعي الولايات المتحدة إلى تقليص أعداد قواتها هناك.ثم هناك قضية الأمريكيين المحتجزين داخل إيران. قال وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الشهر الماضي إن " إفراج إيران عن الأميركيين المحتجزين بصورة غير قانونية، سيكون أمرا جيدا؛ بل سيكون خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح بكل تأكيد. "
اقرأ المزيد