في 29 من كانون الثاني / يناير الحالي، تستضيف روسيا ما تسميه مؤتمر الحوار الوطني السوري في منتجع سوتشي، حيث تدعي بأن هذا الاجتماع يثمن " ضرورة تسريع العملية السياسية للأزمة السورية بحسب ما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2254".وفي الوقت التي يتعارض فيه الهجوم الجوي الذي تشنه المقاتلات الروسية على محافظة إدلب حاليا مع شروط القرار الأممي رقم 2254، تبقى مباحثات سوتشي مرفوضة لعدة اعتبارات. وتعطينا انطباعا بأن المجتمع الدولي، وحتى أولئك الذين يدعون أنهم "أصدقاء سوريا" في الشرق والغرب على حد سواء هم أصدقاء لبوتين وعليه فهم أصدقاء لبشار الأسد.لن تأتي هذه المباحثات بالجديد لسوريا- فعلى مدى السنوات السبع الماضية جرت مباحثات في كل من القاهرة، وجنيف والرياض وأستانا وفيينا مع اختلاف طفيف في الشخصيات التي حافظت على نفس الخصائص. إن عدم قدرة هذه الاجتماعات التي لا تعد ولا تحصى على وقف العنف الذي يمارس على الشعب السوري يمكن ربطها بالجهود المتضافرة والمبذولة للسيطرة على مجموعات المعارضة التي تشارك في هذه المحادثات، وكسرها، وتمييعها، والتلاعب بها وتفكيكها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، ولكي نكون منصفين، لا تكرس جل مجموعات المعارضة نفسها بالضرورة لنفس أهداف وتطلعات الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل نظام الأسد والدفع بسوريا نحو بنية حكومية تقوم على قيم الحرية والعدالة.تشكل منظمات المجتمع المدني والمجالس المدنية المعارضة الوحيدة التي يمكن اعتبارها التي يمكن أن تحسب بين أولئك الذين لا يزالون ملتزمين بأهداف الثورة. وبطبيعة الحال، فإن هذا النوع من المعارضة يُغفَل في الغالب ويُستبعَد من المفاوضات.أما بالنسبة لمجموعات المعارضة الأخرى التي يتم ربطها بسوريا والتي تحضر المباحثات التي ترعاها روسيا أو غيرها قد فشلت في تمثيل مصالح الشعب السوري.فأي معارضة تريدها روسيا أن تحضر سوتشي؟في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أجرت كل من إيران وتركيا وروسيا محادثات في سوتشي لتمهيد الطريق أمام اجتماع سوتشي الحالي. وفي الآونة الأخيرة، ذكرت وسائل إعلام تركية أنه تم الموافقة على قائمة تضم 1600 اسما ممن سيحضرون، وقالت روسيا بأنها تأمل أن تحضر الأمم المتحدة في شخص مبعوثها الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا.أما بالنسبة لروسيا، وللنظام، فهم يسعون إلى الحفاظ إبقاء معارضة تتشابه مع ما یسمی "مجموعة سوتشي" في ھذه الجولة الجديدة من مفاوضات سوتشي. وليس من الواضح ما الذي تعارض ومن تعارض هذه التكتلات بالضبط، بما أنهم يتمتعون بأفضال نظام الأسد وإيران وروسيا، ويعلنون ملأً عن هذه التحالفات.تضم هذه الكتل شخصيات كقدري جميل، النائب السابق لرئيس الوزراء في نظام الأسد وزعيم حزب الإرادة الشعبية؛ وكذلك رندا قسيس، التي كانت عضوا في المجلس الوطني السوري الذي لم يعد موجودا الآن (أنشئ في عام 2011 وأصبح فيما بعد الائتلاف الوطني للقوى الثورية والمعارضة السورية، الائتلاف الوطني)، لكنها الآن رئيسة حركة التجمع التعددي، التي التقت مع دونالد ترامب الابن، الذي دعم التدخل الروسي في سوريا.بينما تضم "مجموعة القاهرة" أحمد الجربا، رئيس حركة الغد السورية، وهو حزب سياسي شكل في القاهرة في مارس / آذار 2016 يتمتع بعلاقات طيبة مع روسيا وله جناح عسكري يعمل في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة ويتعاون مع "قسد" التي تدعمها الولايات المتحدة.وبطبيعة الحال، فقد أكد النظام حضوره مؤتمر سوتشي، على الرغم من أنه انسحب من محادثات جنيف الموازية السابقة التي شهدت جولتها التاسعة في 24-25 كانون الثاني/يناير الجاري. كما دعيت الجماعات الكردية غير المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى سوتشي (بناء على طلب تركيا لأنها تعتبرها منظمة إرهابية).في حال لم يكن ذلك واضحا بشكل جيد، تهدف روسيا إلى تحقيق هدفين مع هذه الجولة من محادثات سوتشي: أولا، جمع المجموعات التي تعتبرها أكثر انسجاما مع رؤيتها لسوريا في المستقبل، وثانيا، محاولة إظهار نفسها باعتبارها المنقذ المطلق لسوريا، في ظل المحاولات الفاشلة الأخرى للتوصل إلى حل سياسي.أين أخطأت باقي مجموعات المعارضة؟(تنويه عام: الانتقادات التالية لا تنطبق على المجتمع المدني من المعارضة أو الجنود المتفانين الذين ضحوا بحياتهم وأطرافهم للدفاع عن أسرهم ضد عدوان الأسد. وبدلا من ذلك، ينصب التركيز هنا على المعارضة التي ظلت خارجة بشكل رئيسي وسمحت لنفسها بالتلاعب بها من قبل داعميها).في الأسبوع الماضي، وصل وفد مكون من أربعة أعضاء يمثلون ما تبقى من الجيش السوري الحر إلى واشنطن، أملا في الاجتماع مع البيت الأبيض لطلب المزيد من الدعم منه، جاءت هذه الرحلة برعاية المجلس السوري الأمريكي (ساك)، لكن البيت الأبيض قد رفض الاجتماع.وهو ما جعل المعارضة السياسية والعسكرية ضعيفة. فحتى بعد أن أظهرت إدارة ترامب بوضوح التزامها تجاه بمخططاتها في سوريا، التي تمثل استمرارا لسياسات أوباما التي تتماهى مع أجندة روسيا في المنطقة، كانت تضع المعارضة السورية نفسها تحت أقدام أولئك الذين لا يبالون بالقضية السورية، وهي قضية يدعون أنهم يمثلونها.وقد وجه انتقادان الاثنان إلى المعارضة منذ فترة. أولا، خارجيا، ربطت المعارضة نفسها بداعمين مناهضين الديمقراطية والثورة للحصول على الدعم، وهي اليوم أمام مجتمع دولي لن تتواقف خطاباته مع مايقوم به في سوريا. ومن الأمثلة الحية على ذلك، أن الائتلاف الوطني الذي يدعمه "أصدقاء سوريا"، والذين كان بعضهم ضد قيام الثورة بشكل علني في سياساتهم، يتعاونون اليوم بشكل نشط مع روسيا والنظام.وفي الوقت الذي كان فيه هناك ضغط مستمر على المعارضة السورية لسنوات للقبول بالأسد كحاكم شرعي لسوريا، شهدت الجولات الأخيرة من محادثات الرياض وجنيف تثبيتا لهذا النوع من الخطابة، مع ما يسمى المفاوضين المحايدين كستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، والذي وبخ المعارضة قائلا إن عليهم أن يدركوا "أنهم لم ينتصروا في الحرب".أما الانتقاد الثاني فهو البعد المادي والإيديولوجي للمعارضة عن الشعب السوري الذي يعاني أكثر من غيره في ظل وجود روسيا والنظام: في الأوساط السورية، يستهزأ بالأشخاص الذين حضروا جنيف وأستانا أكثر من مجموعة سوتشي التي تم وصفها "بمعارضة الخمس نجوم"، حيث إنه من الصعب التوفيق بين صور رئيس الائتلاف الذي كان يصافح شخصيات مثل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بابتسامة عريضة مع صور المنازل التي هدمتها طائرات المقاتلة الروسية التي تدعم نظام الأسد.وقد اجتمعت مؤخرا لجنة المفاوضات العليا التي تم تشكيلها حديثا من الائتلاف والتي تعرف الآن باسم لجنة المفاوضات السورية، بوزير الخارجية الروسي في موسكو. وبدلا من الإصرار على أن تجري المفاوضات على أرضهم، سافرت هذه المجموعة للحصول على "على التعليمات الكاملة من روسيا" بشأن العملية السياسية السورية، والتخلي بذلك عن كل الهيئات التي كانت ترفض حضور مهزلة مفاوضات يجريها جلادوهم.ثم، ودون خجل، وبكل جرأة أعلنت الهيئة العليا للمفاوضات أنها "ستقاطع" محادثات سوتشي، كما لو أنهم لم يلتقطوا قبل أيام فقط صورا مع لافروف. إن ادعاء مقاطعة المحادثات بعد الحصول على تعليمات من الجلادين أنفسهم، على أرضهم، يضعف أي موقف سياسي كان من الممكن أن ينتج عن عدم حضور سوتشي.وبالنظر إلى هذه الحقائق، فإن الدخول في أي نوع من المفاوضات السياسية لا يعدو أن يكون سوى كذبة قاسية متكررة تمارس على السوريين، فأيادي المعارضة مغلولة، والمجتمع الدولي متحيز للأسد وروسيا، وحياة السوريين الذين يُعتبرون الأكثر تضررا بهذه القرارات يتم التعامل معها على أنها ثانوية، إن صح التعبير.لعل الأهم من ذلك، أن الناس الذين يدعون أنهم يمثلون الثورة لم يقفوا دوما إلى جانب الثورة - فما يمثلونه يعتمد على من يؤيدهم. وإذا ما أردنا أن تتغير العملية السياسية، يجب على المجتمع الدولي أن يحول تركيزه نحو المعارضة التي ظلت وفية للثورة والتي تتمثل في المجتمع المدني ومجموعات الحكم المحلي.المصدر: موقع الجزيرة بالإنجليزيةبقلم: ملك شبكونترجمة: مركز الجسر للدراسات
اقرأ المزيد