بوادر نزاع كبير تشهده محافظة السويداء بين قوات نظام الأسد والفصائل المحلية التابعة لما يعرف بـ "قوات شيخ الكرامة" التابعة للطائفة الدرزية، وذلك بسبب الانتهاكات التي تمارسُها قوات النظام بشكل متعمَد، في محاولةٍ من نظام الأسد استرجاعَ هيبته في المحافظة بعدما فقدها عقب اندلاع الثورة السورية، ووقوف السويداء على "الحياد"، حيث ترفض معظم العوائل زجَ أبنائها في صفوف قوات النظام، وشكلت الطائفةُ قواتٍ عُرفت باسم "قوات شيخ الكرامة"، حيث يتم تجنيد أبناء المحافظة فيها لحمايتها من أي تهديدات أمنية.
بلغ التوتر ذروته ليلة الأحد 16 حزيران، بعد اعتقال قوات الأسد الناشط المناصر للثورة السورية "مهند شهاب الدين" من مدينة السويداء، حيث اختطفه النظام وزعم أن جهات أخرى هي من قامت بالعملية، لكن هذا ما أثار غضب الفصائل المحلية التي شنت عملية كبيرة ضد قوات الأسد، واعتقلت 10 عناصر واحتجزت سيارات تابعة للنظام، إضافة إلى انتشارها في محيط فرع "المخابرات العسكرية" التابعة للنظام، وهو المكان الذي يُرجَحُ وجودُ "شهاب الدين" فيه، وعمد الأسد إلى قطع الكهرباء عن المدينة، في وقت دارت فيه مواجهات بإطلاق نار متبادل بين الطرفين، وكان من الملفت هذه الوقفة من دروز السويداء الذين لم يعلنوا سابقاً مناصرتهم للثورة، بل إنهم بقوا على مسافة قريبة من النظام من حيث السماح بعمل مؤسساته المدنية والعسكرية وغيرها في المحافظة.
لماذا شهاب الدين؟
يُعد "شهاب الدين" من أبرز ناشطي السويداء المعارضين لنظام الأسد، وكان قد نعى "الساروت" قبل أيام بعد مجيء خبر وفاته ، كما ينشر "شهاب الدين" على صفحته بفيسبوك الكثير من المنشورات عن الثورة السورية ومناصرته لها، وحملت إحدى لافتاته شعاراً تحت عنوان: "متضامن مع شهداء الحرية شهداء كفرنبل المجرم واحد ويختلف السلاح"، وكان أيضاً قد أثار حفيظة نظام الأسد بشكل ملفت بعد أن رد على كسر موالين من السويداء "فنجان العز" أمام بشار الأسد خلال الزيارة التي أجروها لشكره على مزاعمه بالقيام بدور في الإفراج عن مختطفات السويداء، حيث ظهر "شهاب الدين" في شريط فيديو من أمام صرح سلطان باشا الأطرش، وقال حينها "ردة اعتبار للجبل، فنجان العز ما ينكسر غير هون"، وربما هذا ما جعل "شهاب الدين" في دائرة الضوء القمعي لدى نظام الأسد.
التوتر في السويداء بين نظام الأسد وفصائل السويداء ليس وليد اللحظة، ففي السابع من الشهر الجاري اختطف عناصر من "قوات شيخ الكرامة" عنصرين من مخابرات نظام الأسد، وذلك على خلفية مشادة كلامية مع أحد الحواجز التي تتبع لقوات النظام في مدينة السويداء، عقب قيام النظام بنصب حاجز في المدينة في مناطق نفوذ "شيخ الكرامة"، لكن هذا ما لم تقبله الفصائل المحلية وأزالت الحاجز بالقوة، وجرى احتواء التصعيد بمبادرات محلية من قبل وجهاء بالمنطقة، كما جرت في وقت سابق مشاحنات بين الطرفين، غير أن نظام الأسد لا يستخدم القوة المفرطة في تعزيز قبضته الأمنية بالمحافظة.
عمليات الخطف المتكررة
بالتزامن مع التوتر الذي يحصل بين الفينة والأخرى؛ كانت ولا تزال عمليات الخطف هاجساً يؤرق سكان المحافظة، فهذه القضية تنتشر بشكل واسع في المحافظة، وأكثرها يحصل بعد مرور المدنيين من حاجز للنظام يعرف باسم "شهبا" شمال المحافظة، وهذا ما يشير بشكل كبير إلى ضلوع مليشيات تابعة للنظام بتلك العمليات، لأهداف عدة منها الابتزاز المادي، وفي نفس الوقت إبقاء حالة الفوضى الأمنية هاجساً للسكان، وبالمحصلة دفع السكان إلى الاستنجاد بالنظام ليعود إلى الوضع كما كان عليه فيما قبل الثورة السورية، غير أن هذه الطريقة يبدو أن سكان السويداء يعونها جيداً، فالنظام لعب على هذا الوتر قبل نحو عامٍ بعدما سهّلَ دخول عناصرَ من تنظيم الدولة إلى مدينة السويداء وريفها وقتلوا عشرات المدنيين، كما اختطفوا حينها نحو 35 شخصاً بينهم أطفال ونساء، وظلت المفاوضات تجري بين التنظيم ونظام الأسد وأطراف أخرى غير معلومة، حتى تم الإفراج عن هؤلاء المختطفين، وحاول نظام الأسد نسب الفضل له في تلك العملية رغم الكثير من علامات الاستفهام آنذاك حول عملية الإفراج وحول الهجمات حتى. وبعدما التقى بشار الأسد بوجهاء من السويداء جاؤوا لشكره على دوره في العملية، لم يتوانَ عن الطلب منهم إرسال أبنائهم للتجنيد كي "يعم الأمان في المحافظة".
استفزازات النظام الحالية وتكرارها يشير بحسب متابعين إلى أن التوتر سيزود بشكل أكبر بين النظام و"قوات شيخ الكرامة"، وأن الشرخ بين الطرفين يتباعد يوماً إثر يوم في ظل فشل الأسد بتعويم نفسه مرة أخرى في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، ولعل هذا من أكثر الأسباب التي تجعل الأسد يفكر جيداً قبل استخدام سياسة البطش بيد من حديد، لكن يبدو أنه يفقد السيطرة في بعض الأحيان على تصرفات ضباطه الذين عُرفوا باستخدام السلطة بشكل قمعي صارخ ضد كل من لا يقف مع نظام الأسد ويناصره بالقول والعمل، ولعل من أكثر ما أثار غضب نظام الأسد على السويداء رفض الفصائل المحلية المشاركة في معركة درعا قبيل سيطرة النظام على الجنوب في تموز من العام الماضي، حيث نأت الفصائل بنفسها عن المشاركة.
على وسائل إعلامه، يُغيب النظامُ الحديث عما يجري في السويداء، ويحاول قدر الإمكان إخضاع المحافظة بطرق شتى، يبدو أن البعض منها سيخلق له أعداء جدداً في الخارطة السورية، ويجعل من منطقة السويداء منطقة شبيهة بشمال شرق سوريا، لا قوة فعلية للنظام فيها، لكن بدون وجود قوات دولية تحمي أقلية الدروز، فهل يستمر النظام بالتصعيد ويجعل لأطراف دولية عدة ذريعة للتدخل بالمنطقة أم إنه سيستمر بنشر الفوضى لإعادة نظامه؟
اقرأ المزيد