دير الزور المدمّرة تستعد لاستقبال أبنائها الذين هجّرهم القصف قسراً وشتّتهم من بيوتهم منذ أكثر من خمس سنوات إلى عموم أنحاء المحافظات السورية، وذلك بعد صدور قرار يجبر الموظفين بالعودة إلى مدينتهم التي تعاني أصلاً من دمار البنية التحتية، بالإضافة إلى "عمليات التعفيش" التي طالت كل أحياء المدينة التي تمكنت قوات النظام من السيطرة عليها مؤخراً، ولاسيما منازل الموظفين المجبرين على العودة إلى شبح مدينة كانت ولاتزال مهمّشة ولم تظهر على شاشات النظام إلا لإظهار صور عناصره ومقاتلاته خلال حربِ تدمير ديرالزور بحجة محاربة الإرهاب.ولعلَّ وصف الدمار الحاصل في المدينة سيكون أصدق عندما يصدر عمّن عاد إليها ورأى الوضع بأم عينه وعن ذلك قال المواطن (م – س) على صفحته الشخصية في "فيس بوك" ما معناه : ( الكثير منا قال دعونا نعود وسنسكن بخيمة وذلك لأن ارتفاع إيجار المنازل في مناطق النزوح أثقل كاهلنا، ولكنه ردّ بخيبة أمل "بأنَّ من سابع المستحيلات ترميم المنازل وذلك بسبب تخلخل البناء الذي لم يتدمر، والدير تحتاج لإعادة إعمار دير جديدة"، مشيراً إلى أن إعادة الإعمار إن تم الإسراع فيها ستتطلب عشر سنوات وفق تقديره، وعرّج في منشوره للحديث عن ارتفاع إيجار المنازل في حيي الجورة والقصور وتضاعفها مع بدء عودة الموظفين ).فماذا أعدت المدينة المنكوبة لأبنائها قبل عودتهم..-الألغام والقنابل العنقودية التي ألقتها مقاتلات النظام والاحتلال الروسي خلال فترة قصف المدينة بآلاف الغارات ولم تنفجر، وذلك أثناء الفترة التي كانت تدور بها المعارك قبل السيطرة عليها، ولعلَّ مدينة الرقة وما حصدته الألغام فيها من أرواح المدنيين خير دليل يمكن أن يكون صورة لما سيحدث في ديرالزور، فالمليشيات الكردية ترفض تمشيط منازل المدنيين قبل أن يدفعوا مبالغ مالية باهظة، ولن تكون قوات النظام أرحم من مليشيات "قسد" بل على العكس تماماً، وما يجري على الأرض اليوم دليل على ذلك، فقوات النظام تعطي موافقات للمدنيين لزيارة منازلهم المدمّرة على الرغم من معرفتها بوجود ألغام في مناطقهم، والموافقة ليست لصاحب المنزل فقط، بل لمن يريد أن يقوم بالتعفيش ولكن عليه أن يقاسم من يستخرج له الموافقة بما سيتم تعفيشه.. هذا إن عاد حياً ولم ينفجر به لغم أو قنبلة عنقودية.وقد ذكر (أ – ع ): "عند عودتي للمدينة أول ما خطر ببالي الذهاب إلى منزلي وزيارته، ووافقت لي قوات النظام على الدخول إلى بيتي في حي الجبيلة لأتفاجأ بوجود سيارة ملغمة مركونة في بقالية تحت منزلي المدمّر أصلاً بفعل قصف الطيران"، كما نعت صفحات موالية وأخرى تابعة للثورة شاباً انفجر عليه لغم في براد منزله الذي عاد إليه كي يتفقده. -التجنيد الإجباري والخدمة الاحتياطية والدراسات الأمنية عن الفترة التي قضاها النازح الديري خارج مدينته، وعلاقاته الشخصية والعامة، ولعلَّ فئة الشباب هي المتضرر الأكبر من قانون الخدمة الإلزامية، في حين يعتبر النازحون الذين اتخذوا الرقة وريف ديرالزور ملجأً لهم، هم المتضرر الأكبر من الدراسات الأمنية التي تجريها مخابرات النظام، إذا إن على النازح أن يثبت عدم علاقته بالتنظيم الذي كان يسيطر على تلك المناطق، مع أنّ العلاقة غير موجودة أصلاً.. ولكنْ.. في عُرْفِ نظام الأسد عليك أن تثبت عدم وجودِ غيرِ الموجود.وقال (ط - ح) عن وضع ابنه المؤجل دراسياً إنّه لايستطيع العودة إلى ديرالزور وسيُضطر للتخلي عن وظيفته كي يَسلَم على ولده من السَّوق للخدمة الإلزامية.أما (أم محمد) فتدعو على ذلك العنصر الذي أخذ ولدها على الحاجز عند عودتها إلى المدينة وهو الآن يقاتل دون أي تدريب او خبرة على جبهات البوكمال ضد تنظيم الدولة.-الخدمات المعدومة في مدينة أنهكها القصف والنهب على مدى سنين الثورة السبع .. فعروس الفرات تشكو العطش، والمدينة التي تطفو على بحيرة من النفط والغاز يعاني أبناؤها من انقطاع الكهرباء والغاز الذي يضخّ إلى محطة جندر ليزوّد مناطق سيطرة النظام في حمص وطرطوس، ثم يأتي بعد ذلك دمار كل المرافق العامة من مدارس ومستشفيات ومراكز صحية في المدينة عدا أحياء هرابش والجورة والقصور، ولن تستطيع هذه الأحياء أن تستوعب أعداد نازحي ديرالزور العائدين بأطفالهم.ولعلَّ القليل من المواطنين النازحين يستطيعون رفع صوتهم ويفضحون تقاعس قوات النظام، أو حتى تعمّدها عدم تقديم الخدمات للمواطنين وفي هذا الصدد قال (ف – ق) : (محطات الوقود التابعة لسادكوب في دير الزور ترفض بيع المواطنين الذين لا يملكون آليات مادة بنزين.. وهذا يضطر الناس للشراء من السوق السوداء (سعر الليتر بين 350 و 500 ليرة) لتشغيل المولدات بسبب عدم وجود كهرباء في دير الزور منذ سنوات، ولأن الموظفين بدؤوا بالعودة بعد قرارات الانفكاك، ستزداد الحاجة إلى الكهرباء بشكل كبير، وبالتالي إلى المولدات ومادة البنزين). - ذل مليشيات ما يسمى بالدفاع الوطني والمليشيات الطائفية التي تجهر بطائفيتها ولا تُخفيها، ولعلّ ما يجري من بناء للحسينيات في معظم الأنحاء التي سيطر عليها النظام مؤخراً في المحافظة دليل على أنّ العائد يمكن أن يجبر على تغيير معتقده تجنباً للأذى الذي يمكن أن يُلحقه به حاقدٌ يحمل السلاح، ولعل ما يجري في منطقة "عين علي" بريف مدينة الميادين من تسوير وصيانة لمنطقة العين لإعدادها كمزار للشيعة دليلٌ على ما ستشهده المحافظة في الآتي من الأيام. فمَنِ المستفيد من عودة نازحي ديرالزور، ومن المتضرر بعد كل هذه المعطيات؟!!
اقرأ المزيد