السبت 2018/01/20

لم يقتلهم الثلج بل قتلهم الأسد !

في كل مكان حول العالم يلعب الناس بالثلج إلا المُعذّبين السوريين، فإن الثلج يلعبُ بهم ويدحرجهم ويجعل منهم كرات ثلجٍ شبيهة بتلك الكُرات التي يصنعها من يرى بياض الثلج بياضاً لا سواداً كما يراه السوريون المنكوبون، العالم أجمع يستبشر بقدومه.. إلا السوريين فإنهم يتشاءمون مع مجرد الحديث أنه مقبل قريباً، هو فألُ خيرٍ عند الجميع إلا عند السوريين فإنه ناقوسُ خطر، وحباتُه المتساقطة من السماء كأنها حجارة من نار تأتي على الخيام فتعصف بها.. نعم هكذا حوّلتْ حرب نظام الأسد وحلفائه الغزاة نظرةَ السوريين المشردين إلى الثلج وجعلتهم يشمئزون لمجرد ذكر اسمه.

فروا من الموت بالنار فماتوا بضدها.. هي حكاية سوريين من بين آلاف حكايات وقصص الوجع الذي اعتاد الدخولَ القسريّ في قَعر قلوب السوريين وأجسادهم.. حكاية تزيد القناعة بأن أي عاصفةٍ مطريةٍ أو ثلجيةٍ أو غبارية أو موجة حر تأتي على سوريا تأبى إلا أنْ تنتزع معها قسراً في حلها الثقيل قبل ترحالها أرواحَ أبرياء نجوا من الموت بكيماوي السفاح وسارينه السام وقذائف طائراته ومدافعه وغياهب سجونه.

حتى الآن بلغ عدد من قضى من مجموعة السوريين التي حاولت الدخول إلى الأراضي اللبنانية ويقدر عددها بنحو ثلاثين بلغ عدد من قضى منهم "تجمداً" خمسة عشر معظمهم أطفال ونساء ، لا أدري كيف كانت فصول سكراتِ الموت المُرَّة التي عاشتْها تلك الثلةُ من السوريين قبل أن يقضيَ الكتاب أجله، ربما لن تسعفك مخيلتك للوصول إلى محطات الأنين والشدة والمكابَدَة التي عاشها هؤلاء الأشخاص الذين صنعَ منهم الثلج رجالَ ثلجٍ على عكس ما جرت العادة لدى جميع الخلق الذين يصنعون من الثلج رجل ثلج ، كل قطرة مياهٍ من جثامينهم المتجمدة سجلتْ وأرَّختْ قبل ذوبانها وصمة عار وشنار جديدة ستظل تلاحق دعاة الإنسانية وحقوق الإنسان، وكل الدول التي توصد أبوابها وتغلق سفاراتها ومطاراتها بوجه السوري، ليس لأي سبب بل لمجرد أنه سوري لم يعد له في موطنه المسلوب محل يأمن به ولا مشرب يشرب منه ولا مأكل يأكل منه.

لا تلوموا هؤلاء في الطريقة التي حاولوا بها الوصول إلى بر الأمان ، فما ألجأهم إلى تلك الطريقة سوى التشديد من قبل سلطات لبنان وفرضها مزيداً من القيود، ولا يقف الأمر على مجرد ذلك الحدث المأساوي ، فالعواصف الثلجية التي تضرب المنطقة أتت أيضاً على السوريين في مخيمات النزوح بلبنان وسوريا وتركيا، والسعيدُ من هؤلاء من دخلتِ المياهُ إلى خيمته وفراشه فحسب ولم تقتلع خيمته بشكل كامل.

ليست الحكاية الأولى ولا الأخيرة مع شعب الخيام أو من يحاول الدخولَ إلى بر الأمان في الدول المجاورة وغير المجاورة .. فصول هذه المعاناة ترتسم كل عام وتُعاد حلقاتها بنفس التفاصيل، لا تمر عاصفة عابرة أو ثلوج دون أن تُزهقَ معها عدداً من الأرواح لتلتحق بأخرى التقمها البحر وأخرى قضتْ في الجبال، ومرَّ الخبر على شاشات التلفزة مرور الكرام بالقول إنهم قضوا بمحاولة دخول غير شرعية ! ، دون إيراد أن المتسبب بقتل هؤلاء الأشخاص هو من أرغمهم على الخروج من البلاد وتحمُّل مخاطر الوصول إلى المأمن.

لم يُعدْ هناك أدنى شك أن محاولات تركيع السوريين لم تعُد مقتصرة على بشار الأسد، فما جرى خلال السنوات السبع الماضية أكد أن محاولات إعادتهم إلى بيت الطاعة العمياء تتشارك فيه القوى الكبرى والصغرى.. فلله دركم أيها السوريون ودر صبركم وتحملكم أشد المرارات ومجازفتكم بالموت تفضيلاً على خيار بقاء العيش تحت حكم الأسد.