منذ نهاية شهر نيسان الماضي، تشن قوات نظام الأسد مدعومة بسلاح الجو الروسي، حملة عسكرية في مناطق يفترض أنها داخلة ضمن ما يسمى "المنطقة منزوعة السلاح" وفق اتفاق سوتشي الموقّع بين موسكو وأنقرة بخصوص إدلب، في أيلول 2018.
أُسندت مهمة الضربات الجوية كالعادة إلى القوات الروسية، بينما تولى مهمة المعارك الرئيسية على الأرض "الفيلق الخامس" المدعوم من روسيا بقيادة العقيد "سهيل الحسن"، أو ما يُطلق عليه محلياً "مليشيات النمر"، بما تحويه تلك المليشيات من مقاتلي الأقليات، إضافة إلى ما يُعرف بعناصر "المصالحات".
من يراقب سير المعارك الحالية في المناطق الفاصلة بين محافظتي حماة وإدلب شمال غرب سوريا، يكاد لا يجد أي ذكر للمليشيات الإيرانية متعددة الجنسيات، والتي شاركت بشكل رئيسي في معارك حلب ودير الزور وريف دمشق، ما أثار لدى المراقبين تساؤلات حول غياب أحد الداعمين الرئيسيين لبشار الأسد عن معركة مصيرية ترسم خطوط المستقبل المنظور في سوريا.. المعركة التي تعني إما صمود فصائل الثوار وبالتالي فشل إعادة الأسد إلى مناطق جديدة في سوريا، أو تقدم النظام وحلفائه على وقع المجازر وسياسة الأرض المحروقة، وبالتالي فقدان الثوار آخر معاقل سيطرتهم.
عدم المشاركة أم منع من المشاركة؟
في الواقع لا يوجد أمامنا ما يرجّح تفوق إحدى الفرضيتين على الأخرى، لأن التصريحات تكون عادة غائبة أو غائمة في حالة تزامنها مع المعارك والعمليات العسكرية، فقد تكون روسيا اتخذت قراراً مسبقاً بعدم مشاركة إيران في معارك إدلب الحالية، والاقتصار على "مليشيات النمر" التي تدين بالولاء المباشر لقاعدة "حميميم" الروسية، وقد تكون إيران هي من اتخذ القرار بعدم المشاركة في تلك المعارك لعدة أسباب، رغم مسؤوليتها عن العبث باتفاق وقف النار هناك ورغبتها بمناطق نفوذ جديدة في سوريا. ولكل من الفرضيتين أسباب ودوافع منطقية.
روسيا.. المسير نحو التفرد بالقرار السوري:
لا شك أن روسيا وإيران عملتا بشكل متناغم جداً منذ العام 2015 في مساعدة الأسد بالسيطرة على مناطق واسعة، غير أنهما في نهاية المطاف دولتان لم تتدخلا لإنقاذ الأسد فقط ثم المغادرة. كلتاهما دفعتا فاتورة في سوريا، وكلتاهما تطمحان إلى قبض الثمن، وبالتالي لا بد من التنافس والتناحر غير المعلن، بل والمعلن أحياناً، إذ بات فرض السيطرة والتفرد بالقرار العسكري ميداناً للصراع بين "الفيلق الخامس" المدعوم روسياً، والذي يقوده رجل موسكو في سوريا "سهيل الحسن"، و"الفرقة الرابعة" المدعومة إيرانياً، والتي يقودها "ماهر الأسد". هذا بالإضافة إلى التنافس الاقتصادي بين الجانبين، والذي ظهر جلياً في الساحل ومنطقة الصحراء السورية.
هذا يشير بالتأكيد إلى أن موسكو قررت استبعاد إيران من المشاركة في إدلب، التي يدرك الروس أهميتها في أن تكون ربما آخر المعارك في سوريا، وعدم مشاركة إيران فيها تطوي سجلّ مشاركاتها في المعارك السابقة.
هذا بالإضافة إلى عامل مهم، وهو أن روسيا لا تريد إغضاب شركائها الأتراك في اتفاق سوتشي. ويرى محمد السالم "الباحث في مركز الحوار السوري" أن الأتراك يتجنّبون حتى الآن الوصول إلى خطوط التصعيد مع الروس، ويتجنبون تحميلها المسؤولية الكاملة عما يجري في إدلب"، غير أن الموضوع سيختلف فيما لو شاركت مليشيات إيران (التي يصفها الإعلام التركي الرسمي بالإرهابية).
إيران.. الغائب الحاضر:
قد يكون الكلام السابق صحيحاً ضمنياً استناداً إلى واقع الخلاف الخفي بين الجانبين الروسي والإيراني، غير أن ثمة آراء تميل إلى أن إيران لم يتم استبعادها من معركة إدلب الحالية، ويرى هؤلاء أن إيران اختارت أن تغيب عن المعركة لعدة اعتبارات تتعلق بالمستجدات الإقليمية والدولية والتطورات التي تواجهها طهران.
يرى الباحث "السالم" أن إيران لم تعُد تتحرك في سوريا بالحرية التي كانت تتمتع بها منذ اندلاع الثورة ضد الأسد عام 2011، فهي اليوم تواجه عقوبات تتدرج في قسوتها ويتصاعد تأثيرها بشكل فعلي إلى الدرجة التي بات فيها "حزب الله" يستجدي التبرعات لتغطية النقص الحاصل في موارده المالية. هذا بالإضافة إلى أن طهران اختارت للمليشيات التابعة لها نمط الاختفاء والاختباء، جراء الضربات الإسرائيلية التي بات أي موقع تابع لإيران في الأراضي السورية هدفاً لها.
قد يكون هذا السبب وراء غياب إيران عن معارك الشمال الحالية، وقد تكون إيران اختارت هذا الغياب بشكل مقصود، لتوجه رسالة مباشرة إلى حليفها الروسي الذي بات اليوم في موقف أقرب إلى التفاوض على خروجها من سوريا. الرسالة الإيرانية تقول للروس: لن تستطيعوا التقدم على الأرض دون وجودنا، صحيح أنكم تنفذون المهمة في الجو بشكل جيد، إلا أن السيطرة على الأرض موضوع مختلف. وهذا ما يحصل اليوم بالفعل، فروسيا تستطيع فعلاً إحراق المناطق التي تستهدفها، وارتكاب المجازر المروّعة، غير أن مجريات المعارك الحالية تُظهر بوضوح عجزها عن تثبيت سيطرتها في قرى شمال حماة، وكانت صحيفة "سيفوبودنايا بريسا" الروسية، قالت إن الأسد تعرض لهزيمة قاسية على حدود محافظة إدلب، وعزت ذلك إلى عدم كفاية الانضباط في قوات النظام، لاعتماده على تشكيلات المتطوعين. وأوضحت الصحيفة أن عدد قتلى قوات الأسد في محيط إدلب تجاوز الـ 100 خلال يومين فقط، مضيفة: "يرجع ذلك إلى بدء هجوم مضاد كبير من المسلحين.. حتى الآن، كانت نتيجة هذه العملية أكبر خسائر للجيش السوري منذ مدة طويلة". وفقاً لما أوردته الصحيفة.
اقرأ المزيد