الثلاثاء 2022/03/15

11 عاماً على الثورة السورية: تثبيت نظام الأسد مقابل تفتيت البلاد

ماذا بقي من الثورة السورية وماذا أنتجت بعد 11 عاماً على انطلاقتها، وهل نجحت في تحقيق ما أراده السوريون يوم تحدوا نظام بشار الأسد وخرجوا إلى الشوارع؟ تحضر هذه الأسئلة وغيرها في ذكرى انطلاقة الثورة اليوم، وسط أوضاع لم يكن يأملها ولا يتخيلها السوريون.

 

نظام الأسد الذي بقي في الحكم بدعم روسي إيراني، ينحو إلى مزيد من الإجرام مُسقطاً كل مساعي الحل السياسي، أما قوى الثورة والمعارضة فتنهي العام الحادي عشر للثورة بمزيد من التشظي، لتنقسم الجغرافية السورية بين أربع قوى متصارعة في ما بينها.

 

أما المجتمع الدولي فيبدو متخلياً عن السوريين الذين ناصروا الثورة، والذين يعتبر الكثير منهم أنه تم إجهاض حلم الحرية الذي خرج لأجله الملايين منهم، وتم استبداله بسلطات أمر واقع، لتتحول البلاد إلى مناطق نفوذ بين أطراف لا تمت للثورة بصلة. هذا الواقع يضع الثورة أمام تحدي البقاء في الذاكرة، كهدف لا يلغيه استبداد ولا مصالح سياسية أو عسكرية.

 

انسداد سياسي في سورية

بعد تكريس روسيا وإيران بقاء بشار الأسد في سدة الحكم، يتعاطى هذا النظام مع الحل السياسي على أنه ترتيبات داخلية، معطّلاً مسارات التفاوض وفق قرارات الأمم المتحدة. وتم اختصار قرار مجلس الأمن 2254 الخاص بالحل السياسي بلجنة دستورية لم تحقق أي تقدم حتى الآن، أما موسكو فتواصل عبر مسار أستانة قضم المزيد من مناطق المعارضة، وتسليمها للنظام، والتي كان آخرها ضم الجنوب السوري بأكمله لسلطة النظام أواخر العام الماضي.

 

وعلى الرغم من تحوير العملية السياسية في سورية لتصبح مجرد إعادة هيكلة لنظام الأسد، فإن الولايات المتحدة والدول الأوروبية، تبقى في خانة المتفرج على ذلك. أما عربياً، فقد شهدت الشهور الماضية تحركاً من بعض الدول لا يزال قائماً حتى الآن، ويهدف إلى إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية.

 

على الأرض، لا تزال "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) التي تتحكّم بشمال غربي سورية، معضلة لأي حل سياسي، فيما زادت الولايات المتحدة من دعمها لمليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على شرقي نهر الفرات، وذلك بعد عودة تنظيم "داعش" للنشاط وقيامه بعملية كبرى اقتحم خلالها سجن غويران في الحسكة أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.

 

أما الحكومة السورية المؤقتة، التابعة للمعارضة، فلا تزال تدير "شكلياً" ريف حلب الشمالي وجزءاً من ريف الرقة الشمالي، وجزءاً من ريف الحسكة، وهي مناطق تسيطر عليها فعلياً فصائل "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا.

 

جمود عسكري هش

على المستوى العسكري، أصبحت منطقة جبل الزاوية من أسخن خطوط التماس الفاصلة بين قوات المعارضة السورية من جهة، ومن جهة أخرى قوات النظام والمليشيات المدعومة من روسيا مثل "الفيلق الخامس"، و"الفرقة 25 مهام خاصة".

 

وتشهد جبهة جبل الزاوية بشكلٍ شبه يومي إطلاق نار متبادل بين الفصائل وقوات النظام من خلال عمليات تسلل لقوات النظام على مواقع فصائل غرفة عمليات "الفتح المبين" المُشكلة من فصائل "هيئة تحرير الشام" و"الجبهة الوطنية للتحرير" و"جيش العزة". وتمتد خطوط التماس مع قوات النظام من منطقة جبل التركمان على الحدود السورية - التركية شمال شرقي محافظة اللاذقية، مروراً بمنطقة سهل الغاب غرب محافظة حماة، إلى منطقة جبل الزاوية جنوب محافظة إدلب، وصولاً إلى قرى وبلدات ريف حلب الشمالي الغربي.

 

وجميع تلك المناطق تُعرف بمنطقة "خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها). كما يوجد العديد من خطوط التماس الفاصلة بين قوات النظام وقوات "الجيش الوطني" السوري المدعوم من تركيا، سواءً في منطقة تادف بمحيط مدينة الباب شرق محافظة حلب، والواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة "درع الفرات"، بالإضافة إلى خطوط تماس أخرى في منطقة "غصن الزيتون" وخطوط تماس جديدة في منطقة "نبع السلام"، ولا سيما مع الانتشار العسكري أخيراً لقوات النظام إلى جانب "قسد" في منطقة عين عيسى بريف الرقة الشمالي.

 

وقال العقيد مصطفى بكور، المتحدث الرسمي باسم فصيل "جيش العزة" العامل ضمن غرفة عمليات "الفتح المبين"، إنه خلال سنتين لم تحصل معارك على الأرض بين الفصائل الثورية وقوات النظام، وقد استغلت الفصائل هذه الفترة في تحصين الخطوط الدفاعية، وتحسين ظروف الرباط، والاستعداد للمعركة المقبلة.

 

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد": "أعتقد أن وضع الجبهات جيد من الناحية الدفاعية، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال تمكن كافة الفصائل، من صد وإفشال أغلب محاولات التسلل المعادية التي حصلت خلال العامين الماضيين".

 

ولفت بكور إلى أن الوضع العسكري في سورية بشكل عام بعد 11 سنة من عمر الثورة، هو وضع غير مستقر، إذ بدأ بانتصارات للمعارضة، قبل أن ينتهي عام 2020 بانكسارات كبيرة تسببت في ضياع قسم كبير من مناطق سيطرة المعارضة. وأضاف بكور: "بعد انطلاق مسار أستانة تم ربط المسار العسكري بالاتفاقيات بين روسيا وتركيا، وبالتالي خضع المسار العسكري بأغلبه إلى تجاذبات الدول الفاعلة في الملف السوري، ومصالحها، وهذا الأمر شكّل انتكاسة كبيرة للثورة السورية".

 

ورأى أن "الوضع العسكري في سورية ما زال خاضعاً بشكل كبير للتجاذبات الدولية، التي سيكون لها تأثير كبير على الوضع السوري، هدوءاً أو تصعيداً"، إلا أنه رجح أن يكون مصير الوضع الحالي هو التصعيد العسكري بعد فترة، قد تطول، أو تقصر، بناءً على المستجدات الدولية.

 

أزمات إنسانية متفاقمة

 

على المستوى الإنساني، يعيش السوريون مأساة مستمرة، ومتعددة الجوانب، فقد قتل منهم أكثر من 600 ألف، وتحوّل أكثر من ثلثيهم إلى مهجرين، بين نازح داخل سورية، أقصى أحلامه الشعور بالأمان وتأمين ما يطعم به عائلته، ولاجئ خارجها، يتعرض لكل أنواع الانتهاكات والتمييز في معظم الدول التي لجأ إليها.

 

وتحدث عبد الكريم فرحان (60 عاماً) من مدينة إدلب، لـ"العربي الجديد"، عن الوضع المزري في شمال سورية، موضحاً أن دخل الفرد في حال وجد عملاً من المستحيل أن يكفي لتأمين مستلزماته الضرورية للعيش، الأمر الذي جعل الكثير من سكان المنطقة يعتمدون على المساعدات على قلتها التي تأتي بها المنظمات.

 

وأضاف فرحان: "بعد أن تخليت عن وظيفتي في شركة الكهرباء في إدلب، إثر سيطرة هيئة تحرير الشام عليها، لم يعد لدي عمل لأتقاضى راتباً، كما أنه لم يعد لدي أمل براتب تقاعدي، أو تعويض أسد به حاجتي، من خبز ودواء، ولم أعد قادرا على العمل في أي مهنة بسبب تقدمي في السن، ومع ذلك أعمل الآن حارساً ليلياً في شركة تعبئة أسطوانات الغاز، وأنا مرغم لعدم توفر عمل آخر ولشدة حاجتي لما أتقاضاه".

 

أما بسام الحافظ، المهندس النازح من حلب إلى مدينة اللاذقية، فلفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الوضع المعيشي في مناطق النظام عموماً وصل إلى حدود المجاعة، موضحاً أن حوادث التخلي عن الأولاد وتركهم لمصيرهم في الشوارع، التي تشهدها تلك المناطق، هي بسبب العجز عن تأمين طعام لهم.

 

وأضاف "هناك طبقتان في محافظة اللاذقية، طبقة الأمراء والمتنفذين الذين يعيشون حياة مترفة ولهم أسواق خاصة، وطبقة معدمة تحلم بتأمين وجبة طعام"، مشيراً إلى أن المساعدات التي يتحدثون عن إدخالها إلى مناطق النظام هي كذبة، إذ يتحكم بها قادة المليشيات والمتنفذون في النظام.