الأحد 2020/05/03

الرسائل الصريحة و”المشفرة” في مناشدات “رامي مخلوف”

لا يُخفي معظم السوريين اليوم، دهشتهم من الظهور الغريب النادر لابن خال الأسد "رامي مخلوف".

 ما يعرفه الجميع عن "رامي مخلوف" أنه ذراع بشار الاقتصادية منذ استيلائه على السلطة عام 2000، وأنه أحد رموز الفساد الكبرى التي كانت سبباً لاندلاع الثورة السورية، ويعلم السوريون كذلك أن أموال محادثاتهم على "الهاتف الخليوي" كان مخلوف يستخدمها في تمويل مليشيات تحارب وتقتل وتسفك الدم باسم "الدفاع عن الوطن".

أثار ظهور مخلوف مشاعر مختلفة لدى السوريين، بين من سخر من "زهد الثعالب"، ومن شعر بدهشة كبيرة لما آل إليه حال الرجل، وبين من لاحظ أن "مخلوف" لا يختلف كثيراً عن ابن عمته "بشار" في طريقة الحديث وعيوب النطق والكلام.

على أية حال، ثمة بين السوريين من تجاوز هذه المظاهر جميعاً، وحاول التقاط إشارات ودلالات ظهور "مخلوف" السياسية، في هذه الفترة التي يبدو أنها تحمل مفاجآت كثيرة لا تزال في جعبة الغد.

تشير التقارير الإخبارية الغربية إلى حدوث صراع محتدم داخل عائلة الأسد، وبالتحديد بين "رامي" و "أسماء الأخرس"، الذين كانا بالأمس شريكين في ما يسمى "جمعية البستان الخيرية"، ذات السمعة السوداء، المسؤولة عن عمليات قتل وقمع وخطف وتصفيات، وأصبحا اليوم من "أباطرة الحرب" المتصارعين على "بقية الكعكة".

هذا ما قرأه الناس خلال الأيام الماضية، وهذا ما أكده "رامي" في ظهوره الثاني الأحد، حيث ناشد ابن عمته أن يضع حداً لتدخّلات الذين حوله، ووصف تلك التدخلات بأنها باتت "خطيرة ومقرفة"، وحذّر من "عقاب إلهي" سيطال الجميع في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه. صحيح أن "رامي" لم يذكر "أسماء" بالاسم،  لكن أمر الخلاف بين "آل مخلوف" وزوجة الأسد، بات أكثر من مشهور.

رسائل الظهور المثير للجدل:

ظهور رامي مخلوف الثاني حمل مجموعة من الرسائل أوضح بكثير من تلك التي رشحت في الظهور الأول، وأهم المحاور التي ذكرها بين التصريح والتلميح:

 

1- انقلاب واضح ضد رامي من قبل الأجهزة الأمنية التي كان بالأمس يطعمها ويسقيها و"يخدمها".

2- تصعيد في اللهجة والنقد، حين قال إن السلطة لا تعني "الظلم"، متجاهلاً أن تلك السلطة التي يشكو منها اليوم، مارست الظلم والقمع والقتل والاستبداد بحق السوريين منذ 50 سنة.

3- ألمح "رامي" بشكل "شبه واضح" إلى تهديدات تلاحقه شخصياً، وأكد أن ظهوره في الفيديوهات "ليس مزحة أو لعبة.. إنها مخاطرة كبيرة لوجودنا وعملنا"، وهذا ما يُفهم منه أن الخلاف بينه وبين "تيار أسماء" تجاوز مرحلة الصراع الاقتصادي، ليصبح في الواقع صراعاً وجودياً.

كل هذا يحصل طبعاً و"بشار" ليس هنا كما يقال، ويبدو أن مناشدات "رامي" له ستذهب أدراج الرياح، لأن الأسد يظهر بشكل فعلي على صورته الحقيقية: شخصية سلبية غير فاعلة مسلوبة الإرادة، ولا يستطيع الجمع بين تناقضات فرضتها عليه مطامعه في البقاء على كرسي الحكم، وهذا بالضبط ما ذكرته مؤخراً تقارير روسية حول شخصيته.

4- حذّر رامي بشار الأسد من "عقاب إلهي ومنعطف مخيف"، وأكد في الظهور الثاني أنه "لن يتنازل مهما حدث"، ما يعني حرفياً أنه اختار المواجهة في معركة تُدقّ طبولُها الآن في الخفاء، وأن الخلاف الحاصل لن يمرّ مرور الكرام، وأن "أياماً صعبة" بدأت كما قال.

جمر تحت الرماد:

من يتابع الصفحات والمنشورات المحلية في الساحل السوري، يجد أن "رامي مخلوف" يتمتع بشعبية كبيرة جداً، ويعتبره البعض هناك صاحب "فضل" أكبر من أفضال النظام. فبشار بالنسبة إلى الغالبية الصامتة من "العلويين" أرسل أبناءهم إلى الموت ليحافظ على كرسيه، ولم يقدم لهم جزاء ذلك أكثر من "ساعة حائط" ومبالغ تافهة لا يمكن أن يشتروا بها وجبة طعام واحدة في ظل الغلاء الفاحش، أما "رامي مخلوف" فاستطاع كسب ودّهم عبر توجيه "مشاريعه الخبرية" تجاههم.

 

ولا بد من الإشارة إلى أن "رامي" حاول في ظهوره استمالة عاطفة هؤلاء، حين قال لبشار: سأدفع، ولكن وزع هذه الأموال على الفقراء، والمقصود بهذا هم "فقراء الطائفة"، الذين باتوا اليوم – بشكل أو بآخر- أحد ضحايا حرب الأسد على السوريين، هم فقراء أصلاً، وغير متنفذين في النظام، استخدمهم بشار وقوداً لحربه الهمجية، ولم يقدم لهم شيئاً، وباتوا منبوذين لدى السوريين بسبب ممارسات القتل الطائفي.

في الخلاف الحالي، سيقف هؤلاء حتماً مع "رامي مخلوف" للاعتبارات التي ذكرناها، إضافة إلى اعتبار طائفي بحت، فأسماء مهما كانت تبقى "سنّية" بالنسبة إليهم، واليوم بات يصفها بعض "علوية الجبل" بأنها "تركمانية عثمانية"!. تجدر الإشارة إلى أن تقارير وتسريبات تقول إن "رامي" موجود حالياً في إحدى قرى الساحل المحصنة بأتباعه.

ويجدر بالذكر أيضاً أن ظهور "رامي مخلوف" تزامن مع تقارير روسية تحدثت عن فساد الأسد ودائرته الحاكمة، فهل قصد "مخلوف" الظهور بمظهر "المظلوم" للتبرؤ من تبعات سقوط قريب محتمل للأسد؟ أم إن الأيام القادمة ستشهد فعلياً حرباً ضروساً بين "الحيتان" تساهم في اقتراب سوريا من لحظة الخلاص؟