الأثنين 2020/04/20

الأقدار تجمع محامياً سورياً بجلاده الأسدي في ألمانيا

من المقرر أن تبدأ بعد أيام في ألمانيا، أول محاكمة من نوعها عالمياً لضابطَين سابقين في مخابرات الأسد، متهمَين بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".

المحاكمة التي تنطلق أولى جلساتها في 23 نيسان الجاري، في مدينة "كوبلانس"  غرب ألمانيا، تخص الضابط في مخابرات الأسد "أنور رسلان" (57 سنة)، الذي يواجه تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتضمن عمليات تعذيب واغتصاب وقتل جماعي، إضافة إلى ضابط آخر يدعى "إياد الغريب" (43 سنة) متهم بـ"التواطؤ" في ارتكاب هذه الجرائم، وكانت السلطات الألمانية ألقت القبض عليهما في شباط 2019، بعد تحقيق مشترك مع المخابرات الفرنسية.

أحد ضحايا "أنور رسلان" هو المحامي السوري المعروف "أنور البني"، الذي روى لوكالة الأنباء الفرنسية، قصة تعرفه على جلاده في موقف رتّبته الأقدار.

يقول "البني" إنه قبل خمس سنوات، التقى صدفة في أحد المتاجر الكبرى في برلين، بالضابط السابق "أنور رسلان"، حيث كانا يقيمان في مبنى واحد بالمدينة التي وصلا إليها لاجئَين بفارق شهرين في العام 2014 .

ويستذكر البني وهو يدخن سيجارة إلكترونية: "لقد قلت لنفسي إني أعرف هذا الرجل لكنني لم أتعرف عليه فوراً"، وبعد بضعة أشهر، صادفه مرة أخرى في أحد المتاجر الكبرى، ولكن هذه المرة، تمكن من التعرف عليه.

وانشق العقيد السابق "رسلان" عن مخابرات النظام عام 2012، قبل أن يصل إلى ألمانيا في 26 تموز/يوليو 2014 كلاجئ، وهو متهم باعتقال "أنور البني" في أيار/مايو 2006 من أمام منزله في دمشق، وسجنه لمدة خمس سنوات حتى إطلاق سراحه في 2011 عند بدء الثورة الشعبية في سوريا.

وقاد "رسلان" قسم التحقيقات في "الفرع 231" التابع لمخابرات الأسد في العاصمة دمشق، ويتهمه الادعاء الألماني بارتكاب آلاف عملية التعذيب، إضافة إلى عمليات قتل واغتصاب.

ويقول المحامي السوري "أنور البني" في مقابلته مع وكالة الأنباء الفرنسية، إن الجلسة التي ستعقد أمام محكمة "كوبلانس" الألمانية تشكّل "رسالة مهمة" إلى المسؤولين في نظام الأسد، ومن نفذوا الانتهاكات، مفادها "أنك لن تفلت من العقاب، لذا فكر بالأمر".

ويقوم "البني" الناشط في مجال حقوق الإنسان، حالياً بجمع الأدلة والشهادات ضد مسؤولين سوريين، لإتاحة البدء بالملاحقات القضائية، ورغم أنه لم يعد قادراً على ممارسة مهنته "المحاماة" في ألمانيا، لكنه نجح في إقناع الضحايا بالإدلاء بشهادتهم.

المرتكز القانوني للمحاكمات:

تطبق عدة دول بينها ألمانيا وفرنسا، مبدأ "الولاية القضائية العالمية" الذي يسمح لدولة ما بمقاضاة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان تنفيذ جريمتهم.

وأوضح المحامي الألماني باتريك كروكر، الذي يمثل ستة أطراف مدعية مدنية سورية قد تنضم إليها امرأتان، أن "القضية ليست قضية انتقام بل قضية معرفة الحقيقة".

وأضاف المحامي أن هؤلاء الضحايا الذين لجؤوا إلى دول أوروبية مختلفة "يريدون للعالم أن يعرف ماذا حدث هناك".

وأكد المحامي كروكر أن جميع من سيدلون بشهادتهم في المحكمة "عانوا من سوء معاملة جسدياً وأحياناً بشكل وحشي للغاية وعلى مدى فترة طويلة".

أما جريمتهم فكانت "على سبيل المثال، المشاركة في المظاهرات أو تصوير تجمع أو جمع الأدوية للمصابين خلال المظاهرات".

ورغم فرارهم إلى أوروبا، لا يزال الرعب يخيم على الضحايا الذين غالباً ما يفضلون التزام الصمت خوفاً من مغبة التعرض لأقاربهم في سوريا أو خشية من تهديدات عملاء سوريين محتملين في أوروبا.

ويضيف "البني" للوكالة نفسها أن "المعركة" مع جلادي نظام الأسد لم تنته بعد، وأن نحو ألف شخص "متورطين في جرائم ارتكبها نظام الأسد" موجودون حاليبً في أوروبا كلاجئين، "بدون أن يساورهم القلق".

وسيتحدث الضحايا في محكمة "كوبلنس عن أنفسهم وكذلك بالنيابة عن أولئك الذين لن يتمكنوا من الحضور، بحسب كروكر، الذي أوضح: "إما لأنهم ما زالوا مسجونين أو خائفين، أو لا يمكنهم الوصول إلى أوروبا وإما ماتوا جراء التعذيب".

وكان باتريك كروكر صرح في وقت سابق أن "المحاكمة في كوبلنس خطوة مهمة، وإن كانت بداية طريق طويل للوصول إلى العدالة". وأضاف أن "المزيد من المحاكمات يجب أن تلي هذه المحاكمة".