الأثنين 2017/03/13

هل تنتصر الشوكولاته؟

صار ذكر قصة ماري أنطوانيت مع الجياع في أثناء الثورة الفرنسية مثلاً شهيراً وباهتاً لكثرة ذكرته، فقد لاكته الألسن حتى فقد حس الفجيعة؛ ولأن الطغاة يتكررون، لكن المآسي تتخذ شكلاً مختلفاً في كل عصر.

قصة الرجل الذي سرق قطعة الشوكلاته من متجر في مصر طوفت الآفاق الإعلامية، وصار هاشتاغ سارق الشوكلاته أكثر الهاشتاغات زيارة وتدويناً، وانقسم الناس كما العادة في شرقنا المكلوم، بين من يزعم أن هذه الحادثة بداية النُّذُر وأنها فاتحة لدواهي لا تبقي ولا تذر، وبين مُدين متمترسٍ خلف المثل المشهور : تموت الحرة ولا تأكل بثدييها.

المفارقة في المسألة أنها ليست جوعاً بمعناه البيولوجي، فالجوع لم يكن قاب قوسين أو أدنى من الفتك بهذا الرجل وطفله الصغير الذي ألح على الأب، الذي كان خاوي الوفاض من جنيه مصري حتى بعد انهيار سعر صرفه، فما كان من الأب إلا أن احتال لحل مأزق العجز أمام الصغير، الذي يعيش في القرن الحادي والعشرين، ويعتقد أن وجود الشوكلاته في يده أمر لازبٌ لا مفر منه.

وقع الأب في مصيدة رجال الأمن في المجمع التجاري الكبير، فاقتادوه إلى مركز الأمن، ووقف أمام القاضي للبحث في المسألة قانونياً، واعتبر الموضوع جُنحة، سينال عليها هذا السارق الظريف عقاباً، لأنه اقترف فعل السرقة.

المدونون على مواقع التواصل الاجتماعي قارنوا بين حكم البراءة الذي ناله الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي سرق من المال العام سبعين مليار دولار، وحكم الإدانة، الذي ناله الرجل على سرقة قطعة شوكولاته ثمنها سبعة جنيهات، لتكون مفارقة أظهرت مقدار الفجيعة في الحالة المصرية بعد الانقلاب الذي نقذه عبد الفتاح السيسي.

يقولو المدونون على قضية سرقة الشوكولاته : إن معظم النار من مستصغر الشرر ، وأن المسألة ليست حادثة معزولة وظريفة ،ويكون التعاطي معها تحت باب التندُّر ، ولكن الموضع أكثر عمقاً من ذلك، ويكشف الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر بسبب السياسات الاقتصادية التي قام بها الانقلابيون منذ سيطرتهم على الحكم والإطاحة بأول حكومة منتخبة في تاريخ مصر الحديث .

ربما رضي الجيل الذي ولد في عصر مبارك بالقليل من متاع الدنيا، وأقل القليل من الغذاء، لأن العين لا تقاوم المخرز، ولأن سياسات البطش أقوى من أن يحتملها شعب أعزل ، ولكن هذا الجيل الذي يمثله الطفل، لن يقبل بشوية فول وشوية عدس ، وتقسيم الرغيف إلى أربعة أقسام كما يروج إعلام سلطة الانقلاب ، هذا الطفل ينمتي إلى جيل يرى أن متطلبات الحياة أبعد من أن تكون فولاً يبقيك على قيد الحياة ، إنه يؤمن أن الشوكولاتة التي تمثل الرفاهية حاجة أساسية لا بد منها .... فهل تنتصر الشوكولاته؟