الجمعة 2017/05/26

من هونغ كونغ إلى دبي كيف تصنع مستنقعا جميلا

يشعر المرء بالدهشة عندما يجد بقاعاً على ظهر البسيطة ما زالت تتبع لبريطانيا وأمريكا بشكل مباشر على الرغم من البعد الجغرافي والاختلاف العرقي، وليس ببعيد عنا مثال جزر الفوكلاند الأرجنتينية التي تحتلها بريطانيا .

وفي هذا السياق لا بد من استدعاء هونغ كونغ؛ التي وقعت تحت سيطرة بريطانيا في أعقاب حرب الأفيون الأولى (1839-1842) ثم وُقِّعت عام 1898 معاهدة بين بريطانيا والصين، حازت بموجبها بريطانيا عقد إيجارٍ مدَّته 99 عاماً، رغم ذلك، كان الاحتكاك شبه معدوم بين السكان الصينيّين والمجتمع الأوروبي الثري في هونغ كونغ.
طُبِّق نقل ملكية هونغ كونغ من المملكة المتحدة إلى جمهورية الصين الشعبية في الأول من يوليو عام 1997، لينتهي بذلك رسمياً الاستعمار البريطاني عليها الذي دام لـ156 عاماً.

كانت هونغ كونغ مثالاً للمستنقع الاستعماري ، الذي تصنعه دول الاستعمار عادة ، فقد اشتهرت المدينة بناطحات السحاب، و صارت سوقاً لتجارة المال بشقيه الحلال والحرام ، وبعبارة أدق مكاناً لفلترة مالا يستطيع المستعمرون فعله في بلدانهم بسبب القوانين الصارمة ؛ التي تمنعهم من سياسات التوحش الاقتصادي والأخلاقي، لذلك يلجؤون لجعل هذه المستعمرات منصات لتنفيذ سياساتهم .

خرجت هونغ كونغ من هذه المعادلة 1997، لينتقل النشاط البريطاني إلى دبي مباشرة، ولم يكن الموضوع ارتجالاً؛ فقد تم التجهيز له قبل سنوات من خروج هونغ كونغ عن سلطة بريطانيا، ونقل سوق الذهب العالمي، وتجارة الرقيق الأبيض ، وناطحات السحاب إلى الإمارات ، وتم التسويق لهذه الوثبة بأنها من صنيع حكام البلاد، الذين مدحوا لهذه المعجزة البشرية ،ولتجاوزهم جيرانهم الخليجيين بعد أن جعلوا الإمارات مركزا عالميا للاقتصاد ، ولكن المدقق للقضية يجد أن بريطانيا هي من يدير هذا المشروع بعد أن نقلت شركاتها العملاقة العابرة للقوانين من المدينة الصينية إلى الإمارات، وفجأة دون سابق إنذار تحولت اللغة الإنجليزية إلى اللغة الأولى ، وبعدها اللغة الأوردية ، وتأتي اللغة العربية ثالثاً ، وتراجعت نسبة السكان العرب إلى عشرة بالمئة فقط من مجمل القاطنين ، وهذه نسبة لا يمكن لها أن تحصل في ظرف عشر سنوات ما ينبئ أن جحافل الشركات ومشغليها وكوادرها انتقلت دفعة واحدة إلى الإمارات ، ولتتحول هذه الدولة إلى أكبر مركز للرقيق الأبيض في العالم، ولتدار منها شبكات تهريب وتبييض أموال لم يسبق لها نظير، ولا يغيب عن البال تهريب أموال الخزينة المصرية إلى الإمارات عشية سقوط حسني مبارك وكيف تمت إدارة الاقتصاد المصري من هناك في حقبة المجلس العسكري، وحكم الرئيس مرسي ، هذه الإدارة التي خلقت أزمات اقتصادية مفتعلة فأعادت الجيش إلى الحكم بعد الانقلاب العسكري، ولا يغيب عن المرء أيضا ًنشاط شبكات الجاسوسية لكل دول العالم، وما قصة اغتيال الشهيد محمود المبحوح من قبل الموساد ببعيدة عن هذا السياق.

لم يكن للإمارات أي نشاط سياسي قبل الربيع العربي، وكان حكامها يمارسون النوم في المؤتمرات مثلهم مثل بقية الحكام العرب، ولكن مع اندلاع الثورات، طفا حكامها على السطح منذ اللحظات الأولى للثورة المصرية، وبدأت زياراتهم للرئيس المخلوع مبارك، ثم بدأوا بتسليط ماكينة إعلامية ضد ثورات الربيع العربي لشيطنتها وشيطنة كل من يقف معها، بل ذهبوا أبعد من ذلك ، حينما بدأوا بتلفيق الأكاذيب يوم الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا.

لم يكن هذا الدور إماراتيا، بل كان دوراً بريطانياً، ولكنَّ راسمي الاستراتيجيات يقفون من وراء جُدُر، ويحركون موظفيهم ، الذين يحوزون رتبة شيوخ لتحقيق هذه الغايات .

اشتهرت هونغ كونغ بناطحات السحاب وبنشاط عمراني مذهل جعلها درة أسيا ، ولكن تحت هذا الجمال الصناعي سياسات بشعة، ونتائج بائسة ، ثم انطفأت شعلة هونغ كونغ، بعودتها إلى الصين، ولكن البريطانيين ، نقلوا هذه الشعلة إلى الإمارات ومارسوا الصنيع نفسه، ببناء أبراج شاهقة تخلب الألباب، ولكنها كانت مثل هونج كونج مستنقعاً جميلاً ، ويرقد تحت ماء الجمال تماسيح بحرية وظيفتها الانقضاض على الشرق كلما أراد أن يجد ذاته.