الأربعاء 2017/05/24

معركة الموصل .. وقودها الناس والحجارة

في مدينة الموصل التي تشهد حربا طاحنة منذ 17 تشرين الأول 2016 لم تعد الخشية من الموت الهاجس الذي ينتاب الأهالي هناك، بل إن كثيرا من المحاصرين الآن في الجانب الأيمن باتوا يحلمون بالموت كمخلص من الأهوال التي عاشوها؛ فالأمد الطويل ، الذي استغرقته هذه الحرب غيَّرَ كثيرا من المفاهيم والبديهيات، كما إن الأهوال التي تتكشف كل يوم قد تدفعنا لنبرر لهم ما يقررون.

خلال 6 أشهر من المعارك والقصف في الموصل لم يتمكن أحد من إحصاء المذابح المرتكبة جراء القصف الجوي والمدفعي ليس بسبب غياب وسائل الإعلام المستقلة وحسب، بل لأن تكرار تلك المجازر بشكل شبه يومي ساهم بإضعاف القيمة الإعلامية لهذه الأخبار، غير أن بعض تلك المذابح كان لها وقع كبير لهولها ككارثةِ حي موصل الجديدة التي اكتُشفت في 23 آذار الماضي ووثق فيها مقتل أكثر من سبعمئة مدني بقصف المقاتلات الأمريكية ملجأ سكنياً ، وكمجزرة حي 17 تموز مؤخرا التي قتل فيها نحو 100 شخص وغيرها من الواقعات ؛التي ستبقى محفورة بذاكرة الموصليين الأليمة.

لم تنته المعركة بعد، لكنها تقترب من الحسم شيئا فشيئا، ويبدو أن حجم الفظائع والانتهاكات الجانبية؛ التي رافقت تلك المحرقة لم يكن عاديا وسيكون أبشع من المجازر المرتكبة نفسها، فعادة لا يتم الكشف عن الممارسات السلبية التي يقوم بها الجنود بالحروب إلا بعد شهور أو ربما سنوات من انتهاء القتال لكن ما يجري في الموصل اليوم يحمل مفهوما جديدا للحروب، ويبرهن لنا كل يوم أن المعركة طائفية بامتياز والأقسى من هذا أن المتورطين فيها يتعمدون كشف جريمتهم ليوصلوا رسائلهم، ويعلنوا الشكل الجديد للصراع القادم في المنطقة.

رغم مرارتها تغيب الحقيقة بالموصل "عمدا" عن معظم المحطات والقنوات العربية وخاصة التي تمتلك الشريحة الأكبر من المتابعين على المستوى العربي، ولم تكتف تلك المحطات بتغييب الحقيقة ، بل إن عملها أصبح مقتصرا على تبييض صورة المجرمين وتصوير قوات حكومة بغداد والمليشيات الطائفية المتحالفة معها على أنهم جيش وطني عراقي يسعى لتحرير البلاد و لإنشاء دولة مؤسسات، وبما أن الشمس لا تتغطى بغربال فإن حقيقة ما يجري بدأت تظهر عبر تسريبات وصور سرية من بعض الصحف الغربية التي لم تتبن كغيرها خطابا مزدوجا في التعامل مع الأزمات الحالية.

يقول مراسل صحيفة ديرشبيغل الألمانية علي أركادي في وصفه للـ "وحوش" الذين ينتقمون من أهالي الموصل فقط لأنهم سنة : "الآن عرفت كيف استطاعت داعش السيطرة على الموصل وغيرها من المناطق السُّنية بسهولة".

أركادي مراسل الصحيفة الألماني كان قد أُوكل بمهمةٍ لكتابة تقرير عن "أبطال التحرير" في الموصل لكنَّ رأيه تغيَّرَ بعد صدمته من الـ"أهوال" والـ"فظائع" التي ترتكبها قوات العبادي والمليشيات بحق الأبرياء، إذ وثق المراسل بالصور والتسجيلات عشرات حالات الاغتصاب للنساء والفتيات وفضلا عن أعمال القتل والتعذيب والحرق وسرقة الممتلكات والتدمير المتعمد للبيوت، ويوضح أنه استطاع كسب ثقة العناصر الطائفية بعد أن ادّعى لهم أنه سعيد بما يفعلون وأضاف "كانوا يرسلون لي تسجيلات لممارساتهم عبر الواتس أب عندما لا أكون حاضرا معهم" قبل أن يتمكن من الفرار إلى خارج البلاد.

كمتابع لأحداث معركة الموصل لا أحتاج لمثل هذا التسريبات لأعرف الأهوال التي جرت للموصليين فحجم الحقد والغل الذي صرح به قادة المليشيات الطائفية بشكل مباشر بالموصل وغيرها ولم يتمكنوا من إخفائه أمر كاف لإقناع أي عاقل بأن ما يجري بالعراق الآن ليس إلا حرب قذرة تهدف لتغيير البنية السكانية بغطاء دولي وبذريعة محاربة التطرف والإرهاب.

ستنتهي معركة الموصل قريبا وستنتهي معها السحابة السوداء لتنظيم الدولة بعد أن أصبحت المدينة أكواما من الخراب والدمار وبعد أن فقدت الآلاف من أبنائها بين قتيل ومفقود ومعطوب، لكن الذي سيبقى هو الحسرة في قلوب الأهالي والكثير الكثير من الأسئلة بلا أجوبة .. هل تحرير الموصل المزعوم يستحق هذا الثمن من الخسائر والضحايا ؟