الأحد 2017/05/28

قريش تنادي فلبوا النداء

ورتل القرآن ترتيلاً

منذ صغري وأنا أحلم أن أكون من حفظة كتاب الله ومجوديه وذوي الأصوات الجميلة فيه، ولطالما كنت مغرماً بسورة المزمل ومعانيها وفواصلها، بل وحتى باللحن القرآني المنبعث من تضاعيف آياتها وحروفها، أسمع القارئ يرتل قوله تعالى :

"يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً".

عندها عقدت العزم على سلوك ذاك الطريق، والاقتداء بأئمته وكبار حفاظه الذين عرفوا في وطننا العربي والإسلامي، واشتهروا بحسن أدائهم وأستاذيتهم في علم التجويد، كما إنني كنت أنظر باحترام ومودة للأساتذة الشباب الجدد، الذين بلغوا في هذا المجال مبلغاً كبيراً وأنشأوا مدارس قرآنية لها صيتها في كل أنحاء سوريا قبل الثورة .

قطار الزمن يسير بسرعة حاملاً في ثناياه ما لا تحمد عقباه، فإذا به يأخذ في طريقه أئمة كنا نعدُّ لهم الفضل عدّاً على سائر شباب البلد وأصبحوا عالة على هذه الأمة.. خانوا العهد وأفشوا السر، وضيعوا الأمانة، التي طالما عهدناهم من حفّاظها

"إنا عرضنا الأمانة عل السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً"

وممّا أدهشني موقفان لاثنين من كبار الحفاظ، أحدهما ابن دمشق البار، والآخر ابن ديرالزور، وعلى الرغم من تباينهما في الآراء وانتحاء كل منهما ناحية تختلف كل الاختلاف عن سابقه، إلا أنهما يصبان في بوتقة واحدة هي خيانة الشعب السوري وثورته.

إذا ما بدأت بابن دمشق الأستاذ الدكتور أيمن سويد، فإنني أبدأ به لما له من شهرة على المستوى العربي والدولي بحفظ وتجويد القرآن الكريم، وتصانيفه مشهورة معلومة في هذا المجال، والحادثة التي نحن بصددها هي وقوفه على الحياد تجاه ما يحدث في سوريا، وجرائم بشار الأسد بحق شعبها الثائر، الذي رفض الخنوع لحكم نظام أقل ما يوصف به أنه صنيعة إسرائيل والماسونية العالمية.

لم يكتفِ الدكتور سويد حينما دُعي لإحدى المناسبات الدينية بمدينة إسطنبول التركية كممثل عن النظام المجرم.. بوضع علم البعث بل دافع عن وجوده على طاولته في وقاحة لم نشهد لها مثيلاً إلا عند بني صهيون، وعندما طُلب منه وضع علم الثورة اكتفى بالقول.." لا علاقة لي .. من يرد فليضعه ".

لا مبالاة الأستاذ الجهبذ أغضبت بعض الشباب الغيورين على وطنهم والذين عانوا من بطش النظام وممارساته القمعية تجاه جميع من عارضه سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين، وسواء أكانوا حفظة ملتزمين أم من تيارات علمانية، كما إن نسيان الأستاذ سويد أو تناسيه مئات الحفظة الذي استشهدوا في سجون النظام ومعتقلاته أو بنيران شبيحته من أمثال الشيخ "رياض الصعب والشيخ عبدالعزيز حموية" إمام جامع الماجد بحي الميدان الدمشقي وعشرات أمثالهم في كل بقاع سوريا، نسيان كل أولئك الرجال أمر يدعو للخجل، فكيف يليق بمن يدعي حفظ القران الكريم وقرأ قوله تعالى :" ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا " أن يبقى صامتاً، وهو يعرف جيداً أن قول الحق فرض على كل مسلم ولو وُضعَ السيف على عنقه.

لبوا النداء

لم تكد صورة كفار قريش تغيب عن الأذهان عندما اجتمع مشركوها يبغون أذى بمحمد وأتباعه في مكة حينما صورتها السينما العربية التي أسهمت في تشكيل تخيُّل جماعي لهؤلاء الكفرة بقيادة أبي جهل وأمية بن خلف وأبي سفيان بن حرب داهية قريش .

وها هو مخرج أفلام داعش السينمائية الهوليودية يعجب بتلك الصور والثياب والسيوف والحراب، فيقرر أن يكون لباس العناصر كلهم على شاكلة ثياب أبي لهب ورفاقه في فيلم الرسالة، ثم لا يكتفي بذلك بل يجعل نسخته محدثة وكأنها ألعاب "البلاي ستيشن" فيضع بيد المقاتلين السلاح الرشاش بدل السيوف، ويقرر أن الوقت حان للتخلص من كفار المسلمين الذين لا يوالونهم، داعياً إلى تلبية النداء من قبل خليفة الزمان وبدر المكان أبي بكر البغدادي القرشي.

الإصدار الأخير المعنون بـ " لبوا النداء" ظهر فيه أحد أكبر منافقي قريش المدعو عامر السيد أستاذ اللغة العربية والقرآن الكريم بديرالزور، يدعو لمبايعة خليفته الكذاب. والمُلاحَظ أن نبرة الأستاذ لم تتغير كما تغيرت ثيابه وهيئته، فهو معتاد على مخاطبة الناس بأنفه المتكبرة منذ عشرات السنين، ولاسيما عندما كان يرفض الخروج على الحاكم الظالم، متمسكاً بأحاديث نبوية شريفة حول وجوب طاعة أولي الأمر، ما لبث بعدها أن بدّل رأيه عندما سيطرت جبهة النصرة على أغلب أحياء المدينة، داعياً إلى محاربة الكفرة النصيريين الملحدين، كما أخذ يتصل بالشباب يحضهم على الجهاد من مقر إقامته في الحسكة.. مع العلم أنها كانت خاضعة لسيطرة النظام الذي استقبله وأكرمه وفادته، لا لحسن أخلاقه وطيبها ولكن لأنه يعرف بالسيد الابن البار والأخ والصاحب الذي لا يمكن أن يعضّ اليد التي مدت له.

وقد صدق النظام - وقلّما حالفَ الصدقَ الكذوب - فالأستاذ بدأ يجاهر بعداوته للدواعش واصفاً إياهم بالخوارج، مقدماً فلذة كبده شهيدا في سبيل قتال "الموت القادم من الشرق" لكن للأسف.. دارت الكفة لصالح تنظيم الدولة، فإذا بالرجل وعلى عادة المنافقين يقدم اعتذاره الشديد، ويعلن ولاءه لأبي بكر البغدادي ولتنظيمه الخائن، الذي ما لبث يفتك بخيرة شباب البلد بحجة تعاملهم مع التحالف أو النظام أو الجيش الحر أو جبهة النصرة أو حتى بحجة كونهم يحملون بأعلى أجسامهم رؤوساً لا تشبه رؤوسهم العظيمة.

ورحم الله شعبنا الثائر، ورحم أبي فراس الحمداني حينما قال:

وقال أصيحابي الفرار أو الردى                 فقلت هما أمران أحلاهما مر