الأربعاء 2017/05/24

فريق الديكتاتور السوري لكرة القدم

بدعمٍ ضمنيّ من قِبَلِ الفيفا، أقحم نظام بشار الأسد في سوريا كرة القدم في حملتها القمعية المروعة، مسببا بذلك شرخاً كبيراً في جيلٍ كاملٍ من اللاعبين.

في فترة الظهيرة الباردة من أحد أيام شهر شباط/ فبراير، جلس أحد أفضل لاعبي كرة القدم في سوريا خارج مُجمّعٍ تجاريّ في الخليج العربي، وقد أخذ منه التفكير ما أخذ حول قراره الذي كان يخشى أن يتسبب بمقتله.

خمس سنوات وفراس الخطيب لازال مقاطعاً منتخب سوريا الوطني محتجَّاً على الديكتاتور بشار الأسد، الذي قام بقصف مسقط رأسه وتجويع أهله.

والآن، وبشكلٍ مفاجئٍ، يبدو أن تغيّراً ما حدث في قلب الخطيب. إنه يفكر بالعودة إلى سوريا من أجل المضي قدماً بهدف التأهل إلى كأس العالم السنة القادمة. أسبابه معقدة، وفراس مترددٌ في التعبير عنها.

"أنا خائف، أنا خائف،" يقولها بلغة إنجليزية رسمية جداً. "في سوريا الآن، إن تكلمتَ، سيقتلك شخصٌ ما—بسبب ما تفوهت به، بسبب ما تفكر به. وليس بسبب ما تقوم به. بل سيقتلونك بسبب ما تفكر به."

الخطيب شخصٌ ملتحِ، قصير القامة، بشعرٍ مجعّدٍ بني اللون وعينين لطيفتين. وقد كسب الملايين من اللعب الاحترافي في الكويت. يعطي المركز التجاري الفخم لمحة عن حياته المريحة هنا: يخوتُ تتمايل على المياه الزرقاء الصَّدَفية، ورجال ونساء بملابس أنيقة يدخنون الأراجيل. لكن يبدو أنّ الخطيب يكاد يتحطّم لحجم المأزق الذي يناقشه خلال يومين من المقابلات. "كل يوم وقبل أن أنام، أقضي ساعةً وربما ساعتين، أفكر بهذا القرار."

يُخرِجُ الخطيب جواله ليعرض صفحته على الفيس بوك، حيث يتلقى مئات الرسائل كل يوم. حتى أقرب أصدقائه منه مستعدون لمعاداته. أحد اللاعبين اللذين ترعرع معهم، وهو نهاد سعد الدين، يقول إنه في حال عاد الخطيب إلى سوريا فسيُلقى به "في مزبلة التاريخ هو وكل شخص يدعم القاتل بشار الأسد." يقسم سعد الدين أنه لن يتكلم مع الخطيب مرة أُخرى.

في لحظةٍ ما من الست وثلاثين يوماً التالية، حين يلعب منتخب النظام مباراته المقبلة، سيكون على الخطيب أن يختار بين شرّين عظيمين يصيبان العالم المعاصر بالبلاء.

فإن عاد وانضم للمنتخب  مرةً أُخرى، فسيكون كابتن الفريق واللاعب الأهم في سعي بلده للوصول لكأس العالم للمرة الأولى. وسيمثل النظام—الذي عدا عن استخدامه لغاز الأعصاب، يقوم بتعذيب واغتصاب وتجويع وقصف المدنيين— الذي استخدم كرة القدم كسلاحٍ للترويج لحكم القاتل.

وإن استمر في مقاطعته للمنتخب، فسوف ينخرط في حركةٍ معقدةٍ بدأت بمظاهرات سلمية وانشقت بعدها لتشمل القاعدة وتنظيم الدولة. لقد استخدم تنظيم الدولة كرة القدم كخلفية لبعض أبشع جرائمها، بما في ذلك تفجيرات 2015 في ستاد دو فرانس وتفجيرات 2016 في مباراة لكرة القدم للشباب في العراق أدت إلى مقتل 29 طفلاً.

والآن، في سوريا، يوجد الكثير من القتلة، ليس واحد فقط أو اثنين،" يقول الخطيب، و"أنا أكرههم جميعاً."

يعيش الخطيب حالة ضياع.

"مهما حدث، فسوف يحبني اثنا عشر مليون سوري،" يقول الخطيب، "أما الاثنا عشر مليون سوري الباقون فإنهم يريدون قتلي."

في قلب حرب سوريا تتجسّدُ حربٌ أهليةٌ مصغرةٌ: معركة مؤلمة وأحياناً تكون دمويةً في سبيل روح الرياضة الوطنية.

وقد ألّبَت تصفيات كأس العالم التي بدو في غير محلّها بالنسبة إلى الوضع في سوريا اللاعب ضد اللاعب والمدرب ضد المدرب- انقسامات تعكس الصراع الذي يعيد صياغة الكثير حول العالم.

فخلال ست سنواتٍ من الحرب، لقي ما لا يقل عن 470,000 سوري مصرعهم، وانخفض مستوى العمر المتوقع في البلاد من 70 سنة حتى 55 سنة. وكونه فريقاً يمثّل بلداً يضم أكثر من اثني عشر مليون نازح، أي ما يقارب نصف عدد السكان، فإن منتخب النظام لكرة القدم يجسد مع ذلك ساحة قتالٍ أخرى بين أتباعِ الأسد ومعارضيه.

كما يؤكد نظام الأسد أنّ كرة القدم هي الشيء الوحيد الذي بإمكانه أن يجمع السوريين بكل انتماءاتهم. كرة القدم هي "حلمٌ يجمع الناس مع بعض. وهي التي تعطي الابتسامة للناس وتساعدهم على نسيان رائحة الدمار والموت، يقول بشار محمد، الناطق باسم منتخب نظام الأسد لكرة القدم.

وعلى أرض الواقع، فإن النظام الذي يتلقى دعماً ضمنياً من الفيفا قد أقحم كرة القدم في حملته القمعية برعاية الحكومة، كما أظهر التحقيق الذي أجراه البرنامج الرياضي "أوتسايد ذا لاينز" ومجلة ESPN.

لقد قام النظام بقصف وتعذيب وإطلاق النار على ثمانية وثلاثين لاعباً على الأقل من لاعبي الدرجتين الأولى والثانية من الدوري للمحترفين وعلى عشرات اللاعبين من الدرجات الأخرى، وفقا لمعلومات جمعها أنس عمو، الكاتب الرياضي السابق من حلب، والذي يوثّق انتهاكات حقوق الإنسان الخاصة بالرياضيين السوريين.يوجد على الأقل ثلاثة عشر لاعباً مفقوداً.

وأفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن نظام الأسد "قد استخدم الرياضيين والأنشطة الرياضية لدعم ممارساته القمعية الوحشية." لقد استُخدمت ملاعب كرة القدم كقواعد عسكرية لشن الهجمات على المدنيين. فمنذ بداية الحرب، وفقاً لما ذكره اللاعبون، أُجْبِرَتْ الفرق الرياضية على المشاركة في مسيرات دعم الأسد، بحمل اللافتات أحياناً وبارتداء قمصان عليها صورة الرئيس أحياناً أُخرى. "كان الأسد حريصاً أن يُريَ الناسَ أن الرياضيين يؤيدونه بقوة لأن هؤلاء هم الأشخاص ذوي النفوذ الكبير في الشارع،" يقول عمو. "كانت المسيرات إجبارية."

استند التحقيق الذي أجرته مجلة ESPN على مقابلات مع لاعبين حاليين وسابقين، ومسؤولين سوريين حاليين وسابقين في كرة القدم، وأصدقاء وأقارب الضحايا، بالإضافة إلى استعراض دراسات الحالة وأشرطة الفيديو المتاحة والتي أكد صحتها مراقبو حقوق الإنسان. أُجريت المقابلات بين سبتمبر 2016 ومارس 2017 في ماليزيا، ألمانيا، تركيا، السويد، الكويت وكوريا الجنوبية.

تم تسليم الادعاءات بأن سوريا تنتهك قوانين الفيفا التي تحظرُ التدخل السياسي في المسائل المتعلقة بكرة القدم.