الأحد 2017/03/12

طوق النجاة الأخير مع تركيا.. هل تدركه فصائل الثورة ؟

في اجتماع أنطاليا الذي ضم قادة جيوش كل من أمريكا وروسيا وتركيا بحث المجتمِعون سبل تعزيز التفاهم على الأرض، لتجنُّب صِدام محتمل بين القوات المختلفة بمنبج، بعد التصعيد السياسي والعسكري الذي شهدته المدينة، التي سَلمت مليشيات "قسد" جانبها الغربي لنظام الأسد، ووضعت ما تبقى منها تحت وصاية القوات الأمريكية، لمحاولة إحراج قوات "درع الفرات" والموقف التركي الداعم لها، والذي كان ينتظر تطهير منبج من قسد وفق تفاهم قديم العهد أبرمه مع الجانب الأمريكي إبان سيطرة المليشيات الكردية على المدينة.

نقضُ أمريكا اتفاقية خروج قسد من منبج، وبروز قوات نظام الأسد على الساحة بشكلٍ مفاجئٍ، مثَّل خرقاً لاتفاق غير معلن بين موسكو وأنقرة لتحديد سقف توغلِ قواتِ النظام بالمنطقة، وبذلك وجدت تركيا نفسَها محاطةً بمجموعة من المتآمرين، وخسرت أحد أهم أهدافها بتطهير الشمال السوري من الانفصاليين، وتلاشت آمالها بالمشاركة الجوهرية في معركة استعادة الرقة، وهو السبب الأبرز بحسَب مراقبين لاجتماع أنطاليا، الذي تقول عدة مؤشرات إن ما تناوله قادة الجيوش الثلاثة فيه كان إيجادَ دور أكبر لأنقرة يتجاوز عتبةَ الباب وجرابلس، ويناقش بشكل أكثر وضوحاً محصلة الوضع الراهن الذي خرجت فيه من اللعبة خالية الوفاض ولم تتمكن من إتمام مهمة حماية أمنها القومي من شبح عدوِّها اللدود  "حزب العمال الكردستاني"، الذي انفتحت شهيته على التوسع بحدودها الجنوبية في ظل الدعم الدولي الذي يتلقاه رغم تصنيفه منظمة إرهابية منذ عقود.

الخاسر الأكبر مما جرى في منبج كان الفصائل المشاركة بعملية درع الفرات المحسوبة على تركيا ، وكذلك الفصائل الأخرى في الشمال المحرر "الضائعة" بين انقساماتها العسكرية والسياسية ، تشتِّتها التحالفات الداخلية والخارجية ، فضلاً عن القصف المتواصل من نظام الأسد والاحتلال الروسي وحتى التحالف الدولي، وهو بشكل أو بآخر يضع تركيا مع المعارضة المسلحة "بجميع فصائلها" في خندق واحد، ويخلق حاجة متبادلة للطرفين على الأرض، فتركيا سيكون موقفها أكثر قوة على الأرض لو اشترك معها السواد الأكبر من الفصائل ولا سيما الإسلامية "المعتدلة" كأحرار الشام، والفصائل هي أيضاً بدورها بحاجة  لطرف إقليمي قوي وداعم للاتكاء عليه والتمترس المطلق تحت رايته في ظل تخاذل دولي مقصود لصالح الأسد ضد الثورة ، وتهديدات بأن تواجه مدينة إدلب مسلسلاً مماثلاً لما جرى بحلب، ولذلك فلن تجد الفصائل الثورية داعماً قوياً مثل تركيا التي خاضت معها تجارب 7 سنوات من الثورة ولم يمنعها من المشاركة معها بدرع الفرات سوى بعض الأسباب التي يمكن تجاوزها.


أيا تكن الأسباب المعلنة وغير المعلنة في امتناع الفصائل عن وضع يدها بيد تركيا والولوج بمشروعها في درع الفرات، فإنه لم يعد خافياً على أحد أن المعركة الحالية في البلاد ولا سيما الشمال دخلت منعطفا خطيرا سيسهم في رسم الشكل العرقي والديموغرافي الجديد لمئات القرى والبلدات العربية السنية من حلب إلى الرقة، وبمعنى أوضح تحديد الحصة السنية والعربية في الشمال بعد التقسيم الذي تلوح مؤشراته بشكل كبير، فتحالف عشرات الفصائل مع تركيا ليس من أجل مصلحة الأخيرة فقط وإنما لإحباط العديد من المخططات الانفصالية والطائفية التي تهدد سوريا والثورة بشكل عام.

ورغم الانقسامات والخلافات الكبيرة بين فصائل الشمال، يبقى بالنهاية رابط مشترك يجمع تلك الفصائل ويوحدها تحت راية واحدة وهو شبح معركة إدلب الذي لوحت فيه مليشيات إيران كثيراً وربما عملت روسيا على تأجيله لغايات سياسية، ولا يمنع ذلك سوى توحد عسكري كبير يحمل للجميع تحت عباءة تركيا، وقد يبدو ذلك صعباً في ظل النهج الدولي العدائي تجاه العديد من الفصائل وتصنيفه الجائر لبعضها لكن الأمر متاح لآلاف المقاتلين كأشخاص لا كفصائل، إذا ما وضعنا مصلحة الدين والثورة فوق كل اعتبار.