الثلاثاء 2017/03/28

روسيا وأميركا … “الرهان الوقح” على دماء الأبرياء

مهما كانت التفسيرات التي تحدثت عن ظروف وحيثيات موجة الربيع العربي التي اجتاحت عدة دول عربية مطلع العام ألفين وأحد عشر ، إلا أن الحقيقة الثابتة أن أقطاب السياسة العالمية حقّقت عَقِب هذه الموجة عدة أهداف، أهمها العودة إلى سياسة الانتداب والاستعمار، عبر عدة عوامل حاولت هذه القوى من خلالها تحقيق مصالحها والوقوف في وجه حصول الشعوب الثائرة على حقوقها في العيش الكريم والدولة المدنية.

سوريا والعراق كانتا المثال الأكثرَ دموية في قائمة دول الربيع العربي، وأصبح البلدان ساحة مفتوحة لصراع ممتدّ يطحن كل المشاركين فيه ، في الوقت الذي يظهر فيه طرفان يتحكَّمان بـ" تحريك خيوط الفوضى" في البلدين دون دفع خسائر الحرب التقليدية ..وهما روسيا والولايات المتحدة.

 تظهر موسكو وواشنطن على مضمار الحرب في سوريا والعراق عاصمتين متنافرتين ، يسعى كلٌّ منهما لفرض وجهة نظره والحصول على أكبرِ المكاسب بأقل التكاليف، فمن نافلة القول أن الطرفين متورِّطان في التنازع "الساخن أحياناً والبارد أحياناً أخرى" على إقامة قواعد عسكرية طويلة الأمد، و ووضع اليد على أهم منابع الطاقة شرق سوريا وغرب العراق، وذلك عن طريق وكلاء تديرهما الدولتان وتدعمهما.

من يتابع أحداث سوريا والعراق اليوم يجد مشهداً شبيهاً بسيناريو الاستعمار التقليدي الذي عاشته الدول العربية مطالع القرن العشرين، مع اختلاف الشخصيات، فاللافت أن روسيا والولايات المتحدة يتبعان سياسة التبادل في إطلاق اليد حول مختلف القضايا التي تشهدها سوريا والعراق.

معركة حلب ...كانت من نصيب روسيا، التي جلبت بوراجها وحاملاتها الاستراتيجية، وحشدت لها شهوراً ، بينما كانت أميركا تتفرج على هذا المشهد برضا غير معلن، كانت سامنثا باور ترعد وتزبد في مجلس الأمن ، منددة بالحملة الروسية "الوحشية " على نحو ثلاثمئة ألف مدني في أحياء حلب المحاصرة.

ورغم رعود وبروق "باور" الخلبية.. صبت روسيا على أحياء حلب الشرقية آلاف القذائف والصواريخ الارتجاجية والعنقودية والفراغية، وارتكبت مع حليفها "بشار" عشرات المجازر التي يندى لها جبين الإنسانية، والتي صارت أشلاء الأطفال فيها مادة الإعلام والرأي العام العالمي..والنتيجة ..أن حلب سقطت بيد الروس، وها هم جنودها يجوبون أحياء المدينة المنكوبة.  

على الطرف المقابل ..أطلقت روسيا يد شريكتها الولايات المتحدة في معركتي الموصل والرقة، وعلى سبيل تَكرار المشهد.. تقوم مقاتلات الولايات المتحدة تحت مسمى "التحالف الدولي" بارتكاب المجازر في المدينتين، بذريعة قتال تنظيم الدولة، ولعل أفظع ما ارتكبه التحالف الدولي من فظائع كان في حي "موصل الجديدة" غرب مدينة الموصل ، حيث قضى نحوُ ثلاثمئة مدني أكثرهم من النساء والأطفال بغارات جوية غادرة.

وهنا ظهر "الحس الإنساني" لدى روسيا التي دمرت مشافي أهل حلب على رؤوسهم، وطالبت بعقد جلسة في مجلس الأمن لمناقشة ما يحدث في الموصل.
كما قامت روسيا باستغلال الوضع في الرقة، وقامت عبر وسائل إعلامها بتهويل خطر انهيار سد الفرات، الذي تعرض لضربات من مدفعية ومقاتلات التحالف الدولي.

 ما نريد الوصول إليه .. أن روسيا والولايات المتحدة مهما بدتا مختلفتين على تفاصيل ما يجري في سوريا والعراق، إلا أن الخط الذي يجمعهما أوسع وأمكن من خط الخلاف، وأنهما متفقتان على لعب دور تدميري في تلك المنطقة الحيوية من الشرق الأوسط، والتي يدركان جيداً أن من يسيطر عليهما فقد امتلك نقاط القوة في المنطقة لعشرات السنوات القادمة، دون أن تراعي "الدولتان العظميان" أبسط قواعد الإنسانية في تلك الحرب القذرة، والتي تقومان فيها بمراهنة متواصلة..على دماء وأشلاء الأبرياء.