الأربعاء 2015/11/11

رجال النظرية الرابعة

النظرية الأولى وفق هذا التصور هي الرأسمالية، والثانية هي الاشتراكية، أما النظرية العالمية الثالثة فهي النظرية الجماهيرية، سلطة الشعب والديمقراطية المباشرة؛ التي وضعها العقيد معمر القذافي، وقد كانت مستوحاة من الاشتراكية والقومية العربية الإسلامية، وجزئيا من مبادئ الديمقراطية المباشرة. إنها تشبه نظام الإدارة الذاتية اليوغوسلافية،( قبل تفككها )، وقد اقتُرحت بوصفها بديلا للرأسمالية والشيوعية لبلدان العالم الثالث، و قد تم إنشاء المجلس الأعلى للتوجيه الوطني لنشر وتطبيق هذه النظرية ؛ التي لم تنفذ في الواقع، واستعاض عنها القذافي برقصات الشامبانزي السياسية، واحتفظ بالسلطة المطلقة.

دائما كنت أكره كلمة النظرية؛ لأنها تذكرني بضعفي في مادة الرياضيات، ولأنها تحتكر الحقيقة، وتجعل الناس قطيعا يسير خلف رأي وضعيٍّ ،اخترعه بشر محكوم بظروف اقتصادية واجتماعية وفيزيائية .

حتى كتابة هذا المقال توجد ثلاث نظريات ، لها بناؤها الفلسفي العميق ،وأنا هنا لا أخترع النظرية الرابعة؛ لأنني أكره النظريات ،بل أشير إليها موضحا حدودها وآليات تفكير شخوصها ، وأفضل حالات التعبير عنها ، ومن هم ضحاياها. 

في ليل بهيم غير واضح الحدود، يطرق بابك تائه الأفكار هارب من ازدحام سكاني في منـزله ،فيقول: يسقط المجلس الوطني.. تسقط الهيئة العامة للثورة السورية .. يسقط اتحاد التنسيقيات .. يسقط الأخوان المسلمون... تسقط المعارضة الخارجية ... يسقط الجيش الحر الذي انسحب من الزبداني وبابا عمرو، ثم تدخل معه في حوار . يستطيل بأن يغادرك متحفظا عن شتمك وعيناه تقولان لك تسقط أنت أيضا!!! .

صاحبك هذا صاحب نظرية الإسقاط، يتذرع بأن هذه الهيئات لم تفعل شيئا للشعب وللثورة، فيشرع في شرح وجهة نظره ، لقد كان يجب عليهم أن يجهزوا مشافي ميدانية، ويشتروا سلاحا وذخيرة وأجهزة اتصال متطورة ، ويطالبوا (بالنيتو) ، وبالمنطقة العازلة ، ويهتفوا كذا، ويسيروا في الشارع الفلاني ، وكأن الثورة لعبة ( بلاي ستيشن ). وينتقل هذه الرجل بين هذه الأفكار، وهو متكئ على جنبه الأيمن ،وعندما يبدأ الخدر يتسرب إليه سرعان ما ينتقل إلى الجانب الأيسر، ويشترط عليك ملعقة سكر واحدة؛ لأنه لا يريد أن يصاب بهذا المرض الذي لم يُروض بعد ، ويؤكد على الابتعاد عن مشاهدة الصورة المروعة والقاسية لضحايا الثورة السورية؛ لأنها ترفع الضغط ،وفي هذه الأثناء يصرخ في وجهك بنصيحة متكررة عن أضرار التدخين، وكيف أنه يشعر بالرشاقة والاستمتاع بالحياة والإشراق في النفس. مدعماً كلامه برأي بعض الشيوخ والأطباء، الذين أثبتوا أن من يدخن يخسر ثلث عمره الافتراضي ..

يسترسل صاحبك هذا في حديثه الذي يتمحور حول اللذة والذات وإيجاد آليات للخلود والاستمرار، ثم يعود هذا الصاحب للانقضاض على تفاصيل الثورة ..ناهشاً هذه المرة بالثوار، تحت مقولة هؤلاء صغار مراهقون، لا يعرفون شيئا، ولا بد من توجيههم.

صاحبك هذا أسقط كل شيء؛تاركا المستقبل معلقا في رذاذ لعابه الذي ينطلق باتجاه وجهك دون رحمة، وهو يصرخ مطالبا حتى بإسقاط فطيم الخليل .

وإذا حاولت الانقضاض عليه بسؤال مباغت ؛ طيب ما الحل؟ ينسحب على طريقة مشايخ الصوفية، معلقا الأمر على قوة خفية ستتدخل لحل هذا الاستعصاء؛ كون الشام محمية بالملائكة والأربعين ولياً ،الذين سيتدخلون في الوقت المناسب لحمايتنا من الهلاك بعد استجمام دام حوالي خمسين سنة، حينما تركونا في حقبة البعث عرضة للنهش والإهلاك. 

هذه هي النظرية الرابعة نظرية إسقاط كل شيء، والتأسيس لحالة عدمية، تنتج فوضى، تؤسس لنظرية الثرثرة،التي لا تنتج شيئا.

صاحبك هذا الذي جاء في الليل البهيم .. كان يعلق صورة حسن نصر الله في صالته التي أسرف في تجميلها، ولو حاولت مجرد الغمز حول دور هذا الرجل وحزبه المشبوه لحل بك ما حل بلص هارب في طريق مسدود ...صاحبك هذا صاحب هذه الليلة اللعينة تكهن بعد سقوط حسني مبارك بأن بشار الأسد سيصبح جمال عبد الناصر بطل القومية العربية الجديد .. صاحبك هذا فيه كثير من الشروخ؛ التي تجعله ينتمي إلى حالة يجب التخلص منها ،وهو متكئ الآن على كل جنوبه، ويريد التخلص من كل شيء ،ويبقى هو مع بقايا أفكاره البعثية، والتي لا يستطيع الانفصال عنها، يمارس النظرية الرابعة، يطرق الباب ليلا، ممسكا بمسكين آخر، يسلم؛ فيدخل فيتكئ على جنب ،ثم جنب، يتحفظ على عدد ملاعق السكر، ويلعن التدخين والثورة والثوار والمجلس والوطني والتنسيقيات والأخوان المسلمين والجيش الحر، الذي انسحب من الزبداني وبابا عمرو، صاحبك هذا هو ونظريته الرابعة و رذاذ لعابه الذي لا يرحم أصبح جزءا من مشاكل السوريين، التي لا بد من النظر فيها بعمق، خصوصا أن ليل الشتاء بهيم وموحش ، وهو يعاني من انفجار سكاني في منـزله ،يحرمه من ممارسة نظريته الرابعة؛ فيأتي كل يوم ليشرح لك اللاشيء .

Untitled 1

د. اياس الرشيد

كاتب ومحلل سوري