الأثنين 2017/05/08

” تخفيف التصعيد”.. بئست الاتفاقية !

لا يختلف عاقلان على أن روسيا نجحت بفرض إرادتها قسرياً على الشعب السوري من خلال اتفاق أستانا الأخير الذي يُعرف بتخفيف التصعيد ويخلو من أي تطرق لمطالب الثورة السورية وذكر مصير بشار الأسد أو المرحلة الانتقالية، ومخرجات القرار الدولي 2254 الذي يبدو أن روسيا انقلبت عليه وجعلت من أستانا بديلاً كلياً عنه وعن جنيف.

وفد المعارضة العسكري بعد أن رفض الاتفاق وأرغى وأزبد أثناء إعلان كازخستان في الجولة النهائية لبنود الاتفاقية النهائية بأستانا بحجة وجود إيران ضامناً، ها هو يقبله شكلاً ومضموناً من خلال ما يجري الآن على أرض الواقع من ركود جبهاتها واقتصاره على الرد على خروقات النظام.. ما يعني قبولاً واضحاً بالاتفاق ورغبة جدية بعدم خوض المعارك ضد الأسد.

ماذا تريد روسيا بهذه الاتفاقية؟

الكثير من المحللين حذّر من التقسيم من خلال هذه الاتفاقية، لكني أرى خيار التقسيم بعيداً نوعا ما في هذا الاتفاق، فهل يكون في ريف حمص الشمالي الصغير دولة مثلاً أو الغوطة الشرقية دولة أو بأجزاء من درعا والقنيطرة.. دولةً أخرى..! ، لماذا لا نتطرق إلى الغاية الأهم التي ترمي إليها روسيا من اتفاقها الفاضح هذا.

الملاحظ أن هذا الاتفاق جاء في الوقت الذي تُستنزف فيه قوات النظام بشرياً ومادياً في العديد من الجبهات، ما يستدعي تدخلَ روسيا لإنقاذ المناطق من السقوط؛ والدليل معارك حماة الأخيرة التي كلفت الاحتلال الروسي ضباطاً ومستشارين وآلافاً من الغارات الجوية، ثم إنه يأتي تزامناً مع تحقيق الفصائل الثورية تقدماً كبيراً في البادية السورية وسعيها لفك الحصار عن القلمون الشرقي، فضلا عن نيتها الوصول إلى ريف دير الزور الشرقي وتحديداً مدينة البوكمال. 

جاء هذا الاتفاق فنامت جبهات الغوطة ودرعا والقنيطرة وحمص وواصل النظام التقدم في حماة المشمولة أصلاً بالاتفاق بهدف تحقيق أكبر تقدم ممكن، والفصائل هناك تقتصر على الصد دون الهجوم أو استرجاع النقاط، ومن خلال ركود جبهات النظام في مناطق التخفيف بدأ بالتفرغ نحو تحقيق مكاسب وتوسيع رقعة السيطرة، فحشد وتقدم تقدماً كبيراً على حساب الثوار في القلمون الشرقي الذي لم تشمله الاتفاقية منهياً الأحلام بفك الحصار عنه، ثم صب جام غضبه على أحياء دمشق الشرقية وفرض عليها خيار التهجير او الإبادة الجماعية، وتذرّعت روسيا بعدم ضم تلك الأحياء للاتفاقية بحجة وجود هيئة تحرير الشام وهو ما نفاه فيلق الرحمن جملة وتفصيلاً، ثم لو افترضنا أنه يوجد عناصر للهيئة، كيف يكون مشروعاً الاتفاق في إدلب وريف حلب رغم ضمهما آلافاً من مقاتلي الهيئة، ويكون حراماً في دمشق !! 

الجواب لا يحتاج كثيرًا من الإمعان والتفكير.. ومن السذاجة الظن بأن روسيا تريد لنا خيراً من تلك المناطق، فهي ترى بقاء نظام الأسد خيارها الأفضل الذي يتيح لها الحفاظ على مصالحها بعد أن أصبحت منبوذة لدى السوريين، فسعت من خلال هذه الاتفاقية إلى محاولة ضم أكبر عدد من الأراضي إلى سيطرة النظام، وقد أعلنتها بكل وضوح أنها تسعى للوصول نحو دير الزور وتدمر حيث الثروة النفطية هناك، ثم إنها ستستميتُ لإنهاء فصائل أحياء دمشق والقلمون والبادية ومن صمد حتى الآن بالغوطة الغربية، وبعد أن تحقق تلك المكاسب ستُعلن بنفسها فشل الاتفاق وتتهم الثوار بذلك، وذاك وقتٌ لن ينفعنا فيه ندم على منح ثقتنا بمن أوغل بدمنا وقتل وهجَّر مئات آلاف الأبرياء..