الخميس 2017/03/16

تجارب جنيفية

في أوائل الثمانينات ظهر مسلسل تلفزيوني على الشاشة الصغيرة في سوريا لاقى نجاحاً كبيراً بين صفوف الجماهير ولاسيما أنه مثل حدثاً فريداً من نوعه.

المسلسل الذي حمل عنوان "تجارب عائلية" ضمّنه مؤلفه مأساة إنسانية لم أستطع فهمها وإدراكها وقتذاك، ما لبثت بعدها أن بقيت متحيراً إلى أن اتضحت لي الصورة حينما شاهدت مسلسلاً آخر مشابهاً له لكن هذه المرة تحت عنوان " تجارب جنيفية"*.

التجارب الجنيفية هذه أوحت لي بأفكار يمكنني صياغتها وتحويلها الى مسرحية أبطالها "الملا نصرالدين- والشيخ صابر- والأميرة فلانة ذات الحظوة والمكانة، ومكانها إمارة جنيف وزمانها حينما يصدق المثل القائل "إذا لم تستح فاصنع ما شئت " أما أحداثها فتتبع إلى ما يريده الامبراطور روسين الأمر الناهي وجلاده صاحب السيف البتار واللسان المهذار أبو العباس البشار.

أما باقي شخصيات المسرحية فهي عبارة عن بضعة ملايين من الرعاع الذين لا خير يرجى منهم أو من ذريتهم خاصة أنهم لا يكتفون بالطعام أو الشراب بل يريدون أن يكونوا أبطالا في هذه المسرحية ويزعمون أن لهم حقاً أعطاهم إياه قانون المسرح وشريعته.

إن المتتبع لمسار الثورة السورية أو المأساة السورية سيدرك كم عانت وكم لاقت الأهوال في سبيل كلمة واحدة رددها شعب واحد في بلد لم يعد بالواحد، فمؤتمرات جنيف على تعددها تطالب بوحدة سوريا التي تزداد تفككاً وتقسيماً كل يوم فيما المعارضة لا زالت مشغولة بانتخاب رئيس وفدها وباقي الأعضاء ومن جاء دوره في رحلة السياحة المدفوعة الثمن إلى بحيرات وغابات سويسرا الخلابة.

من غليون إلى صبرا إلى الزعبي إلى علوش إلى الحريري كلها أسماء لا تمثل سوى نفسها فالشعب الذي شرد أكثر من نصفه وقتل منه مئات الآلاف وسجن أضعاف أضعافهم لم ينتخب أياً منهم، ولا أعلم من الذي فوضهم للحديث باسم شعب ذاق الويلات على يد النظام الذي يفاوضونه بل الذي فعل بهم الأفاعيل على مدى ست سنوات.

إن هذه المعارضة السياسية كنا نحسبها جزءاً من ثورة الشعب تدافع عنه وتنصره وتتكلم باسمه لكن اتضح أنهم عبيد مصالحهم ، فمن يتحدثون باسمه (3 ملايين في تركيا- 2 مليون بالأردن- ومثلهم في لبنان وأوربا) لم نرها يوماً تقوم بتفقد أوضاعهم أو عمل إحصاء ولو مبدئياً بأسمائهم والاهتمام بأمورهم من الناحية الصحية أو العلمية أو الاجتماعية بل تركتهم عرضة للاستغلال من قبل أرباب العمل في الدول التي يعيشون فيها وانشغلت هي بطرح رغباتها في شكل الدستور الجديد ونوعية ولون الخط الذي يمكنها كتابته به.

إن تقلب هيئة التفاوض وعدم استقرارها على وفد معين تصاحبه عدة نقاط استفهام.. هل فشل جنيف 3 سببه الوفد السابق لذا وجب تغييره ؟ وهل يعتبر النظام أن مؤتمر جنيف ناجحاً لذا أبقى ممثله فيه صاحب الكذبات التي تعد ولا تحصى في مسيرة الثورة؟ .

إن هذه الهيئة مطالبة بإيضاح عدة مسائل أولها.. هل يعد بشار الأسد مجرماً في نظرها ؟ وإذا كان الجواب نعم فلم تتفاوض معه ؟ وإذا كان بالرفض، فمع من إذاً ذاهبة للتفاوض في جنيف ؟

السؤال الثاني هو.. هل الهدف الحقيقي من جنيف هو حماية المدنيين وإنقاذهم؟؟

الحقيقة أنه لم يعد هناك مدنيون، فالجميع قد رحل بمن فيهم أعضاء الهيئة الذين أصبح مأواهم فنادق أوروبا والخليج، فيما يقاسي مئات الآلاف من المدنيين آلام البرد والصقيع في مخيمات النزوح.

ولا يسعني في هذه المقالة القصيرة سوى أن أقول..

إلى هيئة المفاوضات " الله يعلم أنا لا نحبكم ولا نلومكم إن لم تحبونا".

.......................

*- اشتققنا هذا الاسم من ذاك المسلسل الطريف فعذراً من المؤلف وشكراً له لأنه أراحنا من عناء وضع اسم لهذه المهزلة التي نعيشها تحت اسم جنيف 1-2-3-.... الخ