الجمعة 2016/12/30

الهدنة و ما تحمله من عواقب وخيمة على الثورة

من ينظر للهدنة المعلنة يتوقع أنها تحمل في مضمونها الخير الكثير للثوار، حيث سيسود الأمان في المناطق المحررة، كما ستتوقف المليشيات الأسدية عن السيطرة على وادي بردى وجيوب دمشق، كما يتوقع بعضهم أنها فرصة جيدة لاستراحة الناس والثوار المتعبين من القصف لإعادة ترتيب أوراقهم وضخ دماء جديدة وتدريبها وتدشيم المواقع وتحصينها.

لكن يتوجب أيضاً النظر لأبعاد الهدنة على المدى الطويل وتأثيرها على الثوار، فالهدنة غير محددة المدة وبالتالي تعني تحويل الحل في سوريا من عسكري إلى سياسي، حيث سيتوجب على الجميع الآن الجلوس على الطاولة لإيجاد حل سياسي في ظل وجود ضعف سياسي للثوار وتفوق سياسي للروس، مما سيؤدي إلى بقاء الأسد طوال فترة المفاوضات والتي ستستمر لسنوات دون تمكن الثوار من استخدام ورقة الضغط العسكري بعد أن سحبت منهم في الهدنة. 

يضاف إلى ذلك أن الهدنة تعني توقف الدول عن إرسال أي سلاح أو ذخيرة للثوار خلال فترة المفاوضات، وبالتالي سيقابل ذلك نقص غير معوّض بالذخيرة بعد فترة من الزمن، مما يجعل الثوار غير قادرين على المدى المتوسط من القيام بأي عمل هجومي، وغير قادرين على المدى الطويل من القيام بأي عمل دفاعي.

لا ندري إن كان الناس أو حتى الثوار مدركين لحقيقة أنهم في حرب وجود (نكون أو لانكون) في ظل ضعف إسلامي شامل في العالم، ومع عدو مدعوم عالمياً ويحمل ثأراً من أيام سيدنا عمر رضي الله عنه، وهذا قد يفسر كلام سيد جواد "أحمد مدني" مندوب قاسم سليماني في حلب بأن دخول إدلب سيكون نزهة، هذا الضابط هو القائد العسكري للمليشيات الطائفية في حلب، وهو من قام بتحدي روسيا بمحاولة تخريب صفقة خروج الثوار من حلب.

هذا الجنرال لا يريد توقف الحرب حتى تصبح سوريا ولاية فارسية بالكامل، وهذا هدف وليه في طهران، يتوجب أن يقابل هذا التفكير وجود هدف وإستراتيجية للثوار، في سيناريو شبيه لسيناريو دخول التتار للشام قبل مئات السنين، وستستثمر إيران حالة الضعف والإنهاك لدى المليشيات الأسدية والروس والواضحة من خلال حملات التجنيد المتزايدة لتشكيلات جديدة كالفيلق الخامس، وتخفيف قصف روسيا الجوي مع الوقت، بسبب ارتفاع تكلفة الحرب وانتهاء المدة الروسية المتوقعة لإنهاء العمليات في سوريا. روسيا لم تستيقظ بين يوم وليلة لتتحالف مع تركيا، بل هي أدركت أنها بحاجة لإيجاد حل للوضع في ضوء التباعد بين المشروعين الروسي والإيراني.

إذاً مع مرور الوقت، سيكون هناك سيناريوهان محتملان، السيناريو الأول أن لا تدوم الهدنة، حيث انتقلت مراكز القوى الحقيقة في سوريا من المليشيات الأسدية والروس إلى المليشيات الإيرانية الطائفية، والذين لا يأبهون بهدنة، وسيقومون بخرق الهدنة وسيستمرون في المعركة، والسيناريو الثاني أن تدوم الهدنة وهذا يعني أن الثوار سيصبحون أضعف مع الوقت، بسبب التنافس على المشاريع والموارد المحدودة في المناطق المحررة، في سيناريو شبيه بقطاع غزة، بينما تستثمر روسيا والمليشيات الأسدية هذه الهدنة لحماية المناطق التي قاموا باحتلالها مؤخرا ولاستعادة حقول الغاز والنفط وتدمر ودير الزور، ثم يعودون مرة أخرى فيجدون أن الثوار أصبحوا بعد ضعفهم جاهزين لتقديم المزيد من التنازلات، وإن لم يقبلوا فالحل العسكري جاهز ولا سيما بعد استعادة الأسد لشرعيته الدولية كشريك في محاربة تنظيم الدولة وعن طريق الثوار بقبولهم بحل سياسي معه، ولانستبعد خلال هذه المدة أيضاً أن يستثمر الروس في معارك درع الفرات؛ لتقوية بعض الفصائل التي تقبل التعاون مع الروس لتصبح في مرحلة لاحقة القوى الثورية الجديدة.