الأثنين 2016/09/26

الهدنة الأخيرة ونفق السياسات المظلم

كثيراً ما تم القول عن أن المحادثات الأمريكية الروسية ستعزز الطريق إلى الخوض في جوهرية الحل السياسي في سوريا ولاسيما بعد الحديث عن التقارب في المفاهيم التي تمهد لإنشاء مجلس عسكري مشترك لمراقبة وقف الأعمال القتالية التي لا يوجد حتى الآن ما يساهم في نجاحها.

من جديد يعود الحديث عن تمكين الهدنة في سوريا بضوابط دولية بعد الخروقات العديدة التي حملتها الأيام الأولى لبدء سريان الاتفاق الأمريكي الروسي وما تبعه من تبادل الاتهامات بين وزيري الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف خلال جلسة مجلس الأمن الدولي.

دعوة جديدة جاءت من الجانب الأمريكي حملت مطالبة أمريكية لروسيا والنظام السوري بوقف تحليق الطائرات فوق مناطق القتال بسوريا واصفاً ذلك بالفرصة الأخيرة لإنقاذ وقف إطلاق النار المتداعي أصلاً ورافق ذلك دعوة ألمانية إلى تطبيق حظر مؤقت لتحليق جميع الطائرات الحربية لمدة تصل إلى سبعة أيام حيث جاء هذا بعد حادثة قصف قافلة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة قرب حلب.

تطورٌ يدعو المتابع للشأن السوري يتوقف عند نقاط عديدة أولها اللهجة التي تحدث بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حين وجه الاتهامات إلى روسيا محملاً إياها المسؤولية عن فشل الهدنة في سوريا؛ فلو تفحصنا جيداً وقلبنا صفحات السياسة الأمريكية سنجد أن اللغة الدبلوماسية الجديدة بدأت ترتفع خاصة مع قرب انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما وهذا ما يدعو إلى التفكير جيداً والتمعن في سياسة هذه الإدارة فقد تكون كل هذه الاحاديث هي لمجرد الدعاية الإعلامية والخوض خارج مستنقع الجمود الأمريكي الذي عُرف به على مدار عمر الثورة السورية فالكل يعرف كيف تراجعت إدارة أوباما عن قصف مواقع عسكرية للأسد بعد أن قام الأخير بقصف منطقة الغوطة في ريف دمشق بالأسلحة الكيماوية وكيف أن الروس استطاعوا أن يجعلوا الأمريكيين يتراجعوا عن الخطوط الحمر التي رسمها الرئيس باراك أوباما للأسد ليتمكنوا بذلك من تغير قواعد اللعبة لصالح حليفهم الأسد.

اليوم يعود السيناريو ليتكرر من جديد ولكن هذه المرة بغطاء دولي لا أكثر من القول إنه غطاء أوهن من خيوط العنكبوت فالدعوة اليوم تطالب بتطبيق حظر مؤقت للطيران فوق سوريا لكن هنا يغيب العنصر الأهم وهو قرار ملزم من مجلس الأمن يفرض على جميع الأطراف الالتزام بهذا الطرح وفي حال تم إحالة القرار إلى مجلس الأمن فلابد أن الفيتو الروسي والصيني سيكون له بالمرصاد فروسيا ورغم حديثها عن احترام القانون الدولي لاتزال تدافع عن حليفها الأسد وهذا ما من شأنه أن يعرقل أي طرح يدعو إلى تعبيد الطريق لحل سياسي في سوريا.

الآن وبعد كل التطورات الميدانية على الأرض في سوريا والحديث عن تصنيف جماعات المعارضة المعتدلة عن تلك التي يسمونها إرهابية تحاول موسكو اتخاذ هذا الجزء كأحد الأسباب المعرقلة للتوصل إلى تهدئة تكون بوابة لاستئناف المفاوضات التي يدعو إليها المبعوث الخاص إلى سوريا ستيفان دي مستورا حيث إن لا أحد من أطراف التفاوض قادر على أن يمنح الثقة للطرف الآخر رغم حديث الروس عن أن الأسد مستعد للتفاوض دون شروط مسبقة إلا أنه لم يقدم أي بادرة حسن نية تثبت ما دعا إليه وهذا بدوره يخلق الكثير من الريبة والشك لدى المعارضة التي خبرت النظام جيداً.

مشهدٌ سياسي تسوده الضبابية في المواقف حيث أن كل المحادثات ركزت على الجانب الإغاثي ووقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة دون الحديث عن مخطط زمني لبدء مرحلة الانتقال السياسي حيث تم تغيب الأسس والضوابط الأساسية التي خرج بها مؤتمر جنيف الأول والثاني حول ضرورة إنشاء حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة كما تم تغيب الحديث عن مصير رأس النظام بشار الأسد وكل هذا إن دل فهو يدل على عجز المجتمع الدولي أو بالأحرى تقاعسه عن إيجاد النقاط اللازمة للولوج إلى الحل الذي يضمن إحلال السلام في سوريا مما يجعل هذه الهدنة هي الهدنة الأخيرة التي تحتاج إلى عملية إنعاش ليس على المستوى الإنساني فحسب بل على جميع المستويات فالوضع في سوريا يسير باتجاه خطر لا يمكن لأحد تصور عواقبه لذا تبقى هذه الهدنة هي الفرصة الأخيرة للخروج من النفق المظلم والبدء بإعادة ترتيب الأوراق من جديد.