الأثنين 2017/02/20

الرقة.. عاصمة السلام العالمي “الضائع”

قالت العرب قديما لدى وصفها منظرا حسناً لا خير عنده.. "ترى الفتيان كالنخل وما يَدريك ما الدَّخل!".. مقولة تنطبق حقيقة في زماننا هذا على واقع ما تعيشه محافظة الرقة معقل تنظيم الدولة في سوريا، التي تتصدر واجهة أي حديث دولي عن محاربة "الإرهاب"، حيث تتصارع أطراف عدة للسيطرة عليها، بل وأصبح الحديث عن محاربة التنظيم فيها دعايةً في الحملات الانتخابية.

قوة كبيرة مشكّلة ضد تنظيم الدولة منذ نحو 3 أعوام تتمثل بتحالف دولي يضم أكثر من 60 دولة، والمفارقة العجيبة أن ذاك التحالف بإمكانياته الكبيرة والمليارات التي صرفها لم يحسم المعركة، ولا يزال عاجزاً أو بشكل أوضح "متعاجزاً" عن إنهاء وجود التنظيم في سوريا الذي لا يتجاوز عناصره 50 ألفاً على أكثر تقدير، بينما ظهرت "درع الفرات" شمال سوريا قوة أخرى لا يستهان بها وفاعلة في مكافحة التنظيم ،وتمكنت من طرده من مواقع كثيرة، وفي نفس الوقت أدار الحلف الدولي الذي يرى أن السلام العالمي يبدأ من محاربة التنظيم في الرقة، أدار ظهره عن مساندة فصائل الجيش الحر بمساندةٍ فعلية كالدعم الذي يقدمه للمليشيات الكردية الانفصالية بكامل فروعها، رغم التباين الصارخ في أهدافِ كلا الطرفين.

أبرز الأطراف الساعية للسيطرة على الرقة هي المليشيات الكردية، وقد أطلقت معركة ما يسمى "غضب الفرات" قبل عدة أشهر، ولأسباب كثيرة منها قلة العنصر البشري، لا تزال تتخبط وتسير ببطءٍ في المعركة، وتحاول واشنطن الترويج لها ولتقدمها، وهو ما ظهر مؤخراً على لسان متحدثٍ باسم البنتاغون ، زعم أن قادة التنظيم بدؤوا الفرار من الرقة بعد تقدم ما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، ومع كلِّ تقدمٍ تحقِّقُه المليشيات إما أنْ تستبقَه بإعطاء التحالف إحداثيات خاطئة لضرب المناطق العربية ، وقتل أكبر عدد من المدنيين وبث الرعب في نفوسهم، أو أن تقوم بتهجيرهم قسراً وتجريف أراضيهم، ولم يعد خافياً على متابعٍ أنَّ هدفها سحق الرقة بدل تحريرها لضمها إلى كيانها المتهاوي الذي يمكن القول إنه مُحِيَ بعد "درع الفرات". 

يأتي في المرتبة الثانية من المتنازعين على الرقة قوات النظام التي يقول مراقبون إنها تحركت شرق حلب خشية وصول درع الفرات إليها، وما يُثبت ذلك أن النظام وعلى مدار عامين لم يحرك قواته باتجاه مدينة الباب مطلقاً، وحاول الوصول قبل درع الفرات إلى المدينة إلا أنه فشل بذلك، وبدأ بقضم مناطق جنوب شرق المدينة بهدف الوصول إلى مسكنة والسيطرة على مواقع تكون حائطاً أمام تقدم درع الفرات نحو الرقة.

إلا أن سيطرة النظام على الرقة قد تبدو صعبة جداً، فقواته غير قادرة على خوض معركة استنزاف طويلة الأمد ضد التنظيم، وقد جرّبت قبل نحو عام التقدم من محور الطبقة إلا أنها فشلت فشلاً ذريعا، وبات هدف النظام الآن عرقلة تقدم أي راية إلى الرقة لا تدين بالولاء له، أكثر من هدف السيطرة على المدينة. 

ثمة تفاهم غير معلنٍ بين موسكو وواشنطن على محاولة عرقلة تقدم درع الفرات نحو الرقة، الأولى تساند النظام، والثانية تدعم المليشيات الكردية، وكلاهما يقفان أمام أهداف تركيا والثورة السورية، وإن تواصلت عرقلة درع الفرات و استمر الوقوف أمام الرغبة التركية العميقة بتحقيق وعودها والوصول إلى المدينة، فستبقى الرقة تخوض حرباً طويلة الأمد تضع الأهالي على وقع مذبحة يومية ودمار ممنهج، ليبقى السلام العالمي بذلك ضائعاً بيد من يزعم محاولة إيجاده.